لوحات متعددة المدارس تعيد حكاية قصص النساء والأمكنة

نعمت الناصر فنانة أردنية تنحاز لدواخل الإنسان دون أن تتوقف عن التجديد.
الثلاثاء 2023/01/10
المكان الفلسطيني حاضر بطبيعته

هناك من الفنانين التشكيليين من يختار لنفسه مدرسة أو تقنية أو طريقة ويواصل الحفر فيها، وإن كان في ذلك نوع من الانحصار في مجال محدد. ولكن فنانين آخرين اختاروا توجها مختلفا تماما هو التجريب في أكثر من مجال وعلى أكثر من مادة ووفق أكثر من مدرسة وتصور، محاولين نقل بصمتهم من مجال إلى آخر، على غرار الفنانة الأردنية نعمت الناصر.

عمان - عرف عن التشكيلية الأردنية نعمت الناصر حرصها منذ بداية تجربتها الفنية على عقد حوارات مفتوحة على الفن؛ سواء ما يختص بالتقنية أو الرؤية والموضوعات، لذا فهي دائمة التجريب والسعي للابتكار والتجديد.

التجديد الدائم

تجربة الفنانة تتنوع بين الحفر والطباعة والرسم الزيتي والإكريليك وغيرها لكنها تهتم دائما بالمرأة والمكان
تجربة الفنانة تتنوع بين الحفر والطباعة والرسم الزيتي والإكريليك وغيرها لكنها تهتم دائما بالمرأة والمكان

في عملها الفني تستعين الناصر بالخبرات التي عايشتها بصريا وبمواكبتها للتنوع المستمر في الوسائط الفنية التي تتمازج مع روح العصر وتتطور متسقة معه، وهو ما نجده سمة بارزة في جل أعمالها الفنية على اختلاف تجاربها وتنوعاتها.

في أحدث أعمالها، تخوض الفنانة تجربة مع تقنيات جديدة في الغرافيك، إذ نفذت أعمالا بتقنيات الحفر على الخشب والليثيوم والزنك والـ”كارت بورد”، وهي لا تركن للتقنية فقط، بل تؤكد على تكويناتها الخاصة وصياغتها للخطوط والأشكال التي تتسم بالحيوية.

ففي المعرض الأول الذي أقامته الفنانة بالمركز الثقافي الإسباني عام 1989، يميل التشكيل نحو التجريد في الأشكال، غير أنها لا تغرق في ذلك التجريد، تاركة للأشكال أن تظهر لتعبر عن الموضوعات التي تناقشها، ومن أبرزها: هموم الإنسان وقضاياه المعاصرة واشتغالاته، ومعاناة المرأة، وما يلحق بالإنسان -وبخاصة الأطفال- من ظلم بسبب الحروب.

ويلاحظ المستعرض لتجربة الفنانة التي تتنوع بين الحفر والطباعة ولوحات المونوبرنت والرسم الزيتي والإكريليك، اهتمامها بموضوعي المرأة والمكان، رغم أنها أحيانا لا تظهر جنس الشكل الإنساني الذي ترسمه، فقد قدمت المرأة «الأم» كما في لوحتها التي صورت بها جسدا أنثويا يحتضن بين ذراعيه طفلا، وامرأة تنحني بجسدها لتحضن طفلتها، وركزت في لوحاتها التي تضم مجاميع من النساء على إبراز وضعياتهن بحيث تعبر عن الإحساس بالمعاناة والقيود، وجاءت تلك اللوحات بألوان داكنة وتشكيلات متداخلة ذات خطوط حيوية وهادئة.

أفكار ورغبات

رصد الأفكار والهواجس والرغبات
رصد الأفكار والهواجس والرغبات

في عدد من لوحات الفنانة الناصر التي درست الفنون الجميلة «قسم فن الحفر» بجامعة دمشق، تبرز مشاهد من الطبيعة تقارب الفن التجريدي من حيث التشكيل وتقارب التعبيرية من حيث توزيع الكتل على السطح، وتستخدم فيها الفنانة الألوان الحارة والقوية تارة والداكنة والهادئة حينا آخر، حيث تصور أنهار الماء المتدفق فوق الصخور، كما ترسم الأشجار متشابكة الأغصان بالألوان الغامقة التي تحدد خطوط الشكل، بينما تنبثق في خلفية اللوحة الألوان القوية المشعة التي تمنح إحساسا قويا بالحياة وجمال الطبيعة وقوتها، إلى جانب لوحات تصور الزهور البرية والبحيرات والقوارب والزهور المنزلية.

في عملها الفني تستعين الفنانة بالخبرات التي عايشتها بصريا وبمواكبتها للتنوع المستمر في الوسائط الفنية التي تستغلها

إلى جانب ذلك، تدمج الفنانة في أحيان كثيرة بين المرأة والطبيعة، وتصورهما على أنهما مصدر واحد للعطاء، كما في لوحتها التي تجلس فيها امرأة على كرسي وترتدي زيا موشحا بتفاصيل من الطبيعة الممتدة حولها.

ويبرز هذا التماهي بشكل جلي في الأعمال التي تستوحيها الفنانة من معاناة الإنسان الفلسطيني، حيث المكان الفلسطيني حاضر بطبيعته في خلفية اللوحة بينما التشكيلات الإنسانية المعبرة تبرز على السطح.

واستضافت مدينة أسوان المصرية أبرز تجربة للفنانة قدمت خلالها أعمالا باللونين الأبيض والأسود، مبرزة بذلك جماليات التضاد بين اللونين مع تجنب استخدام الرمادي بما يحيل إليه من انعكاسات نفسية وتحليلات فلسفية وجمالية. ومن المتضادات التي أرادت الفنانة تأكيدها هنا: الليل والنهار، والخير والشر، والحياة والموت.

ونعمت الناصر التي أسست في بيت والدها بمدينة إربد شمال الأردن “بيت نجم الدين للثقافة والفنون” الذي يستضيف العديد من المعارض، تنحاز للداخل الإنساني بكل تجلياته، وتغوص في أعماقه لتعبر عبر وضعيات رسم الأشكال والأجساد عما يدور فيه من أفكار وهواجس ورغبات، ويمكن ملاحظة ذلك من الرموز والإشارات الفنية المبثوثة فوق سطوح لوحاتها.

13