ليبيا تفتقد لخارطة طريق جدية تقود إلى انتخابات

الجهود الدولية لم تنجح في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.
السبت 2022/07/30
الليبيون يريدون التغيير عبر صندوق الاقتراع

تتمسك كل الأطراف المعنية بالمشهد الليبي سواء مجلسي النواب والدولة أو المجلس الرئاسي وكذلك حكومة الوحدة الوطنية بمواقفها فيما يتعلق بالمسار الانتخابي دون تقديم تنازلات حقيقية وسط مخاوف من عودة البلاد إلى مربع العنف.

طرابلس - تحاول أطراف ليبية ودولية البحث عن خيارات للخروج من حالة الانسداد، والتي تهدد بالعودة إلى العنف، في ظل عدم وجود أيّ خارطة طريق جدية تقود إلى الانتخابات واستبدال الأجسام السياسية الحالية.

فبعد فشل اجتماعات مجلسي النواب والدولة في القاهرة، ثم لقاء رئيسي المجلسين في جنيف، نهاية يونيو الماضي، بشأن القاعدة الدستورية، دون إحداث تقدم، انتقلت الكرة إلى المجلس الرئاسي، بعد مظاهرات شعبية في عدة مدن تطالبه بإسقاط الأجسام السياسية الحالية.

لكن المجلس الرئاسي لم يكن حاسما، فعادت المبادرة إلى البعثة الأممية، التي تسعى لجمع رئيسي مجلسي النواب والدولة، لبعث مسار جديد يفضي إلى انتخابات، رغم أن هذه الاجتماعات، التي استغرقت سنوات، لم ينتج عنها أيّ انتخابات.

مبادرة الرئاسي تصطدم بالواقع

المجلس الرئاسي اكتفى بعرض مشروع القاعدة الدستورية على المجلس الأعلى للدولة

كان من المرتقب أن يلجأ المجلس الرئاسي برئاسية محمد المنفي، إلى خطوة ثورية، بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي النواب والدولة وتشكيل حكومة مصغرة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت، بعد إصداره قاعدة دستورية وقوانين انتخابات بأوامر رئاسية.

غير أن أيّا من هذه الخطوات لم يتم تنفيذها، ورغم أن المتظاهرين كانوا يطالبون بإسقاط الأجسام السياسية، وتولي المجلس الرئاسي مسؤولية التحضير للانتخابات، فإن المظاهرات لم تكن مستمرة ولم توفر الدعم الكافي للرئاسي، الذي لم يحظ بدعم دولي، ولا من القوى العسكرية النافذة، لتنفيذ خطته.

واكتفى المجلس الرئاسي بعرض مشروع القاعدة الدستورية على المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) والذي رفضها بالإجماع، خاصة المادة المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة.

وتنص المادة المثيرة للجدل أن “لا يكون المترشح لكرسي الرئاسة حاملا لجنسية دولة أخرى عند أداء القسم القانوني لمزاولة المنصب”.

وتضيف المادة “يمنح للفائز ثلاثة أشهر لتقديم ما يفيد تنازله عن جنسيته الأخرى، ويتولى رئيس مجلس الشيوخ مهام رئاسة الدولة خلال هذه الفترة، وفي حال انقضاء هذه المدة دون وفاء الفائز بالشرط المذكور يتولى القائم بأعمال الرئاسة الدعوة لانتخابات رئاسية خلال شهر…”.

ووضع المجلس هذه المادة كحلّ وسط، أمام رفض خليفة حفتر قائد قوات الجيش الوطني الليبي التخلي عن جنسيته الأميركية قبل أن يضمن فوزه بالرئاسة، بينما يشترط مجلس الدولة تنازل أيّ مترشح بمن فيهم حفتر عن جنسيته الأخرى قبل ترشحه.

وموقف مجلس الدولة أضعف مبادرة المجلس الرئاسي بشأن اعتماد مشروع القاعدة الدستورية من البرلمان.

وحتى المبادرة بإقرار المجلس الرئاسي للقاعدة الدستورية وقوانين انتخابات بأوامر رئاسية، أفتى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، بعدم قانونيتها.

وقال السايح إنّ “المجلس الرئاسي لا يستطيع بمعزل عن مجلس النواب إصدار مراسيم رئاسية لصياغة القوانين والتشريعات الانتخابية”.

وهذا الوضع يجعل مبادرة المجلس الرئاسي تصطدم بواقع لا يمكنها مجابهته، خاصة أن مجلس النواب في طبرق، يرفض أن يتشارك مع مجلس الدولة في صلاحية التشريع ناهيك أن يتنازل عنها لصالح “الرئاسي”.

الدبيبة يرمي الكرة لمفوضية الانتخابات

الدبيبة رمى الكرة في مرمى مفوضية الانتخابات بعد أن كان يصف مبادرته بأنها "الحل الوحيد" لإجراء الانتخابات
الدبيبة رمى الكرة في مرمى مفوضية الانتخابات بعد أن كان يصف مبادرته بأنها "الحل الوحيد" لإجراء الانتخابات

وبعد سحب مجلس النواب في طبرق الثقة من حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، أعلن الأخير في نهاية مايو الماضي عن مبادرة لتنظيم الانتخابات البرلمانية تنطلق في يونيو، على أن تجرى نهاية 2022.

وبخصوص القاعدة الدستورية قال الدبيبة إن “مشروع الدستور الموجود حاليا يمكن اعتماده والاستفتاء عليه، واعتباره أساسا تجرى الانتخابات على ضوئه”.

كما اقترح إجراء الاقتراع على مشروع الدستور إلكترونيا، خاصة في المناطق غير الخاضعة لسيطرة حكومته في الشرق والجنوب.

وكان اختيار شهر يونيو لانطلاق تنفيذ مبادرته الانتخابية مقصودا، لأنه في الثالث والعشرين من ذات الشهر، تنتهي المرحلة الانتقالية التي حددتها الأمم المتحدة بـ18 شهرا.

وبعد مطالبة مجلس النواب حكومة الدبيبة بالرحيل بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددت لها، أوضحت الأمم المتحدة أن المرحلة الانتقالية مرتبطة بإجراء الانتخابات، ما شكل استمرارا لاعتراف الأمم المتحدة بحكومة الوحدة.

بالمقابل، توقف حديث حكومة الوحدة عن تحضيرات لتنفيذ الانتخابات، خاصة وأنها لا تملك سلطة التشريع، بل يتهمها البعض بأنها لا ترغب في إجراء الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة منتخبة.

ورغم أن الدبيبة أكد في أكثر من مناسبة استعداد حكومته لإجراء الانتخابات، فإنه مستعد لتسليم السلطة لحكومة منتخبة، إلا أن آلية تنفيذ هذا الهدف غير واضحة.

ومؤخرا رمى الكرة في مرمى مفوضية الانتخابات، بعد أن كان يصف مبادرته بأنها “الحل الوحيد” لإجراء الانتخابات.

وقال الدبيبة “جاهزون لتنفيذ الانتخابات فور إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات جاهزيتها”، متخليا بذلك عن مبادرته لإجراء الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على مشروع الدستور قبل الذهاب للانتخابات الرئاسية.

البعثة الأممية متمسكة بمسار خاص

Thumbnail

ورغم إخفاق وفدي مجلسي النواب والدولة ورئيسيهما في الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وما خلّفه ذلك من إحباط لدى الليبيين، إلا أن الأمم المتحدة مازالت متمسكة بنفس المسار الذي فشل في الوصول إلى انتخابات منذ 2014.

فالبعثة الأممية في ليبيا لم تدعم لا مسار المجلس الرئاسي ولا مبادرة حكومة الوحدة، وترغب في أن تجرى الانتخابات عبر التفاهم بين مجلسي النواب والدولة.

ويدعم المبعوث الأميركي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند مواطنته ويليامز في المواصلة على نفس النهج، بل قدم اقتراحا عمليا لتنفيذ الانتخابات عبر حكومتين كل في مناطق سيطرتها، إلا أن هذا المقترح لم يلق استحسانا في الداخل الليبي.

وفي سياق محاولة إنقاذ مسار الانتخابات التقت المستشارة الأممية الأميركية ستيفاني ويليامز بخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في إسطنبول في الثاني والعشرين من يوليو، وشددت على ضرورة توصله مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى توافق سريع بشأن معالجة “النقاط الخلافية المتعلقة بازدواجية الجنسية بالنسبة إلى المترشحين للرئاسة، وكذلك التعديلات على مسودة الدستور 2017”.

كما أبلغت ويليامز المشري، بحسب بيان، عن مراسلة عقيلة صالح لها، حول “التعيينات للمناصب السيادية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمالية والرقابة والمحاسبة”.

ولوّح رئيس مجلس النواب في طبرق بالمضي منفردا في تعيين المناصب السيادية دون الاتفاق مع مجلس الدولة، بالتزامن مع إقالة حكومة الوحدة لمصطفى صنع الله من رئاسة مؤسسة النفط باتفاق مع حفتر، رغم معارضة المجلسين.

وبحسب البيان، فإن المشري وافق على الجلوس على طاولة واحدة مع عقيلة، و”مناقشة هذه الأمور كجزء من حزمة واحدة”، وعلى رأسها “إرجاع البلاد إلى مسار ثابت، يؤدي إلى الانتخابات تقوم على أساس إطار دستوري”.

فالمشري وعقيلة سيحاولان استعادة المبادرة بدعم من ويليامز من المجلس الرئاسي الذي لوّح بإسقاطهما “استجابة لمطالب الشعب”.

ولكن الأهم من ذلك قطع الطريق أمام أيّ تحالف “لقوى الأمر الواقع” ممثلة في الدبيبة وحفتر، من شأنه مصادرة “صلاحياتهما” في التعيين بالمناصب السيادية.

لذلك فإن أيّ اجتماع جديد للمشري وعقيلة من المرجح أن ينتج عنه توافق حول ملفات مرحلية من المستبعد أن تفضي إلى انتخابات، إلا إذا كان هناك ضغط شعبي ودولي قويين، ليس فقط عليهما ولكن أيضا على “قوى الأمر الواقع”، للوصول إلى خارطة طريق تنتهي بانتخاب رئيس وبرلمان جديدين.

6