مؤتمر الرياض: المعارضة تؤكد رفضها للإرهاب وجديتها في الحل السياسي

عبر المعارضون السوريون الذين شاركوا في مؤتمر الرياض عن تفاؤل بالتوصل إلى توافق وسط دعوة من قادة دول الخليج، الذين تزامنت قمتهم مع مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، إلى اغتنام الفرصة الثمينة التي أتاحها المؤتمر بجمعه، لأول مرة على طاولة واحدة، مختلف أطياف المعارضة السورية والتي تتفق، رغم الاختلافات والتوجهات والأيديولوجيات، على ضرورة مغادرة “الأسد وزمرته” سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية.
الجمعة 2015/12/11
الشعب السوري يحتاج أفعالا لا أقوالا

الرياض - أكّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يترك السلطة عبر “التفاوض” أو “القتال”، ملخّصا بذلك مخرجات مؤتمر المعارضة السورية، الذي احتضنته الرياض من 8 إلى 10 ديسبمر، وأيضا ما اتفقت عليه دول مجلس التعاون الخليجي، في قمّتها العادية الـ36، التي عقدت، أيضا، في نفس الوقت في الرياض.

ورغم التباينات والاختلافات والانتقادات، نجحت المعارضة السورية المجتمعة في الرياض في التوصل إلى نقاط مشتركة، أعلن عنها البيان الختامي للمؤتمر، والتي تصدّرها التأكيد على أهمية تحديد مصير نظام الأسد قبل الدخول في المرحلة الانتقالية، التي ستكون اللبنة الأولى لتأسيس نظام جديد في سوريا يمثّل كافة أطياف الشعب السوري دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني أو طائفي أو عرقي.

وقد جاء لقاء المعارضة السورية في الرياض في إطار تنفيذ اتفاق توصلت إليه دول كبرى معنية بالملف السوري الشهر الماضي في فيينا ونص على خطوات لإنهاء النزاع المندلع منذ قرابة خمس سنوات. وتشمل هذه الخطوات تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات يشارك فيها سوريو الداخل والخارج.

وكان التحدّي الكبير للمؤتمر ومنظّميه يكمن في صعوبة حشد معارضة سورية متشرذمة وراء أجندة واحدة وفريق تفاوضي متفق عليه للتوصل إلى حل سياسي؛ فالمعارضة ليست مقسمة فقط بين فصائل تختلف أيديولوجيا وتتصارع على الأرض ولكن أيضا بين تلك الفصائل ومجموعة من الشخصيات السياسية منهم من يقيم بالخارج ومنهم من ظل في دمشق خلال معظم فترات الصراع.

وقد أعاقت تلك الانقسامات آخر مسعى رئيسي لإحلال السلام خلال محادثات جرت بين الحكومة والمعارضة في جنيف منذ نحو عامين؛ كما أنها صعّبت على الدول الغربية دعم المعارضة المسلحة ومكّنت تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة من تعزيز قبضتيهما.

وباتت جهود السلام الدولية أشد إلحاحا بعد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية ومناصريه بالشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة ومع زيادة أعداد اللاجئين وخطورة اتساع نطاق الصراع الدائر في سوريا مع انزلاق بعض دول الجوار والقوى العالمية فيه.

أبرز ما اتفقت عليه المعارضة السورية في مؤتمر الرياض
* التمسك بوحدة الأراضي السورية

* مدنية الدولة

*وحدة الشعب السوري في إطار التعددية بكافة أنواعها (العرقية ـ الدينية ـ السياسية)

* الديمقراطية وعدم احتكار السلطة

* الالتزام باحترام حقوق الإنسان ومبادئ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون

* رفض الإرهاب بكافة أشكاله ومحاربته بما في ذلك إرهاب الدولة

* رفض القوات الأجنبية والمقاتلين على الأراضي السورية كافة.

* حصر السلاح بيد حكومة شرعية منتخبة

* الحفاظ على مؤسسات الدولة

* مرجعية المعارضة السورية هي بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118 وقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 262/67

* الاستعداد للدخول في مفاوضات مع ممثلي النظام استنادا إلى بيان جنيف والقرارات الدولية، والحل هو حل سياسي بالدرجة الأولى مع وجود ضمانات دولية، وأن هدف العملية السياسية هو تأسيس نظام ديمقراطي تعددي لا يكون لبشار الأسد أي دور فيه.

* الحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وأن تكون الدولة هي الوحيدة صاحبة الحق في احتكار السلاح.

* رفض وجود كافة المقاتلين الأجانب والميليشيات غير السورية والقوات غير السورية.

لذك، تطلّع المجتمع الدولي إلى مخرجات مؤتمر الرياض بشكل كبير، فيما لم تخف إيران قلقها منه، لأنه سيشكّل عائقا كبيرا لها في سوريا، وسينسف كل جهودها وما بذلته من مال وعتاد وجنود في الصراع السوري؛ وقد عكست هذا القلق تصريحات مساعد الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان الذي قال إن اجتماع المعارضة السورية في الرياض يتعارض مع إعلان اجتماع فيينا 2.

وأكد أمير عبداللهيان أن الشعب السوري هو وحده فقط من يقرر مصير بلاده، وأن مؤتمر فيينا لا يحظى بتأييد بلاده، فيما ردّ عليه البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية في الرياض بأن من أهم بنوده السيادة الوطنية السورية ما يعني أن لا مكان لإيران وغيرها من القوات التي تدخلت في سوريا بشكل مباشر أو غير مباشر في المرحلة الانتقالية.

وأكّد مشاركون في الاجتماع لـ”العرب” أن الكثير من الحضور كانوا مقتنعين بأن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية هو مرحلة وسيطة هامة وممر إجباري للدخول في المسار المطلوب بحسب الأجندة الدولية، وبقدر ما هو حاجة لدى المعارضة السورية للتأكيد للمجتمع الدولي بأنها تُحارب الإرهاب وترفضه وأن أطرافها السياسية والعسكرية ليست بعيدة عن بعضها كما يعتقد البعض، فهو أيضا حاجة إقليمية ودولية لفرض بداية المسار التفاوضي على روسيا والدول الداعمة للنظام السوري.

مرحلة انتقالية دون الأسد

شهدت اجتماعات المعارضة السورية مجموعة كبيرة من اللقاءات الجانبية بين ممثلي تيارات سورية معارضة مختلفة ومتناقضة واجتماعات ثنائية بين معارضين سوريين تجمعهم الأهداف وتُفرّقهم الأساليب والاستراتيجيات، لكنّهم يتفقون على مرحلة انتقالية دون الأسد.

وبشكل عام ساد جو من التفاؤل بين الحضور خلال الجلسات التي تناولت المواضيع الأكثر توافقية، لكن لم يكن الجميع على درجة واحدة من التفاؤل بالمؤتمر ومخرجاته، فهناك مراوحة واسعة من التوقعات بين متفائل ومتشائم، وهذا التيار الأخير عبّر عنه ماجد حبّو، الناطق الرسمي لتجمع عهد الكرامة والحقوق، التيار الذي استُبعد من المشاركة في المؤتمر، والذي قال في تصريحات لـ”العرب” “يُعاب على بعض المعارضين الذين شاركوا في مؤتمر الرياض خروجهم عن الاتفاق الأممي في فيينا واعتمادهم على أجندات وبرامج تهدد بفرض شروط واشتراطات على اللقاء الأممي القادم”.

واستشهد على ذلك، بانسحاب حركة أحرار الشام الإسلامية من مؤتمر الرياض، قبيل الإعلان عن البيان الختامي أمس الخميس، مبررة هذا القرار بعدم إعطاء “الفصائل الثورية” المسلحة “الثقل الحقيقي”.

وكانت مشاركة جيش الإسلام وحركة أحرار الشام الإسلامية من أبرز نقاط الخلاف سواء بين المعارضين السوريين أو حتى القوى الإقليمية والمتابعين الدوليين لمؤتمر الرياض، الذين أعربوا عن قلقهم من تشريك الإسلاميين في المرحلة الانتقالية.

وقد قدّمت أحرار الشام الإسلامية، وهي من أبرز الفصائل المقاتلة في الميدان السوري، ثلاثة أسباب للانسحاب هي: “إعطاء دور أساسي لهيئة التنسيق الوطنية (أبرز مكونات معارضة الداخل المقبولة من النظام) وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام، بما يعتبر اختراقا واضحا وصريحا للعمل الثوري”، و”عدم أخذ الاعتبار بعدد من الملاحظات والإضافات التي قدمتها الفصائل لتعديل الثوابت المتفق عليها في المؤتمر (…) وعدم التأكيد على هوية شعبنا المسلم”. أما السبب الثالث فهو، بحسب الحركة “عدم إعطاء الثقل الحقيقي للفصائل الثورية سواء في نسبة التمثيل أو حجم المشاركة في المخرجات”.

لكن، منذر آقبيق عضو الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، قلّل من المخاوف والانتقادات وقال إن شخصيات المعارضة السورية التي اجتمعت بالرياض اتفقت على إنشاء كيان يضم فصائل سياسية ومسلحة للإعداد لمحادثات سلام مع حكومة الرئيس بشار الأسد.

وأضاف أن المجموعة ستضم ما يصل إلى 25 عضوا ستة منهم من الائتلاف الذي يوجد خارج سوريا وستة من فصائل المعارضة المسلحة وخمسة من جماعة معارضة مقرها دمشق وثماني شخصيات مستقلة.

بدوره، قال المعارض السوري لؤي صافي، المشارك في مؤتمر الرياض، إن المعارضة السورية على اختلاف توجهاتها باتت الآن صفا واحدا لبدء المفاوضات مع النظام السوري، وشدد على توافقها جميعا على رفض التدخل الروسي العسكري في سوريا.

وقال صافي، الناطق السابق باسم ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، لـ “العرب” “انتهت النقاشات والقرارات التي تم اتخاذها خلال اجتماع الرياض للمعارضة السورية بتوافق جميع المشاركين على استئناف المفاوضات حول الانتقال الديمقراطي بناء على وثيقة جنيف، كما تم التوافق على مبادئ أساسية للعملية الانتقالية تؤكد على رحيل الأسد باعتماد آلية تشكيل هيئة حكم انتقالية”.

وأوضح “تتضمن المبادئ في أبرز بنودها التأكيد على وحدة الشعب والتراب السوري، وإقامة دولة قانون تحترم إرادة الشعب وتحتكم إلى انتخابات حرة ونزيهة لاختيار ممثلي الشعب”.

وتابع “ثمة توافق أيضا على أن أي مفاوضات لاحقة ستتطلب ضمانات دولية، وخطوات بناء ثقة تشمل الإفراج عن المعتقلين ووقف القصف على المدنيين، كما أن هناك رفضا للتدخل الروسي في سوريا وسعي القيادة الروسية لاستهداف القوى الوطنية الرافضة لحكم الاستبداد”.

وأكّد عقاب يحيى، القيادي في الكتلة الوطنية والائتلاف السوري، أن جميع الوفود والشخصيات السورية المشاركة في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية اتفقت على عدم مشاركة بشار الأسد وأركان نظامه في المرحلة الانتقالية، لكنّه تساءل عما إن كان الوضع الدولي ناضجا للحل السياسي في سوريا أم لا.

وقال يحيى، وهو رئيس الهيئة التنفيذية للكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، لـ “العرب” إن “الجو التوافقي الذي ساد الاجتماع في الرياض سمح بالاتفاق على المحددات والثوابت حول وفد التفاوض ومرجعيته”؛ فيما نفى وجود أي تدخلات خارجية في مجريات المؤتمر، وقال “بشكل مباشر لا نلمس تدخلات علنية، أما اللقاءات وغيرها فكثيرة، ويهمنا أمران متلازمان: الأول التمسك ببيان جنيف 1 خاصة لجهة هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات كاملة مع عدم وجود أي مشاركة لبشار الأسد وأركان نظامه، وعمليا جرى التوافق على صيغة تحمل هذا المضمون ويعبر عنها البيان الختامي”، حسب تأكيده.

المعارضة السورية لانت، وحان وقت التعامل بجدية مع العناد الروسي

أبرز الغائبين

سجّل مؤتمر الرياض غياب مجموعة من القوى والأحزاب والشخصيات السورية المعارضة، من أبرزها المنبر الديمقراطي المعارض الذي كان من المفترض أن يمثله أحد وهو مؤسسه سمير عيطة، وهو منبر معارض لا تختلف سياسته العامة عن سياسة المعارضة السورية، لكن انتقادات وُجّهت له لحضوره مفاوضات سابقة مع النظام رعتها موسكو.

وغاب عن اجتماع الرياض أيضا ممثلو الأكراد، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والإدارة الذاتية الكردية، قوات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، وهي أذرع عسكرية تابعة له، الذين تؤاخذ عليهم شريحة واسعة من المعارضة عدم انخراطهم في القتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد، متهمة إياهم برفض “سوريا الموحدة” نتيجة تمكسهم بالإدارة الذاتية في مناطقهم.

وغاب المجلس العسكري السرياني وقوات السوتورو، وهي قوات عسكرية مسيحية تتشارك مع الميليشيات الكردية في منطقة الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا. وفي سياق متصل، انتقد بعض الحضور قلّة عدد السيدات المشاركات في المؤتمر، وأشاروا إلى أن السيدات الأكثر تأثيرا وصاحبات الخبرة السياسية لم تتم دعوتهن، فيما لم يضم وفد هيئة التنسيق المعارضة التي تصف نفسها بأنها علمانية وتقدمية أي سيدة، وكان الـ 12 مشاركا جميعهم من الرجال.

إلى ذلك أثنى البعض على قرار المعارض البارز برهان غليون مقاطعة المؤتمر، فيما انتقدوا بشدّة مقاطعة المعارض السوري هيثم مناع، في مقاربة لم تكن واضحة، واعتبروا قرار غليون بمغادرة العمل السياسي المباشر والانتقال إلى العمل البحثي والتحول إلى قارئ للسياسة، “موقفا شجاعا”، فيما اعتبروا قرار مناع “نابع من رغبة روسية” أو “للتشويش على المؤتمر” رغم أن علاقة الأخير بموسكو مرت بتوتر بعد مؤتمر جنيف يناير الماضي.

ويشار إلى أنه في نفس الفترة عُقد في دمشق وفي الرميلان قرب الحسكة مؤتمران لمن يطلقون على أنفسهم أيضا معارضة الداخل.

وحضر في مؤتمر دمشق 17 حزبا جميعها مرخصة من قبل السلطات السورية، واللافت أن رئيس المؤتمر صرّح بأنهم ليسوا معادين لمؤتمر الرياض بل ينتقدون إقصاءه لمعارضين سوريين، وأن هدف مؤتمرهم انتخاب عشرة أشخاص كجزء من الوفد المفاوض وأنهم سيسلّمون الأسماء إلى المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا على أمل أن يضعهم ضمن الوفد المفاوض.

أما مؤتمر الأكراد الذي عقد في الرميلان فشارك فيه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحزب آشوري واحد وبعض التيارات العربية كجماعة تجمع قمح وهيئة التنسيق المعارضة، ومن الواضح أن هدفه تلميع صورة الحزب الكردي عبر إنشاء تكتل كردي عربي يُظهر أن الحزب الكردي معتدل وغير قومي.

7