لهذه الأسباب لا يستطيع بايدن وقف الحرب على غزة

واشنطن - منذ بداية عملية طوفان الأقصى، أبدت الولايات المتحدة تعاطفا كبيرا ودعما غير محدود لإسرائيل، معلنة حقها في “الدفاع عن النفس ضد العمليات الإرهابية التي ترتكبها حماس ضد المستوطنين". والدعم الأميركي لإسرائيل ليس جديداً، فهو الداعم الأكبر منذ تأسيسها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وحرص الرؤساء الأميركيون (الجمهوريون والديمقراطيون) على إظهار الدعم والتعاطف مع إسرائيل، رغم أن نسبة هذا الدعم والتعاطف تختلف من رئيس إلى آخر. وتاريخياً، كان الجمهوريون أكثر تحالفاً مع إسرائيل، في حين كان دعم الديمقراطيين لإسرائيل أكثر ليونة وأحياناً أكثر تأثيراً.
والرئيس الأميركي الحالي جو بايدن مؤمن تاريخياً بفكرة حل الدولتين، لكن عند وصوله إلى الرئاسة كانت الأمور مختلفة، ربما لجهة إخلاص الرئيس السابق دونالد ترامب لصفقة القرن، التي أعلن عنها في 6 ديسمبر 2017، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلان واشنطن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.
وإضافة إلى وجود حكومة إسرائيلية متطرفة برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كانت علاقته ببايدن سيئة، نتيجة الإصلاحات القضائية التي نفذتها حكومته، والتي انتقدتها إدارة بايدن باعتبارها تشكل خطرا على الديمقراطية في إسرائيل.
ولم يتلق نتنياهو أي دعوة لزيارة الولايات المتحدة منذ توليه منصب رئيس وزراء إسرائيل في 29 ديسمبر 2022. وكان اللقاء الوحيد مع الرئيس بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023 في نيويورك.
ويقول الباحث في الشؤون الدولية شاهر الشاهر في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إن ذلك يعني أن بايدن لم يستقبل نتنياهو في البيت الأبيض منذ توليه الرئاسة حتى اليوم، وهو ما يعكس اختلاف التوجهات السياسية لكلا الطرفين.
بايدن ونتنياهو استثنائيان
يعد الرئيس بايدن شخصية استثنائية على المستوى السياسي الأميركي، فهو أصغر سيناتور (29 عاما) وأكبر رئيس (82 عاما)، أي أن خبرته في مجال العمل السياسي تتجاوز نصف قرن. ويؤمن بايدن بأهمية إسرائيل وحقها في الوجود، لكنه يرى أن وجودها لا يمكن أن يلغي وجود الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو. ورغم الخبرة السياسية الكبيرة التي يتمتع بها بايدن، إلا أن إدارته كانت ضعيفة وقليلة الخبرة في شؤون الشرق الأوسط، إذ وضع إستراتيجية للانسحاب الأميركي من المنطقة ليتفرغ لاحتواء كل من الصين وروسيا.
ويعكس ترشح بايدن لولاية ثانية حجم المشكلة داخل الحزب الديمقراطي الذي بدا غير قادر على تقديم بديل. وهذه هي المشكلة نفسها بالنسبة إلى الحزب الجمهوري الذي سيمثله دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأما نتنياهو فهو رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية منذ 1996-1999، وتولى الحكومة لفترة أخرى (2009-2021)، ثم عاد لرئاسة الحكومة عام 2022. وبذلك، سيكون رئيس الوزراء الأطول فترة في تاريخ إسرائيل، حيث خدم لأكثر من 15 عاماً.
وأصبح نتنياهو ظاهرة في الحياة السياسية الإسرائيلية، خاصة وأنه استطاع أن يصبح الزعيم الوحيد لحزب الليكود الذي يتحكم في مصير إسرائيل وتشكيل صورتها المستقبلية، رغم تاريخه الحافل بالفساد. وقد كرّس فكر نتنياهو السياسي في الكتاب الذي ألفه بعنوان “مكان تحت الشمس”، والذي أسس لفكرة الواقعية المتطرفة، التي ترتكز على أن المستقبل للشعب اليهودي، الذي عانى الويلات على يد الإمبراطوريات التي خلفتها، وأن هذا الشعب سيتحول من فئة مظلومة إلى فئة مقهورة.
ويرى الشاهر أن أيديولوجية نتنياهو المتطرفة هي عقيدة إيمانية، أي أنه مستعد لفعل أي شيء مقابل تحقيق ذلك. وكان رد فعل بايدن على طوفان الأقصى كبيرا ومبالغا فيه سياسيا، إذ كان أول رئيس أميركي يزور إسرائيل وهي في حالة حرب. ويقول الشاهر إن دموع بايدن “الانتخابية”، وتأكيده على صهيونيته، وإيمانه بحتمية بقاء إسرائيل، شجعت نتنياهو على المضي قدما في حربه على قطاع غزة. لكن زمن الحرب طال أكثر مما كان متوقعا، وبدأت الأيام تثبت ضعف الجيش الإسرائيلي وقدرته على إنجاز مهامه المعلنة، وأبرزها تحرير الرهائن والقضاء على حركة حماس.
ودفع الرأي العام العالمي، وتأثير الحرب على مواقف الناخبين الأميركيين، وخاصة الشباب والمسلمين، واتساع نطاق الحرب إلى اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وتعرض القوات الأميركية في المنطقة لعدد من الهجمات، بايدن إلى مطالبة نتنياهو بوقف الحرب، أو استبدالها بعمليات محددة تستهدف قادة حماس والقول إن ذلك يقلل من الخسائر في صفوف المدنيين.
وهذا بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة والعالم، حيث بلغ حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا خلال العامين الماضيين 124 مليار دولار. وبلغ الدين العام للولايات المتحدة 2.3 تريليون دولار، بعد أن كان نحو 700 مليار فقط قبل الحرب في أوكرانيا اضافة الى عدم القدرة الأميركية على تأمين الذخيرة اللازمة لأوكرانيا وإسرائيل خاصة وأن كمية استهلاك الذخيرة في غزة فاقت التوقعات.
وهنا برز سؤال كبير يظل موضع خلاف بين الكثير من المحللين وأصحاب المصلحة، وهو: هل تريد الولايات المتحدة حقاً وقف الحرب في غزة؟ أم أن الحرب في المنطقة هي حرب أميركية تقوم بها إسرائيل؟. ولنصل إلى السؤال الأهم: هل يستطيع الرئيس بايدن الضغط على نتنياهو لإجباره على وقف الحرب في غزة؟ أم أن كل ما يقال عن الفرق بين واشنطن وتل أبيب ليس أكثر من نوع من تبادل الأدوار؟.
تكتيك مختلف
يتقاطع الموقف المعلن لبايدن وإدارته مع موقف نتنياهو الاستراتيجي (ضرورة القضاء على حركة حماس)، لكنه يختلف في التكتيكات (الأدوات وطريقة التنفيذ) من أجل تحقيق الهدف المعلن. والخلاف بين بايدن ونتنياهو منطقي، أي أن هناك خلافا حقيقيا، حيث أن سياسة نتنياهو أصبحت تضر بمصالح الولايات المتحدة بشكل عام، والمستقبل الانتخابي للرئيس بايدن بشكل خاص.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية بايدن اليوم أقل، وأنه خسر أصوات مؤيديه الأميركيين الشباب الذين أبدوا معارضة قوية للحرب في غزة، والموقف الأميركي منها. ويكاد يكون هناك إجماع على أن الرئيس بايدن كان ضعيفا في تعامله مع نتنياهو، ويعود هذا الضعف إلى عدة أسباب، منها:
– شخصية الرئيس بايدن وحالته الصحية، وبالتالي إدارة البيت الأبيض من قبل أعضاء إدارته الأقرب إلى إسرائيل (وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وجون كيربي كبير المتحدثين باسم الأمن القومي للرئيس).
◙ استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبية بايدن اليوم أقل، وأنه خسر أصوات مؤيديه الأميركيين الشباب الذين أبدوا معارضة قوية للحرب في غزة
– شخصية نتنياهو ومكانته السياسية تتطلب منه مواصلة الحرب مهما كان الثمن، وإلا فإن الفصل والسجن هو ما ينتظره.
– تأثر الرئيس بايدن بشخصية جولدا مئير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة.
– عدم رغبة بايدن في الدخول في صراع مع إسرائيل، خاصة أن الوقت ليس في صالحه.
– نفوذ اللوبي الإسرائيلي، ودور الكونغرس في الضغط لإرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، كأولوية على أوكرانيا وتايوان.
– هذا بالإضافة إلى معارضة الجمهوريين في الكونغرس لسياسات بايدن ومحاولتهم إفشاله، إلا أن انتقاد سلوك إسرائيل لا يعني إطلاقاً عدم الاعتراف بحتمية وجودها.
– غياب أي موقف عربي موحد قادر على الضغط على الولايات المتحدة وشعورها بالتهديد على مصالحها في المنطقة.
– غياب الدور الروسي والصيني الفاعل القوي، فالبلدان لديهما حساباتهما ومصالحهما الخاصة، ومن مصلحة البلدين إرهاق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
– غياب أي دور أوروبي قادر على كبح جماح نتنياهو، على غرار ما فعله الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول بعد حرب 1967 عندما توقف عن بيع الأسلحة لإسرائيل.
وهذه الأسباب وغيرها تجعل من الصعب توقع أن يتمكن الرئيس الأميركي -لو أراد ذلك- من إجبار نتنياهو على وقف الحرب في غزة، خاصة أنه لا توجد ضغوط عليه من الدول العربية والإسلامية للقيام بذلك، ولا يوجد ما يهدد المصالح الأميركية في المنطقة. وتشير كافة المعطيات إلى أن نتنياهو أصبح عبئا على المجتمع الدولي، وأن التخلص منه يخدم مصلحة الجميع، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة.