مأساة مجدل شمس توحد الدروز وصراعات المنطقة تفرقهم

حرب غزة تزيد الانقسامات بين أبناء الطائفة الدينية.
الاثنين 2024/08/05
تجمعنا الديانة وتفرقنا الانتماءات

زادت حرب غزة وما يتبعها من تصعيد إقليمي حدة الانقسامات بين الدروز الذين يتوزعون على أكثر من بلد ويكونون انتماءات إلى أكثر من نظام سياسي. وتثير مجزرة مجدل شمس مخاوف من تزايد حدة الانقسامات بين أبناء الطائفة الدينية.

بيروت - كانت ألما أيمن فخرالدين، البالغة من العمر 11 عاما والتي تحب كرة السلة وتعلم اللغات، تلعب في ملعب لكرة القدم قبل أسبوع في بلدة مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل حين سقط الصاروخ.

وأسرع والدها أيمن إلى الموقع وحاول الحصول على معلومات عن ابنته من عمال الطوارئ. وقال “ذهبت فجأة إلى الزاوية، ورأيت فتاة صغيرة مغطاة”. تعرف على حذائها ويدها. وأضاف “فهمت أن هذا كل شيء، لم يتبق لي شيء، لقد غادرتنا”. وكانت ألما من بين 12 طفلا ومراهقا قتلوا.

ويقول الكاتبان كلايم شهيب وميلاني ليدمان في تقرير على أسوشيتد برس إن إراقة الدماء المروعة وحّدت الدروز في جميع أنحاء المنطقة تحت مظلة الحزن، وكشفت الهوية المعقدة للأقلية الدينية الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء إسرائيل ومرتفعات الجولان ولبنان وسوريا.

وانبثقت الطائفة الدينية الدرزية بصفتها فرعا من الإسماعيلية في القرن العاشر، وهي فرع من الإسلام الشيعي. ولا يسمح للغرباء بالانضمام إليها، وتبقى ممارساتها الدينية سرية. وليس في العالم سوى مليون درزي، ويوجد أكثر من نصفهم في سوريا، وحوالي 250 ألفا في لبنان، و115 ألفا في إسرائيل، و25 ألفا في مرتفعات الجولان، التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب 1967 وضمتها في 1981.

واتخذ كل جزء من الطائفة الدرزية، التي تفصلها الحدود، مسارات مختلفة، مع التركيز دائما على الحفاظ على وجودها بين القوى الكبرى.

وتبنى الدروز في لبنان وسوريا القومية العربية، بما في ذلك دعم القضية الفلسطينية. ويحظى الدروز في إسرائيل بتقدير كبير لولائهم للدولة وخدمتهم العسكرية، حيث دخل العديد منهم وحدات النخبة القتالية، بما في ذلك خلال القتال في غزة. ويتمسك الدروز في الجولان بهويتهم السورية التاريخية بينما يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.

بعد ضربة مجدل شمس صار الكثير من الدروز يتخوفون من انقسامات أسوأ إذا انزلقت المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة

وأبقت المجتمعات الاتصالات فيما بينها وحاولت الحفاظ على الكياسة في مواجهة خلافاتها. لكن هذه الحالة توترت بسبب 10 أشهر من الحرب في غزة.

ويخشى العديد من الدروز الآن بعد ضربة مجدل شمس من انقسامات أسوأ إذا انزلقت المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة.

وهرعت سلسلة من السياسيين الإسرائيليين إلى مجدل شمس بعد الهجوم للتعبير عن تضامنهم مع العائلات المنكوبة والتأكيد على العلاقة القوية بين إسرائيل والدروز.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زار ملعب كرة القدم “هؤلاء الأطفال هم أطفالنا، هم أطفالنا جميعا”.

وأثار وجود نتنياهو احتجاجات غاضبة من بعض السكان الذين اتهموا المسؤولين باستغلال المأساة لأغراض سياسية.

وحافظ الكثير من الدروز في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من الجولان على ولائهم لسوريا. وقال يسري حضران من الجامعة العبرية في القدس، وهو درزي ويبحث في الأقليات في الشرق الأوسط، إن حوالي 20 في المئة فقط حصلوا على الجنسية الإسرائيلية.

وحدد حضران ازدياد هذا الاتجاه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، حيث عملت إسرائيل على دمج الجولان بقوة أكبر، ولكن هذا الضم لم يحظ بالاعتراف على نطاق واسع سنة 1981.

وتميل الطائفة الدرزية في إسرائيل، المتمركزة في شمال البلاد، في الأثناء، إلى الترويج بفخر لهويتها الإسرائيلية.

وتوضح الإحصاءات الرسمية انضمام حوالي 80 في المئة من السكان الدروز الرجال إلى الجيش، وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة لدى اليهود الإسرائيليين والمقدرة بنحو 70 في المئة. وقد قُتل عشرة جنود دروز في الحرب في قطاع غزة، وهي نسبة كبيرة نظرا إلى حجم مجتمعهم.

الكثير من الدروز في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من الجولان حافظوا على ولائهم لسوريا

وقال الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إنه لم يتفاجأ بموجة التعاطف الوطني. وقال “يتحدث الجميع عن الدعم خلال فترة الحداد”. وأعرب عن أمله في أن يستمر الدعم بعد تلاشي المأساة من العناوين الرئيسية.

وأشار إلى التمييز الكبير الذي يواجهه الدروز في إسرائيل، مضيفا “هناك الكثير مما يلزم لإصلاحه هنا”.

وقال إن ثلث منازل الدروز غير موصولة بالكهرباء. وكان المجتمع غاضبا من قانون إسرائيلي صدر في 2018 يعرّف البلاد بأنها دولة يهودية دون إشارة إلى أقلياتها.

ولا يزال البعض في الجولان يرون أن روابطهم تكمن مع الدول العربية المجاورة. واعتقلت إسرائيل في الماضي حائل أبوجبل، وهو ناشط درزي يبلغ من العمر 84 عاما في مجدل شمس، بسبب معارضته لحكمها.

وقال “قبل أن تقسم القوى الأوروبية الشرق الأوسط في أوائل القرن الـ20، كانت هذه المنطقة منطقة واحدة. انتشر الدروز في بلد واحد. توجد علاقة قرابة، وعلاقة زواج، وعلاقة انتماء”.

وتردد صدى إطلاق الصواريخ في قرية الفردس في جنوب لبنان، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، في إطار التبادل شبه اليومي بين إسرائيل وحزب الله المستمر منذ أشهر. وشوهدت الأشجار المتفحمة على الجبال الخضراء من منزل وسام سليقا، في دلالات على الضربات الإسرائيلية الأخيرة.

وقال سليقا، مستشار الشؤون الدينية لأكبر زعيم ديني درزي في لبنان، إن إسرائيل “تحاول زرع بذور الفتنة مرة أخرى”.

وحث الدروز الإسرائيليين على عدم الانضمام إلى الحرب في غزة أو المواجهة المتقلبة بشكل متزايد عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ويميل الدروز في سوريا ولبنان إلى تجنب انتقاد أبناء طائفتهم في إسرائيل. ورغم أن المزيد منهم يشجعون الدروز علنا على رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي، إلا أنهم يمتنعون عن الحكم على أولئك الذين ينضمون إلى القتال.

الدروز في إسرائيل يحظون بتقدير كبير لولائهم للدولة وخدمتهم العسكرية

وصرّح سليقا “إنهم يتصرفون بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم. نحن لا نملي عليهم رغبتنا، وهم لا يملون علينا ما يريدونه”.

وبينما يعيش معظم الدروز في لبنان في الجبال الوسطى من البلاد، تنتشر القرى ذات الأغلبية الدرزية في جميع أنحاء الجنوب أيضا بجوار جيران مسلمين ومسيحيين.

وانجذب الدروز اللبنانيون والسوريون تاريخيا إلى الحركات القومية العربية. ويشير الكثيرون إلى دورهم في المقاومة العربية للحكم الاستعماري الأوروبي قبل قرن ودعمهم القوي للفلسطينيين اليوم.

وقال النائب الدرزي اللبناني وائل أبوفاعور “لم يعتبر الدروز أنفسهم أبدا أقلية عرقية على الإطلاق، بل جزءا من الأغلبية العربية والإسلامية في المنطقة”.

حتى إن وليد جنبلاط، الذي يمكن القول إنه أقوى شخصية درزية في المنطقة، قاد ذات مرة القوات التي تقاتل إلى جانب الفصائل الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية وحلفائها في لبنان.

وهو الآن يقود الدروز في سياسات تقاسم السلطة الطائفية المتقلبة في لبنان، حيث تتجاوز قوة طائفته حجمها.

وشهد الشهر الماضي، تبادلا لاذعا للرسائل المفتوحة بينه وبين وموفق طريف، الزعيم الدرزي الإسرائيلي، وأبرزا بذلك اختلافات حول الحرب بين إسرائيل وحماس.

وانتقد جنبلاط الجنود الدروز الذين يقاتلون في غزة. وقال طريف بدوره إن مجتمعه سعيد بحقوق وواجبات “مواطني دولة ديمقراطية”.

ورد جنبلاط بإدانة طريف لاجتماعه مع نتنياهو، واصفا الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بأنه “عدوان ضد الإنسانية”.

وقال طريف لوكالة أسوشيتد برس “هو يعيش في لبنان ويقول رأيه. نحن إسرائيليون، ونحن فخورون”.

وأكد أن المجتمعات الدرزية تحافظ على علاقات وثيقة وتدعم بعضها البعض في القضايا الإنسانية على الرغم من الاختلافات.

Thumbnail

وفي بلدة حاصبيا جنوب لبنان، أشار الشيخ أمين خير، وهو مزارع من الدروز، إلى مجموعة من الأشجار والشجيرات بالقرب من بساتين الكمثرى والرمان.

وقال بفخر إن المقاتلين الدروز أطلقوا صواريخ على إسرائيل من هناك في 1982. وكان ذلك العام بداية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان الذي دام 18 عاما.

ولكن بدلا من انتقاد الدروز في الجيش الإسرائيلي، قال خير إنه يفضل التحدث إيجابيا عن الأصوات بين الدروز الإسرائيليين التي دعمت القضية الفلسطينية.

وقرأ بيتا للكاتب سميح القاسم، وهو درزي إسرائيلي وقومي عربي، “وإلى آخر نبض في عروقي… سأقاوم”.

وتواجه التوترات في الطائفة الدرزية خطر الارتفاع إذا اندلعت حرب شاملة بعد ضربة مجدل شمس.

واتهمت إسرائيل حزب الله بالوقوف وراء الضربة، قائلة إن نوع الصاروخ ومساره يشيران بوضوح إلى كونه من الجماعة المدعومة من إيران. وقدمت الجماعة اللبنانية المتشددة نفيا نادرا.

وغالبا ما يكون جنبلاط اللبناني على خلاف سياسي مع حزب الله، لكنه كرر الأسبوع الماضي نفيه واتهم إسرائيل بتأجيج الانقسامات باتهامه للجماعة.

وقتلت غارة جوية إسرائيلية الثلاثاء الماضي قائدا كبيرا لحزب الله في بيروت ردا على ذلك. واغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران في اليوم التالي. واتهمت إيران إسرائيل بالتورط في الهجوم وتوعدت بالرد.

ويتوسل العديد من الدروز لوقف إراقة الدماء بينما تنتظر المنطقة رد حزب الله وإيران.

وقالت اللجنة الدينية الدرزية في مرتفعات الجولان في بيان الاثنين الماضي “نرفض سفك ولو قطرة دم واحدة بحجة الانتقام لأطفالنا”.

وألقى المئات من الدروز السوريين الذين تجمعوا في بلدة القنيطرة السورية القريبة لإقامة مراسم تأبين للأطفال باللوم على إسرائيل، ويعتبرونها سبب الوفيات.

وانتشر ألم شديد في جميع أنحاء مجدل شمس، حيث دفن المجتمع 12 تابوتا أبيض صغيرا في غضون 24 ساعة.

وقال بهاء بريق، وهو من سكان مجدل شمس، “لا ينتصر أحد في الحرب، لا توجد سوى الخسارة”.

7