ماثيو هيدجز: حكاية جاسوس غير مبتدئ

أبوظبي - كان ماثيو هيدجز باحثا شابا في شؤون الأمن، يتمتع بقدرة كبيرة على إقامة علاقات مع مسؤولين حكوميين عرب وضباط عسكريين ومستشارين أمنيين في الخليج.
استخدم هيدجز، البريطاني الذي نشأ في دبي، وظيفته كمدير للمؤتمرات مع شركة استشارات أمنية لمقابلة أشخاص يتمتعون بنفوذ، وإقامة علاقات مع بعض الشخصيات البارزة. وتسببت طريقة طرحه للأسئلة، التي كانت تستهدف معرفة أشياء ليست عادية، في وضعه في مأزق أكثر من مرة.
لكن ما ظهر في بادئ الأمر على أنه انجذاب أكاديمي للأمور المتعلقة بالأمن، يبدو الآن أنه كان بداية حياة عملية قصيرة كجاسوس لأجهزة الأمن البريطانية. ويشدّد المسؤولون الإماراتيون على أن هذا لم يكن عملُ محلّل مبتدئ، وإنما أسلوب عميل متمرّس لديه مهارة في الحصول على معلومات حساسة للغاية.
وتم القبض على هيدجز (31 عاما) في مطار دبي في الخامس من مايو الماضي، بعد إنهائه مهمة استغرقت أسبوعين، حاول خلالها الحصول على معلومات حول المشتريات العسكرية الحساسة وتفاصيل أمنية محددة خاصة بكبار الشخصيات في الأسرة الحاكمة.
ومع صدور الحكم المؤبد عليه بتهمة التجسس الأسبوع الماضي، وتلاه العفو الذي صدر هذا الأسبوع، عكف زملاؤه السابقون على شرح كيف أن هيدجز، الذي عاش في الإمارات منذ أن كان في التاسعة وحتى أواخر العشرينات من عمره، تسبب في إطلاق أجراس الإنذار.
وقال رياض قهوجي، المؤسس والمدير التنفيذي لمعهد الشرق الأدنى والتحليل العسكري الخليجي في دبي حيث عمل هيدجز، “نحن نعمل دائما مع الجيش أينما ذهبنا، وكان هيدجز دائما مهتما بهذا المجال. أتذكر تلقي شكاوى من حوله بأنه كان يطرح الكثير من الأسئلة. وكان مهتما بمعرفة تفاصيل عملية صنع القرار، ومن فعل هذا، ومن أصدر القرار بشأن ذلك. كل ما أراده هو الحصول على كل هذه التفاصيل”.
وأضاف قهوجي “أعتقد أن هيدجز قد وقع ضحية لشخصيته”. وعمل هيدجز لأول مرة مع مؤسسة “إنيغما” في أبراج “جميرا ليكس″ كمتدرب في عام 2010، قبل مغادرة دبي للانضمام إلى صفوف الجيش البريطاني.
وأكد قهوجي لصحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة باللغة الإنكليزية في أبوظبي، أن “هيدجز قال بعدها إنه فشل في الكشف الطبي المقرر للالتحاق بالجيش، وبدلا من ذلك يتطلع للدراسة والحصول على شهادة البكالوريوس من جامعة إكستر. وعندما عاد، عرضت عليه العمل معنا”.
وأعقبت ذلك فترة من سفر هيدجز المتكرر لمقابلة مسؤولي الأمن الذين تمكن من أن يقيم معهم علاقات في دول مختلفة في العالم العربي. وقال قهوجي “سافر هيدجز حتى إلى الدول العربية لمقابلة مسؤولي الأمن. كان الأمر مثيرا للريبة، لكنه اعتاد السفر في جميع أنحاء البلاد من تلقاء نفسه”. وقال زملاؤه إنه برع في تكوين صداقات وخلق أريحية مع الناس تدفعهم عادة للتحدث.
عاش هيدجز مع والدته وزوج أمه في البداية، ثم انتقل إلى شقة في تيكوم، التي باتت معروفة الآن باسم مرتفعات البرشاء بإمارة دبي. وانضمت إليه زوجته دانيلا تيجادا، موظفة العلاقات العامة، وعاشوا هناك لفترة من الوقت.
ويقول زملاء هيدجز عنه إنه “يفتقر إلى المهارة في التحليل الأمني والاستراتيجي”. ويقول قهوجي “كمحلل، يجب أن تتعلم كيفية ربط النقاط ببعضها، لكنه فشل دائما في ذلك. استقال هيدجز وعمل في شركة استشارية أخرى كان لديها عملاء في ليبيا، لكنه فشل في تخطي فترة اختباره”. وكان هذا آخر ما سمعه عنه زملاؤه في دبي.
ما لا يزال غير واضح في قصة هيدجز هو كيفية ارتباطه بالعمل في الاستخبارات الخارجية البريطانية “أم.آي 6″. سجل هيدجز للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة دورهام ببريطانيا، وفقا للمسؤولين الإماراتيين وأدلة مصورة نشرت الاثنين، وهذا هو الوقت الذي جرى فيه تجنيده.
وتتناقض الأقوال الصادرة عن عائلته وعن الصحافة البريطانية مع ما تم التوصل إليه خلال أسبوعين من البحث خلال أبريل ومايو من هذا العام.
وسافر هيدجز إلى دبي ظاهريا بدافع البحث في شؤون أمن دولة الإمارات العربية المتحدة بعد الانتفاضات العربية. لكن مصادر إماراتية قالت لـ”ذا ناشيونال” إن أسئلته ذهبت إلى حد أبعد من هذا، إلى الترتيبات الأمنية للشركات الحكومية الرئيسية والتفاصيل الأمنية للأسرة الحاكمة، حيث كان من الواضح أنه كان يسعى للحصول على معلومات حساسة بخصوص الأمن القومي للبلاد.
وقال مصدر إماراتي إنه “سرعان ما أصبح واضحا أن هيدجز كان يحاول الحصول على معلومات حساسة للغاية، وقد تم الإبلاغ عنها لأول مرة من قبل أحد الإماراتيين الذين طرح عليهم هيدجز أسئلته”.
وقال المصدر “هذا النوع من النشاط التجسّسي بين الأصدقاء والحلفاء هو أمر غريب للغاية، ولهذا السبب شعرنا بالحيرة الشديدة”. وأكد المصدر أنه بعد اعتقاله في الخامس من مايو أرادت الإمارات تسوية الموقف مع الحكومة البريطانية.

فمع وجود 120 ألف بريطاني يعيشون في الإمارات، وأكثر من مليون زائر من المملكة المتحدة سنويا، وعلاقات سياسية وأمنية واقتصادية راسخة، كان المسؤولون الإماراتيون يحرصون على حلها بشكل ودي.
لكنهم لم يستطيعوا السماح للقضية بأن تمر دون محاسبة أو اعتراف من لندن بأن مثل هذه الأعمال لا يمكن التسامح معها أو تكرارها. وقال المصدر “أردنا التعامل مع القضية قبل أن تأخذ مسارا قانونيا”.
ونفت الحكومة البريطانية ارتباطها بهيدجز، ولكن المصدر الإماراتي قال “الأدلة كانت مقنعة، بما في ذلك أدلة إلكترونية قدمها الأشخاص الذين تعامل معهم، بالإضافة إلى اعترافاته”.
وقال “كانت فكرتنا تتمحور حول إرسال رسالة مفادها أن هذا الأمر لا يتم بين الأصدقاء، وأن جميع مصادرنا مفتوحة أمامكم، ولكننا لم نصل مع البريطانيين إلى أي مكان، وأصبنا بالإحباط”. وصرّح المسؤولون البريطانيون بأن على الإمارات أن تُسقط هذه القضية، لكن الإمارات سعت إلى إقرار قاعدة في التعامل الأمني مفادها أن “هذا النوع من النشاط يجب ألا يحدث بين الأصدقاء”.
وقال المصدر إنه بمجرد بدء المسار القانوني، كانت هناك أربع جلسات استماع، ولم تنته المحاكمة في خمس دقائق كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، لم يستطع أحد التدخل. وأكد “بينما تحاول الإمارات بناء مؤسساتها، تحرص دائما على عدم التدخل في المسار القانوني للقضايا. كان هناك الكثير من الضغط باتجاه أن النتيجة القانونية الوحيدة المقبولة هي تبرئة المشتبه به، بغض النظر عن الأدلة. لكننا التزمنا بالمسار القانوني للقضية”.