لماذا يطبق حسن بلقية الشريعة الآن وبعد أكثر من نصف قرن من الحكم

سعي السلطان حسن البلقية الدائم لإرضاء أنصاره المحافظين يحمل في طياته غموضا لافتا.
الجمعة 2019/04/05
تناقضات صارخة في العاصمة بندر سري بيغاوان

استقطب خبر دخول قوانين جديدة في سلطنة بروناي حيّز التنفيذ في خطوة تشير إلى التوجه نحو المزيد من التشديد في تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه السلطنة الصغيرة والثرية، اهتمام وسائل الإعلام العالمية والكثير من الشخصيات السياسية والحقوقية والمشاهير على اعتبار أنها أول بلد في جنوب شرق آسيا يطبق الشريعة. ويدفع هذا الأمر للتساؤل عن أسباب مواصلة السلطان حسن البلقية فرض المزيد من القوانين الإسلامية بعد أن كان أجّلها في سنوات سابقة. لكن هذا البلد الذي يعدّ أكثر تشددا من جيرانه مثل إندونيسيا وماليزيا لا يبدو أن سلطانه ملتزم بأسلوب حياة ينسجم مع هذه التعاليم الدينية ولا يفرضها على عائلته.

بندر سري بيغاوان - “أريد أن أرى التعاليم الإسلامية في هذا البلد تزداد قوة”، بهذه العبارة دعّم حسن البلقية سلطان بروناي دخول قانون جديد يفرض المزيد من التشدد في ما يتعلق بالحريات الفردية ويجرم البعض من ممارساتها حيّز التنفيذ في البلاد التي أصبحت بذلك أول بلد في جنوب شرق آسيا تطبق الشريعة الإسلامية. وتشمل القوانين الجديدة فرض عقوبة الرجم حتى الموت كعقاب للمثلية الجنسية أو الزنا وقطع يد السارق والسجن لمن يلجأ إلى الإجهاض. لكن البلقية لا يبدو في هيئة الزعيم الذي يلتزم بتعاليم الدين الإسلامي والتقاليد المحافظة رغم عزمه على تطبيقها في السلطنة التي يمثّل المسلمون فيها نسبة 80 بالمئة.

ونشرت الكاتبة الأميركية جيليان لاورين على حسابها الرسمي تويتر قائلة إنه “عار على هؤلاء المستبدين المنافقين الذين يطبقون هذه السياسات المقززة، في حين أنهم هم من ينتهكون بانتظام قوانينهم المجرمة للزنا”. وأضافت “لست فخورة بالقول لكني شهدت ذلك بأم عيني”.

وكانت لاورين انتقدت سلطان بروناي، في مقابلة بثت في 2014، متهمة إياه بالنفاق في تطبيق التعاليم الإسلامية، ففي حين يحظرها على الشعب يسمح لنفس بممارستها.

وأبدت حينها صدمتها من القرار حيث قالت “أنا شاهدة على حقيقة أن السلطان كان يشرب الخمر ويمارس الزنا ولم يكن يعيش حياة مستقيمة”، موضحة أنها كانت تعرفه عن كثب لأنها كانت عشيقة شقيقه لمدة عام ونصف العام.

وتابعت “تطبيق الشريعة في بروناي مؤشر لطريقة تصرّف الكثير من الأشخاص في السلطة، حيث يطبقون قانونا على أنفسهم وآخر على عامة الناس”.

بروناي

وموقف لاورين القديم المتجدد ليس الأمر الوحيد الذي يشير إلى ازدواجية المعايير التي يعتمدها سلطان بروناي والبعض من أفراد عائلته في ما يخص الالتزام بالقوانين الإسلامية، فمن وقت لآخر تشاع أخبار عن ممارسات شقيقه الأصغر الأمير جفري البلقية تنضوي تحت الخيانة الزوجية وإقامة علاقات خارج إطار الزواج والتي تسمى في حكم الشريعة الإسلامية “زنا” وتهمتها هي الرجم بالحجارة حتى الموت، وفق القانون الجديد للسلطنة المستلهم من التعاليم الدينية. كما يتهم الأمير جفري البلقية باتباع أسلوب حياة أساسه البذخ ويأتي ممارسات في تعارض صارخ مع الشريعة.

وكشفت لاورين في كتاب نشرته منذ سنوات عن حياتها داخل “حريم” الأمير جفري والممارسات التي كانت شاهدة عليها والتي تعدّ مرفوضة بالمنطق المحافظ.

ويعتبر مراقبون أن توجه سلطان بروناي نحو المزيد من التشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد غايته حشد دعم أنصاره المحافظين في حين تشهد البلاد أداء اقتصاديا متراجعا، إلى جانب محاولة تلميع مرجعيته الإسلامية وسط المحافظين.

لكن الغريب أن السلطان البلقية ليس بحاجة إلى اللجوء إلى إرضاء المحافظين فهو بعيد عن كل سياق يجعله في حاجة إلى دعمهم وكسب ولائهم، فهو ليس معنيا بالدخول في تنافسات انتخابية وليس مطالبا بالتعبئة من أجل الحصول على مناصب سياسية أو توسيع صلاحيات، إذ أنه يحوز في يده أغلب المسؤوليات والصلاحيات السياسية والدبلوماسية والتقريرية، ومن بينها تولّيه بنفسه لمنصب رئيس وزراء بروناي.

وسلطان بروناي معروف ببذخه الشديد، إذ لا يلبس إلا الثياب المطرّزة بالذهب ولا يأكل إلا باستخدام ملاعق ذهبية أيضا وفق البعض من التقارير الإعلامية. ويعيش السلطان البلقية في قصر فسيح ذي قبة ذهبية.

ويملك السلطان البلقية فنادق فخمة في بعض أهم مدن وعواصم العالم من بينها باريس ولندن وميلانو وروما ونيويورك ولوس أنجلس، وهي فنادق تديرها وكالة الاستثمار في بروناي التي تعود ملكيتها للسلطان. فيما يعدّ السلطان حسن البلقية واحدا من أغنى أغنياء العالم. وقد يبدو ذلك عاديا بالنسبة للبعض باعتبار أن بروناي بلد غني بالنفط.

لكن المفارقة هنا تبرز جلية حين مقارنة ثراء السلطان وأسلوب حياة عائلته الرغيد بالفقر والأوضاع السيئة التي يعيش فيها جزء من السكان، فثمانية بالمئة من شعب بروناي الذي يقدر تعداده بحوالي 430 ألف نسمة يقطنون منازل خشبية تقليدية مهددة بالسقوط نتيجة مياه الأنهار التي تغمر أساساتها وأعمدتها، ويعجز هؤلاء عن إصلاح منازلهم أو إيجاد بدائل سكن آمن ومريح.

ووصفت موقع “بيزنس اينسايدر” الأميركي بندر سيري بيغاوان عاصمة بروناي بأنها “مدينة التناقضات”، فهندستها المبهجة تشير إلى ثروة بروناي من خلال هيمنة المساجد والمباني الفخمة. وذكر الموقع أنه رغم كل مظاهر الترف في المدينة فإن “ما يقرب من نصف سكانها يعيشون في قرية عائمة” حيث تقع جميع المنازل والمدارس والمطاعم ومراكز الشرطة في وسط نهر بروناي.

واعتبر الموقع أن هذا التناقض الصارخ “أمر شديد الغرابة”، وهو بالتالي دليل على تناقض البلد شديد الثراء.

وتدل مظاهر الفقر التي تضرب البعض من منطق بروناي أنه لم يستفد من ثروة النفط سوى السلطان البلقية الذي يدير البلاد منذ العام 1967 عندما خلف والده، ومنذ ذلك الحين يطبق قبضته الحديدية على الشعب، إذ تغيب تقريبا الأصوات المنتقدة لحكمه داخل البلاد بسبب السياسة الاستبدادية التي يعتمدها.

وتم تطبيق الجزء الأول من القانون في العام 2014 وقد تضمن عقوبات أقلّ تشددا مثل فرض غرامات وعقوبات سجن لتهم مثل سوء السلوك أو عدم حضور صلاة الجمعة.

ويفرض القانون الجديد في بروناي عقوبة الموت لمرتكبي جرائم بينها الاغتصاب واللواط والسرقة وإهانة أو سبّ النبي محمد، فيما يعاقب المدانون بالإجهاض بالجلد وقطع الأيدي والأرجل للمدانين بالسرقة، وتجريم تعريض الأطفال المسلمين للممارسات والمعتقدات الدينية غير الإسلامية.

وكانت السلطنة قد حظرت في السابق الاحتفالات بأعياد رأس السنة ومنعت كل مظاهر الزينة والاحتفال في الشوارع، وجعلتها مقتصرة على الأماكن الدينية الخاصة بالمسيحيين.

سلطان بروناي يطبق الشريعة الإسلامية على شعبه
سلطان بروناي يطبق الشريعة الإسلامية على شعبه

وأثارت القوانين الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ في السلطنة وتفرض المزيد من التشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية، موجة استهجان وإدانة عالمية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على الحريات الفردية في البلاد. وانتقدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة هذه القوانين، فيما ندّد العديد من المشاهير بتشدد سلطان بروناي ودعوا إلى مقاطعة الفنادق التي يملكها، وكان أولهم نجم هوليوود جورج كلوني لينضم إلى القائمة في ما بعد المغني البريطاني الشهير إلتون جون، ومقدمة البرامج الأميركية المعروفة إيلان دجينيريس وعدد من المشاهير في الولايات المتحدة.

وأمام حملات المقاطعة للفنادق المملوكة للسلطان البلقية، قالت مصالح رئيس الوزراء في بروناي، وهو المنصب الذي يدخل من بين الصلاحيات التي يتمتع بها السلطان نفسه، إن السلطنة لن تطبق القوانين الجديدة على الجميع باعتبار أنها تعتمد نظاما قانونيا مزدوجا، أحدهما إسلامي يسري على المسلمين والآخر مدني يسري على بقية سكان البلاد.

وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إنّ بعض العقوبات الجديدة “ترقى إلى التعذيب والأفعال الوحشية والمعاملة غير الإنسانية والمهينة”.

كما أن حزمة القوانين تعد مخيفة بالنسبة للمثليين والمتحولين جنسيا ومزدوجي الميول الجنسية.

واللواط ممنوع قانونا في بروناي، وعقوبته السجن حتى 10 سنوات. وبموجب القوانين الجديدة، بات الرجم عقوبة اللواط، فيما باتت ممارسة الجنس بين النساء عقوبته الجلد 40 مرة أو السجن بحد أقصى 10 سنوات.

13