مآلات الأطفال في حروب الشرق الأوسط: دروع بشرية ومقاتلون وجواسيس

الاثنين 2016/06/20
جنود برتبة ضحايا

ظاهرة استهداف الأطفال في الحروب ليست ظاهرة جديدة على مستوى العالم العربي، فأطفال فلسطين كانوا وما يزالون ضحايا حرب مزمنة، ومع توسع دائرة الحروب يسجل الضحايا من الأطفال أرقاما مفجعة في مناطق الصراع، وتزداد المأساة الإنسانية حين يودع الأطفال الطفولة ويرتدون الزي العسكري في الجبهات.

تتزايد معدلات تجنيد الأطفال في العديد من الدول العربية بتصاعد حدة الصراعات، ورغم عدم وجود احصائيات دقيقة وشاملة إلا أن تقارير أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) تؤكد على أن كافة أطراف النزاع في دول الصراعات (ليبيا، اليمن، العراق، سوريا..)، تقوم بتجنيد الأطفال من الإناث -لخدمة الجناة سواء في الأعمال المنزلية أو في المعاشرة الجنسية- والذكور -إذ يستخدمون حمالين وجواسيس أو يستخدمون “لمرة واحدة” كدروع بشرية وفي العمليات الانتحارية- بالإضافة إلى تحويلهم جنودا في حروبها.

فالمواصفات الخاصة التي تميز الأطفال عن الراشدين، تشكل حالة جذب للسعي نحو تجنيدهم وذلك لسهولة استخدامهم والتحكم بهم وتوجيههم وإدارتهم في المعارك، وسرعتهم في تعلّم مهارات القتال، والاندفاع والمجازفة الناتجة عن عدم تقدير العواقب، تجعل من الأطفال ضحية سهلة المنال ومخزونا استراتيجيا بشريا كبيرا لتعويض نقص الجنود الراشدين الذي يسببه طول أمد الصراع، ويتم من خلالهم ضمان استمرار رؤية وأفكار هذه التنظيمات وتثبيت ثقافة الحرب لأجيال قادمة ما يشكل تحديا في صياغة مستقبل بعيد عن الحروب.

وفي مقابل سعي المجموعات المسلحة لتجنيد الأطفال تبرز أسباب مجتمعية لا تقل خطورة وإن كان على رأس القائمة فيها الأسباب الاقتصادية الناجمة عن الحروب من فقر وبطالة لا تترك مجالا أمام الأطفال سوى الاختيار بين الالتحاق بصفوف المقاتلين وإيجاد وسيلة للبقاء وإعالة أسرهم أو التسول الذي لن يسد الرمق، إلا أن أشدها خطرا هي الأسباب الأيديولوجية (حروب مقدسة، تحرر عرقي أو سياسي، تحقيق العدالة الاجتماعية..).

حمل الضحايا الأطفال للسلاح -ومن ثمّ تحويلهم إلى قتلة- لا يمكن اعتباره بطولة إنما هو جريمة يحمل وزرها كل الأطراف
إذ يندفع الأطفال للتطوع في الجماعات المسلحة إيمانا بهذه الحرب ومفاهيمها التي يتم تغذيتها وتثبيتها من خلال الأسرة أو المحيط المجتمعي، ويزداد تعلقهم والتزامهم بهذه الجماعات حين يجدون الحوافز اللازمة كالثأر نتيجة فقدان أحد أفراد العائلة، أو طلب الحماية لهم ولأفراد عائلاتهم من المضايقات التي يتعرضون لها من قبل أطراف أخرى بالنزاع.

أمام هذه الأسباب التي تصنعها الصرعات لا يمكن التعويل على القوانين والاتفاقيات الدولية، التي تحظر تجنيد أو اشراك الأطفال إذا لم يبلغوا 15 من العمر في أعمال عدائية، كما لا يمكن الاكتفاء بالتنديد وإجراء الدراسات الإحصائية كالتي تقدمها المنظمات الدولية والحكومية، فهي رغم فائدتها لن يكون لها دور فاعل في إيقاف الكارثة في بلاد لم تبن على احترام الإنسان أو الطفولة، ولم يعد غريبا رؤية صور لأطفال يحملون السلاح أو يقفون على الحواجز، صور أطفال يقتلون ويقتلعون الرؤوس تعيدنا إلى طقوس القبائل البدائية حينما يصل أفرادها إلى سن الرجولة وذبح الأغيار، أو يذيعون بيانات استشهادهم التي تمتزج فيها شخصية الضحية بالجاني، في بلاد تخوض حروبا لا تحكمها القوانين أو المطلقات الإنسانية والأخلاقية، ومجتمعات تغرق في جهلها أو تجاهلها لأهمية الطفولة وبلوغ الطفل سن الرجولة، فالبنية الجسدية لا تعني اكتمال الإدراك والقدرة على اتخاذ القرار، ورمي الأطفال للمجموعات المسلحة لن يقدم للطفل ملاذا ولن يكون وسيلة أمان، إنما يقدم الأطفال قرابين مجانية على مائدة حرب لن تدوم إلى الأبد، ولكنها تترك سؤالها المؤلم: كيف يمكن إعادة تأهيل الناجين من هؤلاء الأطفال ودمجهم في الحياة من جديد بعد أن صار الموت ملاذهم.

حمل الضحايا الأطفال للسلاح -ومن ثم تحويلهم إلى قتلة- لا يمكن اعتباره بطولة بأي حال من الأحول إنما هو جريمة تحمل وزرها كافة الأطياف من الأسرة إلى المجتمعات ببناها الفكرية والثقافية التي تجرعت سموم قتل البراءة والمتاجرة بدم الأطفال والشباب تحت مسميات البطولة.

6