لماذا نجحت بونتلاند في دحر داعش وفشلت مقديشو

نجاح بونتلاند في تقليص نفوذ تنظيم داعش على أراضيها لا يبدو مجرد إنجاز محلي بل يكشف عن خلل هيكلي أعمق على المستوى الوطني.
الجمعة 2025/04/18
مفارقة الصومال: مركز مرتبك وإقليم حاسم

مقديشو - في منطقة نائية شمال شرق الصومال، تقف مدينة “شباب الجبلية” شاهدة على تحول لافت في ديناميات مكافحة الإرهاب في البلاد. فعلى أطرافها، كانت قوات دفاع بونتلاند، في الرابع والعشرين من فبراير 2025، تُزيل لافتة تحمل شعار “ولاية الدولة الإسلامية”، وتعلن استعادة السيطرة من قبضة فرع داعش المحلي.

ولم تكن العملية رمزية فقط، بل تمثل تتويجا لحملة إقليمية مستمرة، عُرفت باسم “هيلاك”، التي بدأت أواخر نوفمبر 2024، وتمكنت من استعادة مواقع إستراتيجية عدة من التنظيم الإرهابي.

ولا يبدو نجاح بونتلاند في تقليص نفوذ تنظيم داعش في أراضيها مجرد إنجاز محلي، بل يكشف عن خلل هيكلي أعمق على المستوى الوطني، إذ يعاني المركز الفيدرالي في مقديشو من فشل مزمن في مواجهة حركة الشباب – التنظيم التابع للقاعدة والذي يعدّ أقدم وأكثر رسوخا من داعش.

ومع ذلك لا تزال قوته قائمة بعد عقدين من الصراع. وفي هذا السياق، يتضح أن بونتلاند – الإقليم الذي أعلن حكمه الذاتي عام 1998 – لا تقاوم فقط من أجل بسط نفوذها، بل تعيد طرح سؤال جوهري حول فعالية الحكم المحلي مقارنة بالسلطة المركزية في التصدي للتهديدات الأمنية.

وولد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال من رحم حركة الشباب نفسها، حين انشق عنها عدد محدود من المقاتلين عام 2015 بقيادة عبدالقادر مؤمن، وهو داعية صومالي عاش سابقا في أوروبا.

إيدو ليفي: بونتلاند، خلافا للحكومة الفيدرالية، استطاعت بناء نموذج أمني متماسك
إيدو ليفي: بونتلاند، خلافا للحكومة الفيدرالية، استطاعت بناء نموذج أمني متماسك

وبدعم رمزي من قيادة داعش العالمية، أسس “ولاية” محلية، تمركزت في جبال بونتلاند. ورغم صغر حجمها مقارنة بالشباب، إلا أن “ولاية داعش في الصومال” أثبتت قدرة عالية على التنظيم والتوسع، واستفادت من الطبيعة الجغرافية الصعبة لجبال غالغالا، ومن انكفاء السلطة المركزية.

ومنذ أولى عملياته الكبرى في قندلة عام 2016، بدأ التنظيم في ترسيخ وجوده، وتحول لاحقا إلى مركز مالي وتشغيلي ضمن شبكة داعش الدولية، مستقطبا مقاتلين أجانب، ومساهما في تمويل فروع داعش في أفغانستان وجنوب أفريقيا.

ومع أن تقدير أعداده لا يزال بحدود الألف مقاتل، إلا أن دوره كمركز لوجستي وتنسيقي يتجاوز حجمه المحلي. ويقول الباحث إيدو ليفي في تقرير نشره موقع ذو كونفرسيشن إن بونتلاند، خلافا للحكومة الفيدرالية، استطاعت بناء نموذج أمني متماسك.

ورغم التحديات التي واجهتها، بما في ذلك التداخل العشائري والضغوط المالية، إلا أن حكومتها، بقيادة الرئيس سعيد عبدالله ديني، تمكنت من تعبئة مختلف القوى المحلية تحت مظلة “قوات دفاع بونتلاند”، بما فيها ميليشيات العشائر ووحدات الدراويش، والشرطة البحرية.

ويبدو أن هذه التوليفة غير التقليدية – خليط من القوات النظامية وشبه النظامية والعشائرية – أعطت بونتلاند مرونة ميدانية وشبكة معلومات محلية يصعب توفرها لقوات الحكومة الفيدرالية.

واللافت أن هذه القوات، رغم تواضع تسليحها، استفادت من دعم إماراتي وأميركي مستمر. وتحولت الشرطة البحرية، التي أُسست أصلا لمكافحة القرصنة، إلى وحدة نخبة في محاربة الجماعات الجهادية، وشاركت في تحرير قندلة عام 2016، وفي إحباط هجوم بحري نفذته حركة الشباب لاحقا. وفي العملية الأخيرة، تمكنت قوات بونتلاند من التقدم مسافة 315 كيلومترا داخل الجبال، مُحرزة اختراقات مهمة.

ووفقا لتقارير صحفية غربية، أسفرت المواجهات عن مقتل ما يزيد عن 150 مقاتلا من داعش، معظمهم أجانب من اليمن وإثيوبيا، ما يعكس الطبيعة العابرة للحدود لهذا الفرع. وفي المقابل، يبدو أن مقديشو – رغم الدعم الدولي المكثف – عاجزة عن بناء قوة أمنية فعّالة تقارع تنظيم الشباب.

وتتجلى أسباب هذا الإخفاق في عوامل عدة: أولا، الهيكلية الضعيفة للدولة المركزية، التي لا تزال تعاني من الانقسامات العشائرية والنفوذ المحدود خارج العاصمة. ثانيا، الاختراقات داخل الأجهزة الأمنية، حيث اتُهمت عناصر من الحكومة بالتواطؤ مع الشباب. وثالثا، عدم القدرة على حشد دعم شعبي في المناطق الريفية التي تُعدّ الحاضنة الأساسية للجماعة.

◙ خليط من القوات النظامية وشبه النظامية والعشائرية أعطى بونتلاند مرونة ميدانية وشبكة معلومات محلية يصعب توفرها

وبينما تتمتع بونتلاند بدرجة من التجانس القبلي سمحت لها بتوحيد الصفوف، فإن الحكومة الفيدرالية ظلت أسيرة الصراعات بين الأقاليم، مما أضعف قدرتها على وضع إستراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب. وتعيد النجاحات الميدانية التي حققتها بونتلاند ضد تنظيم الدولة الإسلامية تشكيل النقاش حول مستقبل الحكم في الصومال.

وفي بلد لم تعرف فيه الحكومة المركزية استقرارا منذ سقوط نظام سياد بري، تقدم بونتلاند نموذجا مختلفا، يعتمد على اللامركزية والمرونة والانخراط الشعبي المحلي. لكن مع النجاحات تأتي التحديات. أولها، قدرة بونتلاند على الحفاظ على وحدة قواتها في غياب التهديد المباشر. وثانيها، كيفية إدارة العلاقة المعقدة مع مقديشو دون أن تنزلق نحو الانفصال الفعلي. وثالثها، التوازن الحذر مع الحلفاء الأجانب دون الوقوع في فخّ التبعية أو الاستغلال الجيوسياسي.

وتشير التحولات الأخيرة إلى أن بونتلاند لا تقاتل فقط من أجل أرضها، بل تُعيد تعريف فكرة “الدولة” في الصومال. وفيما تكافح مقديشو لترسيخ سلطتها، تبدو بونتلاند، بعقيدتها الأمنية المحلية وديناميكيتها السياسية، وكأنها تُمهّد لنموذج جديد قد يُعيد رسم ملامح الصومال برمّته.

وتثبت تجربة بونتلاند أن النصر على الجماعات الجهادية لا يتحقق فقط بالقوة العسكرية، بل أيضا بالشرعية المحلية، وبتماسك القرار السياسي، وبنموذج حكم يشرك المجتمع بدل أن يستبعده. وهي بذلك تضع مرآة أمام مقديشو، وتطرح السؤال الأصعب: هل تكمن قوة الصومال في المركز، أم في الأطراف التي قررت أن تحكم نفسها؟

7