ليبيا مقبرة جنود أتراك تُشيّع نُعوشهم سرا

امتعاض داخلي تركي من حالة التعتيم التي يتم فيها دفن الجنود الأتراك المقتولين في ليبيا.
الأربعاء 2020/03/11
ألا يحق للجندي القتيل جنازة عسكرية

أنقرة - لماذا تتكتّم حكومة أردوغان على أعداد وأسماء قتلاها في ليبيا؟ لماذا تقوم بتشييعهم سرّا ومن دون أي مراسم عسكرية كما درجت العادة حين يكون هناك قتلى في صفوف الجيش التركي؟ لماذا يكون هناك تجريم لمن يتحدّث عن الأمر أو ينقل خبرا عنه؟ هل حقّا هذه التفاصيل تعدّ من أسرار الدولة، ومن الأسرار المتعلقة بالأمن القومي؟ لماذا يُحرم ذوو القتلى من تقدير قتلاهم وإقامة جنازات تحترم موتهم؟

هذه الأسئلة وغيرها تحضر في سياق حديث الشارع التركي المتململ عن ظاهرة تشييع جنود أتراك وعناصر استخبارات مقتولين في ليبيا، بشكل سرّي، ومن دون أيّ تغطية إعلامية أو احتفاء رسمي أو تشييع بمراسم عسكرية لائقة.

من المعلوم أنّ هناك طقوسا اجتماعية باتت بمثابة أعراف تصاحب رحلة الشابّ الذي يساق إلى الخدمة الإلزامية في تركيا، حيث يتمّ الاحتفاء به وإقامة حفلة لتوديعه، والابتهاج بأنّه ماض لتأدية واجبه في خدمة الوطن، وإشعاره بأنّه يؤدّي عملا عظيما ومقدّسا، وذلك في إطار إضفاء هالة من العظمة على الخدمة العسكرية الإجبارية، وواجب الفرد في حماية أمن بلاده، والوقوف في وجه أعدائها والمؤامرات التي تكاد لها.

هذه الطقوس أصبحت تقابل بنوع من البرود والجفاء والاستهجان في الشارع التركي الذي أصبح يشكّك بواقع الجيش الذي يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تحويله إلى حارس لمصالحه الشخصية والحزبية، وتفريغه من عقيدته العلمانية التي تشكّل أساسه العقائدي، والركن الأهمّ في حماية أسس العلمانية التي وضعها وكرّسها مصطفى كمال أتاتورك (1881 – 1938) حين تأسيسه الجمهورية التركية الحديثة سنة 1923.

ويلفت معارضون أتراك إلى أنّه إذا كان الواجب يحتّم الاحتفال بالشابّ حين يساق للخدمة العسكرية، فإنّ الواجب يفرض أيضا على الدولة تقدير مَن وقعوا قتلى وضحايا نتيجة سياساتها، لا أن يقابَل موتهم بفتور، وكأنّهم اقترفوا جريمة يعاقبون عليها، في الوقت الذي قضوا وهم ينفذّون أوامر الحكومة والجيش.

وبحسب ما يؤكد معارضوه، بعد حملة التطهير التي قادها أردوغان في صفوف الجيش التركي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو 2016، حرص أردوغان كذلك على إقصاء الكثير من القادة الكبار الذين كان يرى فيهم مناهضين لأحلامه بالسير بتركيا نحو مزيد من الاستبداد والدكتاتورية.

كما حرص أردوغان على تصدير ضبّاط موالين له، بحيث يعمل على أسلمة الجيش التركي بعقيدة حزبه العدالة والتنمية الحاكم، ليغدو الجيش تابعا لإملاءاته، بعد أن كان يعتبر بأنّه حام للجمهورية وعقيدتها العلمانية.

وبالعودة إلى ممارسات حكومة أردوغان بالتعتيم على أسماء القتلى من الجنود والمخابرات الأتراك في ليبيا، فإنّ السلطات التركية حجبت موقعا إلكترونيا؛ هو موقع “أودا.تي.في”، واعتقلت صحافيين يعملان فيه، هما باريش ترك أوغلو وهوليا كيلينتش بسبب تقرير عن تشييع جنازة أحد أفراد جهاز المخابرات التركي الذي توفي في ليبيا.

الغضب الداخلي يتصاعد ضد حكومة أنقرة
الغضب الداخلي يتصاعد ضد حكومة أنقرة

في وقت سابق من الأسبوع الماضي انتقد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو نشر التقرير. وقال في مقابلة مع قناة محلية إنّ “أسرار الدولة، الأسرار المتعلقة بالأمن القومي، موجودة”. وأثار ذلك غضب نسبة كبيرة من الشارع التركي الذي ينتقد تدخل جيشه في ليبيا، ويطالب أردوغان بسحب الجنود الأتراك منها، وعدم تقديمهم قرابين من أجل تمرير سياساته هناك.

ويعبّر مواطنون أتراك عن امتعاضهم من حالة التعتيم التي يتمّ فيها دفن جنودهم المقتولين في ليبيا، ويصرّحون بخشيتهم من أن تتحوّل ليبيا إلى مقبرة للجنود الأتراك، من أجل تحقيق أطماع أردوغان التوسعية.

والأسبوع الماضي قُتل أيضا 16 عسكريا تركيا ممن يشاركون بالعمليات في ليبيا، وقبلها في يناير قتل 4 جنود أتراك خلال قصف للجيش الوطني الليبي على ميناء طرابلس. ووفقا لما أعلنه أردوغان الذي اعترف منذ نحو أسبوع بمقتل جنود من قواته دون تحديد عددهم، فإنّ كافة الجنود الأتراك الذين أرسلهم إلى ليبيا قد تمّ قتلهم، فضلا عن العشرات من المرتزقة السوريين الموالين لأنقرة.

وترددت أنباء عن مقتل الجنرال خليل سوسيال عضو هيئة أركان الجيش التركي وقائد القوات التركية في ليبيا، إثر إصابته خلال قصف للجيش الليبي استهدف مؤخرا سفينة تحمل أسلحة تركية بميناء طرابلس.

وبدأت تركيا بنشر قوات في ليبيا في يناير في محاولة لدعم الحكومة المعترف بها في الأمم المتحدة في طرابلس. وكان الرئيس التركي زعم في يناير الماضي أنّ تركيا أرسلت 35 جنديا فقط إلى ليبيا دعما لحكومة طرابلس والميليشيات الإرهابية، وزعم أنّ جنوده لن يشاركوا في المعارك.

ويشار إلى أن تركيا تقدم دعما عسكريا لحكومة الوفاق الليبية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها. والعام الماضي، وقّع الطرفان اتفاقا للتعاون العسكري، وأرسلت تركيا بعدها قوات ومقاتلين مرتزقة من الفصائل السورية المتحالفة معها إلى ليبيا، لمواجهة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي يشن منذ أبريل الماضي حملة من أجل طرد الميليشيات المتطرفة من العاصمة.

ونشرت تركيا عسكريين في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة بهدف “تدريب” القوات التابعة لحكومة طرابلس التي تعترف بها الأمم المتحدة وتواجه هجوما يقوده رجل الشرق الليبي النافذ المشير خليفة حفتر.

وتشير تقارير إلى أنّ أردوغان أرسل مؤخرا ما يُقارب الـ7000 من المرتزقة السوريين من إدلب نحو ليبيا للقتال مع الميليشيات المتطرفة تحت راية حكومة الوفاق في طرابلس، وينتمي مُعظم هؤلاء لأقلية التركمان الموالية له، مع تقديم وعود لهم بالجنسية التركية والأموال القطرية.

6