مؤتمر الأخوة الإنسانية يؤسس لمرحلة جديدة من تقارب الأديان

افتتح الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح الإماراتي، الأحد، المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية في قصر الإمارات بأبوظبي الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، بالتزامن مع الزيارة التاريخية لكل من البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر أحمد الطيب للإمارات، ويهدف المؤتمر إلى تفعيل الحوار حول التعايش ومنطلقات التسامح والأخوة الإنسانية وسبل تعزيزها عالميا، كما ناقش المجتمعون التحديات الأمنية وكيفية التوقي من ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني التي مازالت تهدد الأمن الدولي.
أبوظبي- احتضن قصر الإمارات في أبوظبي، الأحد، فعاليات أشغال المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين بمشاركة قيادات دينية وشخصيات فكرية وإعلامية من مختلف دول العالم.
وافتتح المؤتمر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح الإماراتي بحضور أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ويوسف بن أحمد العثيمين، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، وجيمس زعبي، رئيس المعهد العربي الأميركي، ونيافة الأنبا يوليوس، أسقف عام بطريركية الأقباط الأرثوذكس، والقس الدكتور أولاف فيكس تافيت، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، وعلي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين.
وقال وزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان في الافتتاح “المؤتمر هو حدث متعدد الثقافات يشجع على التآخي والحوار، وهو حدث استثنائي وتاريخي لنبرهن للعالم على ما يمكن لقوة التسامح والتآخي أن تحققه”.
وتابع بقوله “سوف تؤسسون اتحادا عالميا يهدف إلى تحديد التحركات التي من شأنها التأكيد على القيم المشتركة ومحاربة قوى التطرف والإرهاب المدمرة: الفقر، سوء التغذية، تدهور أحوال المرأة، إفساد البيئة، الأمية، الكراهية والتحامل، الجهل العلمي والتقني، الظلم وعدم وجود رعاية صحية ومحاربة فكرة الأخوة البشرية”.
وأشار الوزير إلى أن “الإمارات تركز على أن تكون التجربة التعليمية لديها تقود إلى فهم صحيح للتسامح والاختلاف بين البشر”. وتابع “مسؤوليتنا جميعا أن نعمل معا من أجل تعزيز قيم التسامح والأخوة الإنسانية”، لافتا إلى أن “المؤتمر سيعمل على ترسيخ قيم التسامح في العالم”.
وتعمل الإمارات على تحويل قيمة التسامح إلى عمل مؤسسي مستدام من خلال إطلاق حزمة من المبادرات والملتقيات الدولية والبرامج والمشاريع لتعزيز تلك القيم وتجسيدها على أرض الواقع على مستوى محلي ودولي.
وأكدت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإمارتية نورة الكعبي أن المشاركين في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي يجمع مختلف الديانات والعقائد والطوائف يسعون إلى بلورة مفهوم الأخوة الإنسانية من خلال التركيز على القواسم المشتركة التي تجمع بين البشر بهدف تقديم هذا المفهوم الإنساني إلى دول العالم أجمع لإرساء السلام والتعايش منهجا عالميا.
منطلقات الأخوة الإنسانية
تضمنت أعمال المؤتمر جلسات علمية سلطت الضوء على منطلقات الأخوة الإنسانية، وفتحت النقاش بين المتحدثين والحضور حول إرساء ثقافة السلم بديلا للعنف والنزاعات العقائدية والعرقية وترسيخ المواطنة بمفهومها الشمولي كما أقرتها الأديان والمواثيق الإنسانية، وكذلك مواجهة التطرف الديني الذي يهدد الكثير من المجتمعات جراء انتشار فكر الإقصاء والانعزال بديلا للتعايش والحوار.
وأشاد أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالمؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية قائلا “يعقد في المكان والزمان المناسبين، في دولة الإمارات التي تحتفل بقيم التسامح والتنوع الحضاري والثقافي على أرضها”. وأعلنت الإمارات اختيار عام 2019 عاما للتسامح ما يعكس توجها رسميا لتعزيز هذه القيمة الإنسانية.
وعلاوة على ذلك تعد الإمارات من بين الدول التي تدعم الخطاب الديني المعتدل وقامت في سبيل ذلك برعاية مجلس حكماء المسلمين الذي يهدف إلى معالجة جذور الطائفية إلى جانب التشجيع على الانفتاح على الآخر.
واعتبر أبوالغيط، خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية في المؤتمر، أن الأخوة الإنسانية والتسامح صنوان لا يفترقان؛ “فالأخوة بين البشر تقوم على فضيلة التسامح”. وأكد أن الجامعة العربية رابطة منفتحة على أديان مختلفة وأعراق متعددة، قائلا “نحن أبناء منطقة حملت للعالم أول مبادئ الأخوة الإنسانية، وخاطبت الإنسان بوصفه إنسانا، ولم تخاطب قبيلة بعينها أو جنسا بعينه أو عرقا دون آخر”.
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أن الأديان السماوية كرست كرامة الإنسان بغض النظر عن دينه أو عرقه، مشددا على أن الأديان ليست مسؤولة عن انتشار العنف والتطرف، مطالبا بضرورة تصحيح هذه المعلومة الخاطئة. ورأى أبوالغيط أن التطرف في جوهره موقف من الحياة، وموقف فكري وإنساني له أيديولوجيته الخاصة، مشددا على ضرورة “أن نصون عالمنا من الكراهية والقتل والتطرف”.
وناقش المؤتمر أيضا المسؤولية المشتركة لتحقيق الأخوة الإنسانية وذلك من خلال تعزيز أواصر التعاون بين الشرق والغرب لتحقيق السلام العالمي وتفعيل مسؤولية المنظمات الدولية والإنسانية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وأيضا تفعيل دور المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية والإعلامية في تعزيز ثقافة الأخوة في المجتمع من خلال حملات التوعية.
وأوضح سلطان فيصل الرميثي الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين أن “استضافة هذه الكوكبة من المتحدثين والحضور من مختلف الأديان والأعراق تهدف إلى إعلاء قيم التسامح والمحبة بين البشر كونها السبيل لتحقيق مبدأ العيش المشترك”. وأضاف “يتطلع المجتمعون في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية إلى تحقيق أهداف واضحة تتمثل في التأكيد على خطاب التسامح والتأسيس لمرحلة جديدة جوهرها الإخاء الإنساني وقبول الآخر وتبني الاعتدال، ومجابهة ثقافة الكراهية والأفكار التي تهدد السلم والأمان المنشودين”.
التطرف.. الحقيقة المتوحشة
بحث المؤتمر، الذي تزامن مع الزيارة التاريخية لكل من البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وأحمد الطيب شيخ الأزهر للإمارات، سبل التصدي للتطرف الفكري وسلبياته، ورصد المجتمعون خلال جلسات المؤتمر التحديات الأمنية، كما تتطرقوا إلى سبل محاربة نزعات الأنانية والاستحواذ والتعصب الديني وثقافة الكراهية وأثرها في إذكاء الصراعات والنزاعات.
ورغم أن عدد قتلى الإرهاب بلغ أدنى مستواياته عام 2018 مقارنة بعام 2009 حسب مركز “جاين” الدولي لتحليل الأعمال الإرهابية خصوصا بسبب تراجع العنف المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الظاهرة مازالت تثير قلق المجتمع الدولي المتوجس من ردة فعل التنظيم الانتقامية بسبب خساراته الميدانية الأخيرة بالشرق الأوسط وفي أي رقعة جغرافية في العالم.
وقال أولاف فيكس تافيت، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي في الاتحاد السويسري، إن “الأخوة الإنسانية فكرة تجمعنا لتحقيق مبادئ العدالة والسلام ومواجهة التطرف”. وأكد أن الأولوية اليوم التركيز على كيفية التعامل مع موضوع التطرف كونه حقيقة متوحشة وأحد أكثر السموم التي تدمر حياتنا بتبعات مميتة ومهدمة. وحذر الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي من أن “التطرف يواجه الأخوة الإنسانية ويضعها أمام تحد جديد”، معتبرا أنه “ذئب بشري وأكثر السموم التي تهدد العلاقات البشرية والأخوة الإنسانية”.
وبدوره أقر جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي في كلمته بأن العالم اليوم يعيش أوقاتا مقلقة جدا لأن هناك مجموعات تسعى لتحويل الدين إلى سلاح توجهه في وجه الآمنين وأن مجتمعات العالم اليوم باتت غير محصنة من هذا الأمر.
وأكد أن المسؤولية هي منوطة بالجميع لذلك يعد هذا المؤتمر في غاية الأهمية كونه يجمع المئات من قادة الأديان لمناقشة سبل تعزيز التسامح والاحترام المشترك. مشيرا إلى أن “هذه الفعالية هي فرصة جديدة لبناء العائلة الإنسانية عبر جميع ممثلي الأديان المجتمعين اليوم”.
ونوه علي الأمين عضو مجلس حكماء المسلمين في لبنان في ختام أشغال اليوم الأول للمؤتمر بأن “وقوع الاختلافات في الماضي لا يمكن إنكاره غير أننا لا يمكن أن ننسبه للأديان، فالحروب والصراعات لم تكن بسبب هذه الأديان ولكن بسبب أهداف أرضية وطمعا بالسلطة والسيطرة والنفوذ لا أكثر..”.