لماذا تستطيع إسرائيل استخدام الأسلحة الأميركية في غزة ولبنان، وأوكرانيا لا تستطيع استعمالها ضد روسيا

الحرب في أوكرانيا لها تداعيات عالمية في حين أن الحرب في غزة صراع إقليمي.
السبت 2024/09/28
نحو تشكل ديناميكيات جديدة

يفسر محللون السماح لإسرائيل باستخدام الأسلحة الأميركية في غزة ولبنان وعدم السماح بذلك لأوكرانيا على أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع بين دولة وجهات غير حكومية وتداعياته إقليمية، بينما الحرب في أوكرانيا بين دولة ودولة وتداعياتها ستكون عالمية.

واشنطن - مع تصاعد الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وأوروبا يبدو بديهيا التساؤل عن الأسلحة الغربية وخاصة الأميركية، ففي حين أنه مسموح باستغلالها من قبل إسرائيل في غزة ولبنان لا يسمح لأوكرانيا باستخدامها في ضرب العمق الروسي.

ويقول عيسى عادلي الباحث في السياسة الخارجية الأميركية والشرق الأوسط في تقرير نشره موقع مودرن دبلوماسي الأميركي إن أوكرانيا وإسرائيل مختلفتان في الكثير من النواحي، فرغم أن كليهما تقاتل من أجل الأرض، فإن الحرب الأوكرانية لها تداعيات عالمية إلا أن الحرب بين إسرائيل وحماس هي صراع إقليمي؛ والحرب الأوكرانية هي حرب كلاسيكية بين الدول في حين أن حروب إسرائيل مع حماس وحزب الله هي حروب غير نظامية بين دولة وجهات فاعلة غير حكومية.

ويضيف عادلي أن هذه الاختلافات تخلق حسابات إستراتيجية مختلفة في واشنطن: فالحرب الأوكرانية أكثر أهمية وأوكرانيا تحتاج إلى مساعدة أكبر من إسرائيل.

وفضلاً عن ذلك، يرى الناس في الولايات المتحدة الحربين بشكل مختلف، فاعتباراً من نوفمبر الماضي، بينما تعاطف 64 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة مع أوكرانيا أكثر من روسيا، فإن 40 في المئة فقط منهم لديهم تعاطف مع إسرائيل أكثر من فلسطين.

من المتوقع أن تكون أوكرانيا قد حصلت على الضوء الأخضر لاستهداف داخل روسيا بالأسلحة الأميركية، أكثر من إسرائيل التي تفعل ذلك في غزة

ومنذ ذلك الحين، من المرجح أن ينخفض الرقم لصالح إسرائيل مع تزايد عدد الضحايا الفلسطينيين. وعلى هذا فإن الجمهور الأميركي يفضل أيضاً دعم أوكرانيا على إسرائيل.

واستناداً إلى هذه الأرقام فضلاً عن هذه الحسابات الإستراتيجية فمن المتوقع أن تكون أوكرانيا قد حصلت على الضوء الأخضر لاستهداف داخل روسيا بالأسلحة الأميركية، أكثر من إسرائيل التي تفعل ذلك في غزة.

وهناك ثلاث إجابات محتملة لمثل هذا التناقض. أولاً، قد يكون فنياً: ربما يكون التقييم العام في واشنطن هو أن إسرائيل في حاجة إلى القضاء على حماس لمنع 7 أكتوبر آخر، وللقيام بذلك، تحتاج إلى دخول الأراضي الفلسطينية أو ضرب مقار حماس ومقاتليها داخل غزة. وعلى النقيض من ذلك، لا تحتاج أوكرانيا إلى الإطاحة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السلطة لمنع غزو روسي آخر لأراضيها. وبالتالي، من الناحية الفنية، تمكن قراءة دخول إسرائيل إلى غزة كعمل من أعمال الدفاع عن النفس من خلال هذه المجموعة من التحليلات.

وثانياً، قد يكون لها أسباب واقعية: غزو إسرائيل لغزة، وكذلك لبنان، لا يمكن أن يشعل حرباً عالمية ثالثة، في حين أن الأسلحة الأميركية التي تستهدف المدن الروسية يمكن أن تفعل ذلك.

ولإسرائيل أهداف يمكن تحقيقها، في حين لا تستطيع أوكرانيا استعادة كل أراضيها دون إشعال حرب عالمية.

ويمكن القول إن السبب وراء معاناة الفلسطينيين بشكل رهيب من الأسلحة الأميركية هو أنها أضعف من أن تشعل حرباً عالمية والسبب وراء قيام روسيا بكل ما في وسعها هو أنها قوة قادرة على إشعال حرب عالمية. وبحسب المثل الشهير “القوي يفعل ما بوسعه والضعيف يعاني ما يجب عليه أن يعاني” .

الحرب في أوكرانيا حرب بين الدول في حين أن حروب غزة ولبنان حروب غير نظامية بين دولة وجهات فاعلة غير حكومية

والإجابة الثالثة هي أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة وهذا يفسر لماذا تتبنى الولايات المتحدة معايير مزدوجة تجاه إسرائيل مقارنة بأوكرانيا.

ولذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة ربما لا تكون سعيدة برؤية إسرائيل تستخدم أسلحتها في غزة، لكنها لا تستطيع إلا أن تسمح لإسرائيل بالمضي قدماً في خطتها الحربية، أياً كانت.

ويؤيد تفسير وزارة الخارجية الأميركية هذه الإجابة: ففي أبريل، أوضحت الوزارة الفرق بين الدعم العسكري لأوكرانيا وإسرائيل من خلال التذكير بأن “علاقتنا مع إسرائيل تعود إلى عقود من الزمان من حيث الشراكة الأمنية” وأنها “مختلفة تماماً” مع أوكرانيا حيث أن العلاقة “تعود فقط إلى عامين من الصراع” .

وتثير هذه الإجابات الثلاث توقعات أو تنبؤات مختلفة. فإذا كانت الإجابة الأولى هي الإجابة الصحيحة، فيمكننا أن نتوقع أن تتوقف الولايات المتحدة تدريجيا عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل حققت أهدافها في غزة.

ومع ذلك، إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات في نوفمبر، فسوف يستمر في إرسال المزيد من الأسلحة لأنه يعتقد أنه ينبغي السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة.

وأما بالنسبة إلى أوكرانيا، فإن التوقعات غير محددة في الوقت الحاضر. ويعتقد غالبية الديمقراطيين الأميركيين أن أوكرانيا في حاجة إلى ذخيرة بعيدة المدى لإجبار روسيا على قبول السلام بشروط أوكرانية بما في ذلك إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا.

لإسرائيل أهداف يمكن تحقيقها، في حين لا تستطيع أوكرانيا استعادة كل أراضيها دون إشعال حرب عالمية

ومع ذلك، يزعم بعض الجمهوريين، بما في ذلك دونالد ترامب، أن أوكرانيا يجب أن تقدم تنازلات لروسيا لتجنب الحرب العالمية الثالثة وأن إرسال ذخيرة بعيدة المدى أمر محفوف بالمخاطر في هذه الحالة.

وإذا كانت الإجابة الثانية هي السبب الصحيح، فإن إسرائيل ستحصل على المزيد من الأسلحة بسبب بعض النتائج الناجحة لعمليتها البرية في التقييم الأميركي .

وبالنسبة إلى أوكرانيا، يمكننا أن نتوقع أنه مع الاختراق الأخير في كورسك داخل روسيا، ومع الضعف المستمر للاقتصاد الروسي واستنزافها المتزايد للقدرات العسكرية، ستكثف الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا وسيأتي الوقت الذي تعطي فيه واشنطن الضوء الأخضر لأوكرانيا لضرب عمق روسيا. ويظل هذا الاستنتاج صالحًا بالنسبة إلى إسرائيل بغض النظر عمّا إذا كان الجمهوريون أو الديمقراطيون يفوزون في الانتخابات، ولكن بالنسبة إلى أوكرانيا، فإن الجمهوريين سيظلون أكثر عرضة للخوف من الحرب العالمية الثالثة.

والإجابة الثالثة هي الإجابة الوحيدة التي تحافظ على الوضع الراهن حيث ستظل إسرائيل حليفًا خاصًا وأوكرانيا مجرد شريك إستراتيجي في أفضل الأحوال ولن يتغير هذا الواقع بنتائج الانتخابات الأميركية.

وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية أرسلت الولايات المتحدة أسلحة إلى المملكة المتحدة لاستهداف داخل ألمانيا ليس لأن المملكة المتحدة كانت أقوى من ألمانيا النازية أو لأن التقييم العام في واشنطن كان أن المملكة المتحدة كانت في حاجة بالضرورة إلى غزو داخل ألمانيا للدفاع عن نفسها. ويبدو أن العلاقة الخاصة لعبت دورًا أكثر أهمية.

وفي ظل الجدل الانتخابي الدائر في الولايات المتحدة، فإن الانتخابات نفسها قد تحدث فرقاً بالنسبة إلى إسرائيل إذا كانت الإجابة الأولى هي الإجابة الصحيحة.

وأما بالنسبة إلى أوكرانيا، فإن هذه الانتخابات أكثر خطورة لأنها قد تحدث فرقاً إذا كانت الإجابتان الأوليان هما السبب الحقيقي وراء دعم أوكرانيا.

ولن تكون الإجابة الثالثة مفيدة لأوكرانيا في كل منعطف. ولذا، فمن المرجح أن يكون لإسرائيل الحق في استخدام الأسلحة الأميركية داخل غزة ولبنان، ولكن القضية بالنسبة إلى أوكرانيا لا تزال غير واضحة بعد الانتخابات.

7