مؤشرات على عدم جدية حكومة السوداني في إخراج القوات الأميركية من العراق

تماهي حكومة الإطار التنسيقي مع الموقف الإيراني بشأن إخراج القوات الأميركية من العراق قد يكون من قبيل "التقية" التي تجيد ممارستها التيارات الإسلامية في الأوقات الحرجة، ذلك أن مصلحة الإطار تقتضي تجنب الدخول في صدام مع واشنطن من شأنه أن يهدد سلطته ويوقف تدفقات الدولار التي ينتهي قسم منها في جيوب قيادييه.
بغداد - ألقى الكشف عن اتصالات سرية لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع نظيرتها الأميركية بشأن مستقبل وجود قوات التحالف الدولي ضد داعش في العراق بظلال من الشكّ في جديّة الحكومة المشكّلة من قبل الإطار التنسيقي الشيعي في مسعاها لإخراج تلك القوات.
ورجّح مصدر سياسي عراقي أن يكون الإطار نفسه غير راغب في إثارة صراع جدّي ضد الولايات المتّحدة من شأنه أن يزعزع استقرار الحكومة التي خاض معركة شرسة لتشكيلها ضد زعيم التيار الصدري رجل الدين مقتدى الصدر استمرت أشهرا طويلة وقدم خلالها تنازلات لقوى سياسية لم يكن على وفاق كبير معها.
وكانت صحيفة بوليتيكو الأميركية قد كشفت عن برقية لوزارة الخارجية الأميركية تضمّنت إشارة إلى اتّصالات سرية قام بها رئيس الوزراء العراقي وكبار مستشاريه لإبلاغ الجانب الأميركي برغبتهم في بقاء القوات الأميركية في العراق ولتأكيد أن التصريحات بشأن إنهاء مهام التحالف الدولي في البلاد كانت لإرضاء الرأي العام.
وأكّدت الصحيفة أنّ السوداني صرح لمسؤولين أميركيين بشكل خاص أنه يريد التفاوض بشأن إبقاء القوات في البلاد على الرغم من إعلانه الأخير أنه سيبدأ في عملية إخراجها. وقال المصدر ذاته إنّ قرب القوى المشكّلة للإطار من إيران لا يعني بالضرورة توافقها جميعا، وبشكل تام معها، في هدف إخراج القوات الأميركية من العراق، خصوصا وأنّ ذلك قد يفسح المجال لنشوب معركة مع واشنطن تستخدم فيها الأخيرة سلاح العقوبات الاقتصادية والمالية.
وتتمتّع القوى الشيعية المنضوية ضمن الإطار في الوقت الراهن بوضع مريح بفعل نجاحها في القبض على مقاليد السلطة بالكامل بعد أن كانت قد مرّت بأوقات عصيبة سنة 2019 مع تفجّر انتفاضة شعبية غير مسبوقة في وجهها. ومن مقومات ذلك الوضع تحكّمها في القرار الاقتصادي والمالي وتمكّنها من الوصول بسهولة إلى موارد الدولة ووضع يدها على جزء هام من شحنات الدولار التي ترسلها الخزانة الأميركية بشكل منتظم إلى العراق. وقال المصدر السياسي إنه ليس من مصلحة تلك القوى المقامرة بـ”إغلاق الحنفية” التي تعتاش عليها وتتمكّن بفضلها من مزيد التغوّل وتوطيد نفوذها في البلاد.
وبشأن سلسلة المواقف القوية التي أصدرها السوداني وإعلانه عزم حكومته على إنهاء مهمّة قوات التحالف الدولي ضدّ داعش في العراق، قال المصدر إنّ الهدف الأساسي منها قد يكون مجرّد استرضاء بعض الميليشيات والقوى الأكثر ارتباطا بإيران والتي لا تفتقر إلى رأي عام مساند لها على خلفية انتشار المشاعر المعادية للولايات المتّحدة داخل العراق وخارجه بسبب مساندة حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن الكامل لإسرائيل في حربها بقطاع غزّة. وكانت خلاصة مساعي حكومة السوداني لإنهاء مهام التحالف الدولي في العراق الإعلان عن تشكيل لجنة ثنائية لترتيب إنهاء المهام.
ويعدّ تشكيل اللجنة بحدّ ذاته دليل عدم جدية بالنظر إلى أنّ تشكيل اللجان أصبح بمثابة تكتيك متّبع بشكل متواتر في العراق عندما يراد تمييع قضيّة ما وصرف الأنظار عنها، حيث لا يُعرف إلى حدّ الآن أنّ أيا من اللجان التي تم تشكيلها للنظر في ملفات وقضايا محرجة مثل قضية مقتل المتظاهرين في الانتفاضة الشعبية المذكورة، أفضى إلى نتائج ملموسة وحدّد المسؤوليات بشكل واضح وقدّم حلولا عملية.
ولم يعد الخلاف بين مكوّنات المعسكر الموالي لإيران في العراق بشأن المواجهة مع القوات الأميركية أمرا سريا، حيث سبق له أن خرج إلى العلن من خلال التراشق الحادّ بين زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم كتائب حزب الله العراقي أبوحسين الحميداوي الذي نفى بشكل قاطع أن تكون العصائب ضمن الفصائل المشاركة في استهداف القوات الأميركية.
كما ردّت ميليشيا النجباء بغضب على اتّصال هاتفي جرى بين مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، الذي ينتمي إلى ميليشيا بدر بقيادة هادي العامري القيادي في الإطار التنسيقي، ومسؤول رفيع بمقر حلف الناتو في بروكسل أكّد الأعرجي خلاله التزام الحكومة العراقية بحماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين العسكريين الدوليين.
اقرأ أيضا:
المشهداني الأقرب لرئاسة البرلمان العراقي
وهاجم أكرم الكعبي زعيم النجباء الموقف الحكومي من وجود القوات الأميركية في العراق، وقال في بيان “كلما اقتربت المقاومة من النصر وإذلال الاحتلال ارتفع صراخ البعض حتى كدنا لا نميز هل الاحتلال هو من لا يريد الرحيل، أم هؤلاء البعض"، مضيفا "صاروا يحمونه بقبة سياسية سرادقها الخضوع وأعمدتها تزييف الحقائق والتضليل”، وموضّحا "وصل بنا الحال أننا لا نريد موقفهم مع المقاومة الإسلامية العراقية، بل أقلها ألاّ يكونوا مع صف عدو العراق".
ويقرّ متابعون للشأن العراقي بوقوع حكومة السوداني في حرج شديد بسبب صعوبة التوفيق بين استرضاء الشقّ المتمسّك بإخراج القوات الأميركية من البلاد والمستند إلى دعم إيراني قوي ومساندة قسم هام من الرأي العام الغاضب من الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل، وبين الحفاظ على مصالح حيوية سياسية واقتصادية وأمنية تربط بغداد بواشنطن.
ويتوقّع أن تلجأ الحكومة في ظل ذلك الحرج إلى محاولة ربح الوقت والاكتفاء بإصدار المواقف القوية والرهان على أن يهدأ الصراع في المنطقة وتخبو معه المطالبة بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في البلاد على غرار ما حدث في السابق حيث بدأت تلك الدعوة بتوهج كبير إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبومهدي المهندس بضربة أميركية سنة 2020، ثمّ تلاشت تدريجيا إلى أن اختفت بشكل تامّ.
وضمن الخطوات الشكلية قامت الحكومة العراقية مؤخّرا بإجراء سبر لآراء العراقيين بشأن الموقف من وجود القوات الأميركية في البلاد وذلك عن طريق توجيه رسالة نصية لهم عبر هواتفهم. وواجهت الخطوة انتقادات حادّة من قبل العديد من الشخصيات السياسية العراقية التي رأت أنها علامة ارتباك ولا تعكس جدية في معالجة الملف الشائك.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، الذي سبق له أن تولى منصبي وزير المالية ووزير الخارجية في حكومات عراقية سابقة، إن “قيام بعض المنصات الحكومية بالطلب من مواطنين بواسطة الهاتف الإدلاء برأيهم بخصوص بقاء أو عدم بقاء قوات التحالف الدولي وخاصة الأميركية في البلاد، بدعة". وأضاف في تعليق عبر منصة إكس "هذه القرارات سيادية حكومية وقانونية وفيها التزامات دولية، ولا يمكن إخضاعها لاستطلاعات شعبوية واسترضائية.. فلنتصرف كدولة".