ليبيا مع خارطة طريق سياسية أم دونها فالأزمة مستمرة

بيان الدول الخمس حول الانتخابات الليبية من وسيلة إلى غاية.
الأحد 2022/09/25
الأزمة الليبية تؤرق القوى الدولية

لا تحمل الدعوة الأميركية الأوروبية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا في أقرب وقت ممكن أي جديد، فهي مبادرة مكررة طالما أن المشهد الليبي من الداخل لا يرغب في الوصول إلى حل في ظل استمرار الخلافات والأجندات الخارجية.

يعتقد البعض من المتابعين أن كل ما ينقص ليبيا حاليا وضع خارطة طريق تحدد أجندة واضحة لإدارة هذه المرحلة وما يليها من ترتيبات سياسية، ورأوا في بيان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ألمانيا وإيطاليا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الجمعة، خطوة جيدة تنقصها تدشين مبادرة جديدة، لأن البيان شدد على مسألة إجراء الانتخابات في أقرب وقت كمدخل للتسوية.

ويمكن القول إن تحديد خارطة سياسية لإدارة الأزمة لن يكون كافيا، أو الاتفاق على موعد للعملية الانتخابية سوف يفتح باب الأمل لتحقيق الأمن والهدوء والاستقرار، فقد جرى طرح مبادرات قوية ووضعت خرائط في مؤتمرات بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرهم، ولم يتغيّر شيئا، وتم تحديد موعد حاسم للانتخابات ومرّ على هذا الموعد نحو العام ولا تزال الحكومة التي كان يجب أن تسلّم عهدتها تواصل عملها.

فالقضية لا علاقة لها بالخارطة أو الانتخابات، فالإرادة غائبة عند غالبية الأطراف المعنية بالأزمة، داخليا وخارجيا، وكل طرف يتعامل معها وفقا لمصالحه، بتغذية الصراع أو فرملته، وطرح مبادرات أو العزوف عنها، وفي ظل وجود خارطة طريق أو من دونها، في كل الأحوال الصورة قاتمة أكثر من اللازم.

تحول الحديث عن عملية الانتخابات في ليبيا إلى شعار فضفاض كل جهة تبالغ في العزف عليه كأنه ورقة لإبراء ذمتها من المأساة التي تعيشها البلاد حاليا، فعندما يتصاعد الاقتتال تكون هناك دوافع كامنة وراءه لدى الجهات المنخرطة، وعندما يتوارى قليلا يبدو الأمر كأنه تجهيز لجولة أخرى وليس إيذانا بالتوصل لهدوء دائم.

◙ الحديث عن الانتخابات  في ليبيا تحول إلى شعار فضفاض كل جهة تبالغ  في العزف عليه كلما تصاعد الاقتتال بين الميليشيات

ومنحت السيولة الطاغية في الأزمة العديد من القوى فرصة لتوظيفها جيدا لصالحها، وساعدتها على الهروب من مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية، فلا أحد يستطيع أن يلقي باللوم التام على أيّ جهة رسمية، سياسية أو أمنية، داخلية أو خارجية، فالكل يتحمل جانبا من الأزمة وتفاعلاتها السلبية والإيجابية.

خرقت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة خارطة الطريق التي حددها مؤتمر برلين الثاني واجتماعات جنيف، وضربت عرض الحائط بالكثير من التعهدات التي قطعت بشأن الانتخابات، وعقدت تحالفات علنية مع ميليشيات، وقامت الكتائب المسلحة الحليفة لها بعمليات قتل في وضح النهار بطرابلس، مع ذلك غض المجتمع الدولي بصره عنها وتصمم قواه الرئيسية على الحديث عن الانتخابات.

جرى تفويت موعد الانتخابات عمدا بلا عقاب، ونخر السوس في جميع الخرائط مع سبق الإصرار والترصد، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا أو يعاقب سياسيا أو جنرالا، ما جعل اجتماع نيويورك وبيان الدول الخمس الذي تمخض عنه بلا قيمة سياسية ملموسة، فقد أرادت هذه الدول الإيحاء أنها معنية بالأزمة الليبية بعد أن صدمت باهتمام موسكو الكبير وتأكيدها تعيين سفير روسي جديد في طرابلس قريبا.

يبدو إعلان الدول الخميس مكتوبا على ورق سيلوفان، فأبعاده السياسية شفافة للدرجة التي يصعب معها إيجاد معنى محكم يؤكد أن هذه الدول استوعبت دروس المرحلة الماضية وعازمة على تقديم رؤية تتوافق مع تطورات تنذر بخيبة أمل على الساحة الليبية، وربما على العكس جاء التعامل ليثبت أن الأزمة دخلت شوطا يفرض على كل طرف محلي الاستعداد لما هو أسوأ من خلال التجهيز الميليشياوي.

لم يعد اندلاع الأزمة الأوكرانية مبررا كافيا لتبرير الارتباك، لأنه حاصل منذ فترة طويلة، ولم تعد المناورات المختلفة بين روسيا والغرب مقبولة لتفسير التقاعس عن تقديم خارطة طريق ذات معالم واضحة، حيث باتت الألاعيب التي يقوم بها طرف جزءا من الأزمة قبل حرب أوكرانيا وبعدها، ما يشير إلى خلل في التوجهات العامة التي يأبى أصحابها تغييرها بما يسمح بتحقيق اختراق يوقف أزمة كلما اقتربت من التسوية ابتعدت عنها مرة أخرى.

قرأت العديد من الأطراف المحلية هذه اللعبة وتوابعها وأتقنت التكيف معها، وزادت من تكتيل الأوراق وهو أحد الأسباب القوية التي تفسر التغير المتلاحق في التحالفات داخليا وخارجيا، ما قاد إلى انعدام التوازن والصعوبة في تحديد شكل المعادلة النهائية في ليبيا، والتي تجاوز التغير فيها حدود الإقليم المحلي، فهناك تربيطات بين قوى من الغرب وأخرى من الشرق، والعكس.

وكشفت الفترة الماضية أن فكرة الشرق شرق والغرب غرب في ليبيا عصية على الفهم، فالصعود والهبوط اللذان يراهما الجميع والتحولات السريعة من مظاهر التقلبات الرئيسية في تعاطي القوى الدولية مع الأزمة، والتي أضفت عليها طابعا جعل التغير أبرز سماتها، والخرائط لا تجدي في وقف الحرب والانتخابات لن تجلب الهدوء لأنهما غير قادرين على رسم معالم المرحلة المقبلة وتنفيذ ما تنطوي عليه من ترتيبات.

بقدر ما حوى بيان الدول الخمس الكبرى في نيويورك رسائل بأن الأزمة الليبية لن تبارح طاولتهم أبدا، بعث بإشارة واضحة إلى قوى إقليمية مثل تركيا وقطر أراد كلاهما القيام بوساطة وسعتا إلى جس النبض حولها مؤخرا، تفيد بعدم التفريط في الأزمة أو وضع عهدتها في يد قوى يمكن أن تتلاعب بمصيرها، فلا تحركات لأيّ من الجهات الإقليمية بعيدا عن مظلة هذه القوى أو دون إشراف الأمم المتحدة.

تحد هذه النوعية من الرسائل والإشارات من مستوى الاندفاعة التركية التي وجدت أن الفرصة مهيأة لاختطاف التسوية في ليبيا، والقيام بهندسة خارطتها بالطريقة التي تناسب مصالحها، فمهما بلغ مستوى التفاهم بين بعض القوى الغربية وأنقرة، هناك شبح موسكو الذي يخيم على توجهات تركيا الإقليمية وتبادل قويّ للمصالح بينها وبين روسيا، ما يفرض وضع حد لكل التحركات وضرورة وضعها تحت مظلة دولية.

القضية لا علاقة لها بالانتخابات، فالإرادة غائبة عند غالبية الأطراف وكل طرف يتعامل معها وفقا لمصالحه

تتحدث الدول الخمس، بدرجات متفاوتة، عن المظلات والتنسيق والتعاون وتسوية الأزمة الليبية وهي تفتقر للأدوات التي تمكنها من وضع تصور واحد يمكن تطبيقه أو مبادرة يلتف حولها المجتمع الدولي.

وفي كل المرات التي أعلن فيها عن خرائط للحل لم تكتمل أيّ منها، كأنها وضعت ليتم وأدها لاحقا، أو لمنع اختطاف الأزمة من قبل جهة واحدة، وهو أمر يمكن فهم أبعاده من ارتفاع درجة التفاهم بين إيطاليا وفرنسا بعد مرحلة طويلة من الشد والجذب.

دخلت واشنطن بقوة أكبر على خط الأزمة وأوحت أنها تقبض على مفاتيحها، غير أن خطابها العام لم يتجاوز الشعارات الجذابة المتعلقة بإجراء الانتخابات التي هي في حاجة إلى توقيتات محددة والتزامات واضحة وإجراءات صارمة وتعاون مع قوى وطنية تستطيع تنفيذ نتائجها بأقل قدر من التضحيات في الأرواح، فالعنوان الواضح لإتمام هذه العملية هو وضع حد نهائي لمشكلة الميليشيات التي أصبحت ورقة تناور بها قوى متعددة، ومن خلالها يمكن الحديث عن خارطة طريق قابلة للتطبيق بلا خروقات فاضحة.

4