مؤتمر المناخ "كوب 27": إخفاقات كثيرة واتفاقات مهمة

شرم الشيخ (مصر) - في حدث تاريخي، استطاع مؤتمر المناخ “كوب 27” الذي انعقد بمنتجع شرم الشيخ بمصر تأسيس صندوق للخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي، وهي خطوة كبيرة جاءت بشكل مفاجئ بعد أسبوعين من مفاوضات جرى تمديدها ليوم إضافي بسبب الخلافات بين الدول والمجموعات المتفاوضة، غير أن البيان الختامي عكس أيضا في طياته جزءا من التفاصيل التي لم يتم حلها خلال المفاوضات، وأرجأ البت في قضايا ملحة إلى نسخته المقبلة في الإمارات.
وشهد المؤتمر طوال أسبوعين انقسامات عميقة بين الأطراف المشاركة حول المساعدات النقدية المرجوة لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع الآثار الناجمة عن التغير المناخي.
كما كان موضوع خفْض استخدام الوقود الأحفوري بكل أشكاله للحد من ارتفاع درجات الحرارة حول العالم موضع انقسام عميق مع قرب اختتام محادثات مؤتمر “كوب27”.
وحاولت مصر التي استضافت المؤتمر إبرام اتفاق بين الأطراف المشاركة، لكن في ظل الانقسامات جرى تمديد المحادثات إلى ما بعد الموعد المحدد لاختتامها، فانتهت السبت، بدلا من الجمعة.
أهم إنجازات مؤتمر شرم الشيخ تمثلت في تعهد الدول الغنية بتقديم تمويلات مناخية جديدة للمرة الأولى
ووصف خبراء ما جرى الوصول إليه بأنه إيجابي لكنه غير كافٍ للتخفيف من آثار تغير المناخ، وللحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية.
وتتمثل أبرز إخفاقات مؤتمر “كوب 27” في عدم اتفاق الدول المئتين المشاركة في المؤتمر على التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري بما في ذلك النفط والغاز، ما يعد إهمالاً لمعالجة المسببات الأساسية وراء آثار التغيرات المناخية.
ولم تتفق الدول على تحديد المسارات والخطط لتحقيق هدف الإبقاء على درجة حرارة الأرض في حدود 1.5 درجة مئوية، كما فشلت في إقرار تمويل للحفاظ على الغابات من آثار التغيرات المناخية.
وينظر العلماء إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية على أنه يمثل عتبة لمستويات بالغة الخطورة من الاحترار العالمي، غير أن ما يثير القلق هو مدى الالتزام بجدية هذه المسألة، لاسيما في ظل ما تقوله الهند والصين إن شيئا لم يعد مجديا من الناحية العلمية على هذا الصعيد.
ولم تتوصل الدول المشاركة في “كوب 27” إلى اتفاق حول تصنيف الهند والصين كدول مستحقة للتمويل المناخي أو كدول ملزمة بمساعدة البلدان المتضررة من الانبعاثات.
ورفضت الصين، أكبر ملوث في العالم، فكرة عدم اعتبارها دولة نامية بعد الآن، مع أنها تشكّل ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ عدة سنوات.
في المقابل، قالت ماو نينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية خلال مؤتمر صحفي “لا يزال أمام الحوكمة العالمية للمناخ طريق طويل تعبره”.
وأشارت إلى أن “غياب خارطة طريق واضحة لتمويل المساعدات المناخية للدول النامية من قبل الدول المتقدمة لا يفضي إلى بناء ثقة متبادلة بين الشمال والجنوب”.
من ناحية أخرى، تمثلت أهم إنجازات مؤتمر شرم الشيخ في تعهد الدول الغنية بتقديم تمويلات مناخية جديدة للمرة الأولى، بما في ذلك صندوق “الخسائر والأضرار” لمساعدة البلدان النامية على معالجة آثار التغيرات المناخية.
لكن نص الاتفاق لم يحسم عددا من التفاصيل التي سيتم العمل عليها في العام المقبل وما بعده، ومنها من سيساهم في الصندوق ومن سيستفيد.
وقدّر تقرير صدر في يونيو الخسائر المجمعة المرتبطة بالمناخ على مدار العقدين الماضيين في 55 دولة معرضة للخطر بنحو 525 مليار دولار تمثل نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لها جميعا. وتشير بعض الأبحاث إلى أن مثل هذه الخسائر قد تصل بحلول عام 2030 إلى 580 مليار دولار سنويا.
كما شهد المؤتمر الذي بدأت فعالياته في السادس من نوفمبر الحالي مناقشة قضايا الأمن الغذائي لأول مرة في مؤتمرات المناخ والاعتراف بعلاقة أزمات التنوع البيولوجي بتغيرات المناخ، والإجماع على ضرورة إنتاج طعام صحي ومغذي ومستدام وقادر على الصمود في وجه تغيرات البيئة.
وتم خلال “كوب 27” تضمين ملف المياه للمرة الأولى كوسيلة لمكافحة تغير المناخ، ما يعني إدخال المياه في القطاعات المستحقة للتمويل المناخي كجزء من سياسات التخفيف والتكيف.
وأضاف المؤتمر مصطلح “الحلول المستندة إلى الطبيعة” لأول مرة إلى “قرار الغلاف” الختامي لبيان مؤتمر المناخ وتخصيص قسم للغابات وحمايتها.
وتم إقرار زيادة أرقام التمويل من عدة دول لمواجهة مخاطر المناخ، حيث عرضت الولايات المتحدة واليابان مبلغ 20 مليار دولار لإندونيسيا للتوقف عن استخدام الفحم، وأعلنت المملكة المتحدة استثمار 6 مليارات جنيه إسترليني لرفع كفاءة الطاقة والحد من الانبعاثات، كما ستحصل فيتنام على 11 مليار دولار للتوقف عن استخدام الفحم كجزء من تمويل المناخ.
واتفقت الدول المشاركة على رفع سقف التعهدات الدولية لخفض آثار مخاطر التغير المناخي، حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات الغازات بمقدار 57 في المئة بحلول 2030، وكندا بنسبة 75 في المئة بحلول عام 2030، كما تعهدت منظمة الأغذية والزراعة “فاو” بوضع خارطة طريق للزراعة تتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية قبل مؤتمر المناخ المقبل، إضافة إلى تعهد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بالتوقف عن إزالة الغابات في منطقة الأمازون بحلول عام 2030.
واتخذت هذه المسألة خلال مؤتمر المناخ المنعقد العام الماضي في غلاسكو (كوب 26) اسم “الخسائر والأضرار”. ومنذ ثلاثين عاما، تقاوم البلدان الغنية طرْح هذه المسألة للنقاش، خشية أن يتعين عليها الدفع على مدى أجيال قادمة وذلك تعويضا عن إسهاماتها بدرجات كبيرة في حدوث التغيّر المناخي.