مأساة الحرب الأهلية في رواندا تخيم على السودان

الخرطوم - مع اشتداد الاقتتال في السودان وتفاقم عدد الضحايا من المدنيين وتزايد أعداد النازحين دون آفاق للحل السياسي عادت الأفكار المتعلقة بمأساة رواندا إلى الواجهة، إذ إن الأسباب المؤدية للإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا في التسعينات بدأت تتشكل أيضا في السودان.
وفي أوائل التسعينات، شهدت رواندا حربا أهلية وحشية أسفرت عن مقتل ما يقرب من 800 ألف شخص. وكشف هذا الصراع المأساوي بين قبائل التوتسي والهوتو، حيث واجهت القوات المسلحة الرواندية، التي تمثل الحكومة، الجبهة الوطنية الرواندية المتمردة.
وفي أعقاب هذه الحرب المدمرة، تركت رواندا، الدولة المشهورة بمناظرها الطبيعية الخلابة وتنوعها البيولوجي الرائع، في حالة طويلة من المعاناة.
ويقول الكاتب الصحفي عبداللطيف المناوي في تقرير نشره موقع أوراسيا ريفيو إن الأزمة المثيرة للقلق التي تدفع السودان نحو تكرار محتمل لمأساة رواندا هي القرار الذي اتخذه الجيش السوداني، بقيادة عبدالفتاح البرهان، بتسليح مواطنيه.
ويشير المناوي إلى أن من المثير للاهتمام أن مبادرة التسليح هذه تتركز في ولايات محددة في شمال وشرق السودان، مما يخلق أجواء يبدو فيها الأمان ممنوعا.
وتهدف العملية، التي أطلق عليها اسم “المقاومة الشعبية المسلحة”، إلى الدفاع عن المواطنين في هذه المناطق من اشتباكات محتملة بين الجيش وقوات الدعم السريع، على غرار ما حدث في أماكن مثل ود مدني في ولاية الجزيرة.
ويثير قرار تسليح المواطنين مخاوف كبيرة، إذ لا يوجد مبرر منطقي لمثل هذه الخطوة، في وقت تتجاهل الادعاءات بأنها تهدف إلى التصدي لتقدم قوات الدعم السريع خطر دفع البلاد إلى حرب أهلية. ويشير هذا القرار، إذا تم تفسيره بشكل صحيح، إلى محاولة الجيش استعادة السيطرة على الولايات التي تفلت من يده، مما يشير إلى فشل مواجهته مع قوات الدعم السريع بعد عام من الصراع.
ويشهد السودان هيمنة عقيدة قتالية متأثرة بالتوجهات الإسلامية. وتؤكد جميع الأحزاب تقريبا على تعبئة المواطنين للدفاع عن أيديولوجياتها، بغض النظر عن مدى ملاءمتها للجماهير السودانية. ويعمل هذا الاتجاه على صياغة وصفة خطيرة لحرب أهلية، تؤلب المواطنين ضد بعضهم البعض.
وأصبح الوضع في السودان لا يطاق، حيث تشير التقارير إلى سقوط أكثر من 12 ألف ضحية، و7.3 مليون نازح، وانهيار الخدمات السياسية والاجتماعية والطبية. وأصبح الآن أكثر من 24 مليونا من أصل 46 مليونا من السكان معرضين للخطر وبحاجة ماسة إلى المساعدة.
وتعثرت جهود المساعدات الإنسانية وسط تزايد العنف والنزوح. وفي حين أن المجتمع الدولي منهمك في صراعات مثل حرب غزة والصراع الروسي – الأوكراني، فقد تم التغاضي عن الوضع المزري في السودان. وينشأ الخوف الذي يلوح في الأفق من السيناريو الرواندي عند النظر في فشل نظام الرعاية الصحية في السودان.
وتنتشر الكوليرا والحصبة وحمى الضنك وانعدام الأمن الغذائي بمعدلات مثيرة للقلق وأصبح من الواضح بشكل متزايد أنه إذا لم تحصد الأسلحة والقنابل أرواح السودانيين، فإن انهيار نظام الرعاية الصحية ونقص الإمدادات الطبية سيفعل ذلك.
اقرأ أيضا:
الجيش السوداني يستعين بمرتزقة من تيغراي
ويرى المناوي أن الاعتماد على المفاوضات غير الناجحة في الكثير من الأحيان ليس كافيا، إذ تعكس المفاوضات الأخيرة الخلاف الداخلي داخل السودان.
ووافق الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع على المشاركة في قمة الهيئة الحكومية للتنمية في أوغندا، لكن مجلس السيادة السوداني، بقيادة قائد الجيش البرهان، رفض الحضور، مؤكدا أن وضع السودان شأن داخلي ما يعيق الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي.
ويبدو أن البرهان وأنصاره غير راغبين في المصالحة مع قوات الدعم السريع، مبرزين صورة النصر أو النصر الوشيك، لكن الواقع يخالف هذه الرواية، فالمعارك مستمرة والهجمات المتواصلة للجيش تفشل في تحقيق السلام والاستقرار.
وتثير دعوة البرهان إلى تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية مخاوف من تدهور الوضع الإنساني للمواطنين السودانيين. ووسط هذه الفوضى، تظهر الأصوات الداعية إلى السلام وإنهاء الحرب. وتسعى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (التقدم) إلى التعاون بين القوى السياسية لوقف الصراع.
وتم إرسال رسائل إلى مختلف الأحزاب، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة تحرير السودان، والحزب الشيوعي، وحزب البعث.
ومثل هذه التحركات الداخلية ضرورية، لكن السودان يحتاج أيضا إلى دعم من مصادر خارجية، ويفضل أن يكون ذلك من الدول العربية، لمنع صراع طويل الأمد وتجنب مصير مماثل لتاريخ رواندا المأساوي. والأمل معقود على التوصل إلى حل سريع لضمان ألا يصبح السودان رواندا التالية.