لوبي قطر لم يستوعب انتهاء عقيدة أوباما في واشنطن

واشنطن - اعتبرت مراجع دبلوماسية عربية في الولايات المتحدة أن التصريحات المعزولة التي تخرق الموقف الأميركي الرسمي من الأزمة الخليجية المصرية مع قطر، لا يمكن أن توفر للدوحة فرصة لكسر المقاطعة التي تضيق من حولها يوما بعد آخر، وأن أقصى ما توفره لها هو منحها فرصة للعب في الوقت الضائع قبل أن تحسم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفها قياسا بقاعدة المصالح.
وقالت هذه المراجع إن قطر تحاول أن توظف اللوبي الموالي للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لتبدو السياسة الخارجية الأميركية منقسمة بشأن الخلاف القائم بين الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر، خلافا لما هو قائم، حيث سبق أن حسم الرئيس ترامب الأمر بتشديده على تورط قطر في دعم الإرهاب وضرورة أن تستجيب بشكل كامل للائحة المطالب التي يتمسك بها خصومها.
وقال السناتور الجمهوري بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، إنه سيسحب موافقته على مبيعات السلاح الأميركية لدول في مجلس التعاون الخليجي إلى أن يتم إيجاد سبيل لحل النزاع في المنطقة حيث تفرض أربع دول عربية مقاطعة على قطر.
وتقوم وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تزكياتها لصفقات سلاح مع حلفاء الولايات المتحدة إلى لجنتي الشؤون الخارجية والقوات المسلحة في مجلس الشيوخ، على أن يصدر الأخير تراخيص لبيع هذه الأسلحة خلال فترة 90 يوما.
وكتب كوركر في رسالة إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون “ينبغي على جميع دول المنطقة أن تبذل مزيدا من الجهد لمحاربة الإرهاب.. لكن النزاعات التي نشبت في الآونة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ليس من شأنها سوى إلحاق الضرر بجهود محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والتصدي لإيران”.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يعتبرون تصريحات كوركر جزءا من جهود حل الأزمة القطرية. لكن متابعين لشؤون الخليج يعتبرون أن التصريحات تعمل على تبرئة قطر في الأزمة، والمساواة في المسؤولية بينها وبين الرباعي العربي مع أنها المتسبب الأول بها. وهو مناف تماما لمواقف ترامب الرسمية، وفيه انحياز لافت ضد تلك المواقف.
وأشار مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إلى أن تيلرسون دعا الأحد الدول المعنية إلى الجلوس معا ومناقشة سبل تسوية الأزمة. ورفض المسؤول التعليق على صفقات الأسلحة، واكتفى بقول إن الوزارة تظل ملتزمة بالعمل مع المشرعين.
وحذّر متابعون للشأن الأميركي من أن استمرار التصريحات التي تناقض الموقف الرسمي قد يفقد سياسة ترامب الخارجية القوة والمتانة اللتين أظهرهما الرئيس الأميركي منذ تسلمه منصبه في يناير الماضي، وقد يوحي بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تزال متمسكة بخيار توظيف مجموعات الإسلام السياسي ورعاتها الإقليميين، وعلى رأسهم قطر.
|
ومن شأن استمرار هذا الانفتاح أن يقوض الموقف الحازم لإدارة ترامب تجاه الحركات الإسلامية المتشددة بمختلف مستوياتها باعتبارها شريكة بشكل أو بآخر في تغذية الإرهاب. كما أنه يعطي إشارات متناقضة لدول حليفة في المنطقة بأن واشنطن مرتبكة ولا يمكن الرهان على دورها كحليف ثابت في الحرب على الإرهاب.ويقول مسؤولون أميركيون سابقون إن مراكز الثقل والنفوذ داخل وزارة الخارجية مازالت تحت سيطرة مسؤولين تم تعيينهم خلال حكم إدارة أوباما. ومازال بعض الدبلوماسيين الأميركيين الكبار يتمتعون بعلاقات وثيقة بقادة في التنظيم الدولي للإخوان.
وأشار المتابعون إلى أن إدارة ترامب، التي تعرض القيام بواسطة لحل الأزمة العالقة مع قطر، ستجد نفسها واقعة تحت ضغوط اللوبي المتمركز بالخارجية، في ضبط ملامح الوساطة وخاصة ما تعلق بالتزامات قطر تجاه الدول الأربع والولايات المتحدة قبل ذلك.
لكن استراتيجية ترامب تأخذ منحى مختلفا تماما. ومنذ توليه السلطة في يناير الماضي سعى ترامب إلى تهميش دور وزارة الخارجية برمتها في حل النزاعات الدولية، وتموضع الولايات المتحدة كوسيط نزيه. وبدلا من ذلك رفع ترامب ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون) بمقدار 50 مليار دولار إضافية، بينما خفض من ميزانية الخارجية.
وتعكس هذه الاستراتيجية الجديدة التناقض الكبير بين سياسات ترامب وأوباما، الذي كان وزير الخارجية السابق جون كيري في عهده يلعب الدور المحوري في فرض وجهة نظر وزارة الخارجية في نزاعات منطقة الشرق الأوسط.
ويقول مراقبون إن عصر كيري، ومن قبله هيلاري كلينتون، يشبه كثيرا حقبة تولي وزير الخارجية الأسبق هنري كسنجر خلال سبعينات القرن الماضي، عندما غير تماما عقيدة الدبلوماسية الأميركية واستراتيجيتها في المنطقة لصالح إسرائيل. وفي عهد أوباما تبنت وزارة الخارجية وجهة نظر جماعات الإسلام السياسي باعتبارها بديلا محتملا لأنظمة الحكم التقليدية القائمة.
ويفهم ترامب سياسة أوباما جيدا، لذلك لجأ إلى تهميش دور دبلوماسيين كبار في وزارة الخارجية، لطالما قدموا دعوات لقيادات في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من أجل حضور اجتماعات في مقر الوزارة في واشنطن، وعقد مناقشات مع مسؤولين أميركيين كبار، بدعم قطري.
ويتزعم الدبلوماسيون الأميركيون، الذين يشعرون بالتجاهل من قبل البيت الأبيض، جهود الوساطة في الأزمة القطرية، كما يمارسون ضغطا كبيرا على تيلرسون.
لكن السعودية التي تتزعم الدول المقاطعة للدوحة، لا تستطيع قبول أي وساطة ما لم تتعهد الدوحة بوقف تمويلها ورعايتها لتيارات متشددة مقاتلة في سوريا، أو في بناء علاقات سرية مع إيران وأذرعها في المنطقة، وعقد صفقات وفدى تحت الطاولة مع الإرهابيين مقابل إبراز قطر كفاعل إقليمي.
وكان تليرسون الذي التقى أمس بنظيره القطري، قد بحث عن وساطة بمقاسات قطرية حين حث على لائحة مطالب قابلة للتنفيذ. وقال في بيان له الأحد إنه “في حين أن بعض العناصر ستكون صعبة جدا بالنسبة لقطر لكي تنفذها، فإن هناك مجالات مهمة توفر أساسا لحوار مستمر يؤدي إلى حل”، وحض الدول على “الجلوس معا ومواصلة المحادثات”.
ويعتقد على نطاق واسع أن صعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية سيزيد من الضغوط على قطر لأجل وقف تعاملاتهما السرية والعلنية من المجموعات المتشددة، وأن أي تراجع في واشنطن عن استراتيجية ترامب في الحرب على الإرهاب وإقامة تحالف إسلامي أميركي في وجه إيران قد يعيد العلاقات السعودية الأميركية إلى مرحلة الشك التي سادت في فترة أوباما، وقد يزيد من عزم الرياض على تنويع الشركاء الدوليين عسكريا واقتصاديا ومراجعة مرحلة التفاؤل التي خلفتها قمم الرياض الثلاث بحضور ترامب في العلاقات الخليجية الأميركية.