للفتاوى أثر ممتد يطارد المفكرين الليبراليين

متطرفون إسلاميون ودعاة متشددون وقادة جهاديون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لحضّ المسلمين على قتل من يتهمونهم بالقدح في الدين والتطاول على النبي.
الأربعاء 2022/08/17
الفتوى بالمرصاد لكل مفكر حر

واشنطن- لا تزول الفتاوى بالتقادم، بل يمتد أثرها التحريضي على مدى عقود مطاردا المفكرين الليبراليين، إلى حين قتلهم أو إلحاق الضرر بهم وحرمانهم من عيش حياة طبيعية.

وظلت الفتوى التي أصدرها مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني عام 1989 بإهدار دم سلمان رشدي بسبب روايته “آيات شيطانية” تطارد ليس رشدي فقط وإنما أيضا العديد من الروائيين والمفكرين الليبراليين الذين اعتُبرت كتاباتهم تطاولا على الإسلام وعلى النبي محمد.

ولم تكن محاولة اغتيال رشدي في نيويورك الجمعة الماضية حادثا عارضا؛ فالروائيون والأكاديميون والصحافيون، خاصة في الشرق الأوسط، الذين تجرأوا على انتقاد معتقدات إسلامية أو التشكيك فيها واجهوا تهديدات أو إدانات مماثلة من شخصيات دينية. منهم من تعرض للقتل ومنهم من تم اعتقاله ومنهم من تعرض للجلد ومنهم من اضطر إلى الاختباء أو البقاء في المنفى. وحُظرت كتبهم أو اعتُبرت تجديفية من قبل مؤسسات دينية تمولها حكومات يعتبرها الغرب حليفة له ومدافعة عن الإسلام الوسطي.

◙ منظومة القضاء في السعودية تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وقضاتها رجال دين من المذهب الوهابي السني شديد المحافظة

وفي السنوات الأخيرة استخدم متطرفون إسلاميون ودعاة متشددون وقادة جهاديون وسائل التواصل الاجتماعي لحضّ المسلمين في جميع أنحاء العالم على قتل من يتهمونهم بالقدح في الدين والتطاول على النبي.

الفتوى هي مرسوم أو قرار يتعلق بنقطة ما في الشريعة الإسلامية أو رأي صادر عن زعيم إسلامي كبير أو مرجع ديني أو مجلس علماء مؤهل. ويمكن للفتوى أن تتناول مجموعة من القضايا وتشمل الأفراد. وقد تصدر فتاوى تُجيز إهدار دم من يُنظر إليهم على أنهم يتطاولون على دين الإسلام أو نبيّه.

ولا تزول الفتاوى بمرور الزمن، ونادرا ما يتم التراجع عنها وإبطالها. فبعد 33 عاما من إعلان الخميني أن كتاب رشدي مسيء ورصد مكافأة في عام 1989 لمن يقتله، تعرض المؤلف للطعن عند ظهوره في فعالية بولاية نيويورك. ودفع هادي مطر، وهو أميركي شيعي من أصل لبناني يبلغ من العمر 24 عاما، ببراءته من تهم الشروع في القتل والاعتداء خلال مثوله أمام المحكمة السبت الماضي.

واعتبرت إيران أنه ليس من حق أحد توجيه الاتهامات إليها بشأن الهجوم الذي قالت إنه لا يتحمل مسؤوليته سوى رشدي ومن يدعمونه.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية أصدر بعض الدعاة والشخصيات الجهادية التي لها الملايين من الأتباع فتاوى تدعو إلى قتل مسلمين تم تكفيرهم، والحضّ على ذلك عبر مقاطع فيديو وخطب وتصريحات.

وينفذ هذه الفتاوى متشددون وخلايا نائمة وأتباع يريدون تلبية نداء مرجعيتهم وتنفيذ “واجب ديني” حسب اعتقادهم.

وفي 14 أكتوبر 1994 مثلا طعن أحد المتطرفين الكاتب المصري الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ عدة طعنات في رقبته، في محاولة لتنفيذ فتوى عمر عبدالرحمن الذي كان أحد رجال الدين السنة البارزين في الجماعة الإسلامية، والتي أصدرها أثناء محاكمته في سجن أميركي بتهمة الضلوع في مؤامرة تفجير في نيويورك، وقال إنه يجب قتل محفوظ معتبرا أن روايته “أولاد حارتنا” التي كتبها عام 1959 فيها تطاول على الإسلام.

وألقي القبض على منفذ محاولة قتل محفوظ، وأثناء استجوابه اعترف بأنه لم يقرأ كتبه قط، لكنه أقدم على محاولته تلك بناء على فتوى أصدرها شيخه المتشدد.

وهناك خط ضبابي يفصل بين الإسلام المتشدد والإسلام المحافظ الذي تديره الدول.

وفشلت حكومات عربية متحالفة مع الغرب في كبح جماح سلطاتها الدينية وتعاليمها، أو توفير الحماية لكتّاب ومفكرين وضعهم المتشددون على قائمة الموت.

على سبيل المثال حظر الأزهر الممول من الدولة، والذي يمثل أعلى سلطة إسلامية في مصر، كتاب محفوظ قبل وقت طويل من الهجوم عليه، بتهمة الإساءة للإسلام من خلال تصوير شخصيات ترمز إلى النبي محمد.

وفي 8 يونيو 1992 قُتل الكاتب الليبرالي المصري فرج فودة برصاص اثنين من أعضاء الجماعة الإسلامية بعد أن اتهمه الأزهر بأنه “عدو للإسلام” و”مرتد”.

ويشير بعض المثقفين العلمانيين إلى أن الإدانة العلنية من قبل علماء الأزهر ترقى إلى مستوى حكم الإعدام، ويقولون إن المتشددين يعتبرون مثل هذه الأحكام رخصة لقتل من هو محل اتهام.

◙ الفتوى هي مرسوم أو قرار يتعلق بنقطة ما في الشريعة الإسلامية أو رأي صادر عن زعيم إسلامي كبير أو مرجع ديني أو مجلس علماء مؤهل

وتستند منظومة القضاء في السعودية إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وقضاتها رجال دين من المذهب الوهابي السني شديد المحافظة. ووفق التفسير الوهابي للشريعة، توجب جرائم دينية مثل الكفر والردة عقوبة الإعدام.

وهناك عدد كبير من الفتاوى أصدرها رجال دين سعوديون وتطالب بمحاكمة وسجن أو إعدام كتاب ومدونين وأصحاب أعمدة صحافية وناشطين بتهمة كتابة مقالات “زندقة” وردّة.

وأثارت مثل هذه الفتاوى في المملكة ردود فعل حادة وتهديدات بالقتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. واضطر بعض الكتّاب إلى إزالة منشوراتهم وإصدار اعتذارات علنية والاستتابة، فيما تعرض آخرون للجلد والسجن.

7