للحقيقة نسخة واحدة في إسرائيل

القدس – تعكس المعركة التي خاضها عالم الرياضيات البروفيسور عوديد غولدريتش للحصول على جائزة كان قد فاز بها وتم رفض تسليمها إليه بسبب آرائه المناهضة للاستيطان بأن هناك نسخة واحدة للحقيقة في إسرائيل.
وفاز غولدريتش قبل عام بهذه الجائزة، لكنه لم يحصل عليها سوى الأسبوع الماضي بعد التغلب على هجوم علني متكرر شنّه القوميون الإسرائيليون عليه بسبب معارضته لاحتلال الضفة الغربية.
وسلطت الملحمة التي استمرت سنة الضوء على محاولات القوى القومية في إسرائيل فرض رؤيتها على الحياة الإسرائيلية السائدة وخنق الآراء المعارضة.
وتعتبر هذه الرؤية الضفة الغربية ومستوطناتها اليهودية جزءا من إسرائيل وتتجاهل الاحتلال.
وقد أصبحت هذه الرؤية مترسخة بشكل متزايد في إسرائيل، مما يعرّض فرص قيام دولة فلسطينية للخطر. وغالبا ما تُصوّر الجهات الفاعلة المناهضة للاحتلال على أنها من أعداء الدولة مما يسهّل استهدافها بالتشريعات التي تُقيد أنشطتها.
عوديد غولدريتش: لا أندم على شيء. سأستمر في عمل كل ما بوسعي للنضال من أجل إنهاء الاحتلال
وقال أفنير غفارياهو المدير المشارك لمجموعة “كسر الصمت” للمخبرين عن المخالفات للجنود الإسرائيليين “إنها مكارثية صُنعت في إسرائيل. يكمن مشروع عدد كبير من المنظمات والصحافيين والسياسيين خلال السنوات الأخيرة في خنق المعارضة”.
ورشّحت لجنة التحكيم غولدريتش، الذي يدرّس في معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، لجائزة إسرائيل العام الماضي في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر.
لكن الجماعات القومية دعت إلى استبعاده بعد وقت قصير من إعلان الترشيح، مدعية أنه يدعم المقاطعة ضد إسرائيل.
ووقع غولدريتش (البالغ من العمر 65 عاما) صحبة المئات من الأكاديميين الآخرين على عريضة العام الماضي تطالب الاتحاد الأوروبي بوقف تمويل جامعة أريئيل، الواقعة في الضفة الغربية، قائلين إنها تضفي الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية.
وفي شراكة بحثية مع الاتحاد الأوروبي بدأت العام الماضي، وافقت إسرائيل نفسها على عدم إدراج الجامعة إلى جانب مؤسسات أخرى في الضفة الغربية.
ودفعت الاحتجاجات وزيرة التعليم في ذلك الوقت إلى رفض الموافقة على الترشيح، قائلة إن غولدريتش ربما انتهك قانون مكافحة المقاطعة لسنة 2011.
وأثارت معركة قانونية استمرت سنة وانتهت الشهر الماضي عندما قررت المحكمة العليا أن على وزيرة التعليم الحالي التي رفضت تسليم الجائزة أن تمنحها.
وغردت وزيرة التعليم يفعات شاشا بيتون بعد الحكم أن “من يدعو إلى مقاطعة مؤسسة أكاديمية إسرائيلية لا يستحق جائزة رسمية من دولة إسرائيل مهما كانت إنجازاته”.
وتُمنح الجائزة كل سنة لقادة الفنون والعلوم ومجالات أخرى وتُمنح في احتفال فخم بعيد استقلال إسرائيل. وبعد غيابه عن حفل العام الماضي، قال غولدريتش إنه اختار استلام جائزته في حدث منخفض المستوى في وزارة التعليم في البلاد لأنه لا يحب المناسبات الرسمية. ورفضت بيتون حضور الحدث، على الرغم من أنها أصيبت بفايروس كورونا وكانت ستفوّته على أي حال.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في حرب 1967 وأنشأت مستوطنات يهودية هناك. وبينما سحبت المستوطنين والقوات من غزة في 2005، يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي في المناطق الأخرى، مما يعقّد عملية إقامة دولة فلسطينية.
ويعيش أكثر من 2.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، مما يقيّد حركتهم بسلسلة من نقاط التفتيش والمعابر ويسيطر على مختلف جوانب الحياة الفلسطينية.
وتدير السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية. وتخضع غزة التي تحكمها حركة حماس لحصار إسرائيلي.
وقال غفارياهو، من منظمة كسر جدار الصمت، إن شخصيات وسياسيين قوميين يعملون على تطبيع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وتعميقه بتصعيب تحديه على أفراد مثل غولدريتش.
وقال غولدريتش إن “لليمين، الذي يتحول إلى أصولية ومعادية لليبرالية أكثر مما كان عليه في الماضي، مصلحة في نزع الشرعية عن اليسار وتحويله إلى كبش فداء. وتعدّ الملحمة الحالية مجرد جزء من عملية اشتدت خلال العقد الماضي. لكن المدهش هو إنكار الحقائق بأن سكان الأراضي المحتلة يتعرضون للقمع”.
ويشارك معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، غولدريتش موقفه من الاحتلال، والذي يعارض المستوطنات. لكن الحكومات الإسرائيلية الأخيرة سعت بدفع من المستوطنين وأنصار القوميين إلى الضغط على معارضي الرأي الذي يرى الضفة الغربية جزءا من إسرائيل.
ووضعت تشريعات تمنع الجماعات المناهضة للاحتلال مثل “كسر الصمت” من إلقاء محاضرات في المدارس وتجبر أولئك الذين يتلقون تمويلا من الحكومات الأجنبية على الإبلاغ عن هذا الدخل. وتتلقى العديد من الجماعات اليمينية التمويل من مانحين من القطاع الخاص في الخارج مما يبقيها بمنأى عن التقارير.
البروفيسور غولدريتش فاز قبل عام بجائزة لم يحصل عليها سوى مؤخرا بعد هجوم للقوميون عليه لمعارضته الاحتلال
ووافقت الحكومة الإسرائيلية الحالية المؤلفة من ثمانية أحزاب متنوعة أيديولوجيا على تنحية قضية الدولة الفلسطينية جانبا على الرغم من أنها تواجه الآثار الجانبية للاحتلال مع موجة حالية من العنف الإسرائيلي – الفلسطيني المميت. ومع ذلك، تخضع الحكومة إلى حد كبير لسيطرة الأحزاب اليمينية التي تدعم المستوطنات بما في ذلك حزب يمينا برئاسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
واستهدفت مجموعات المناصرة القومية المؤثرة مثل “إم ترتزو” (إن أردتم) الفنانين الليبراليين والأساتذة والشخصيات الأخرى، بحجة أنهم لا ينبغي أن يتلقوا تمويلا أو اعترافا من الدولة.
وقال ألون شفارتزر، مدير السياسة في “إم ترتزو”، “سنستمر في فضح الأساتذة الذين يتلقون تمويلا من الدولة ويدعون إلى مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية”. وتدير مجموعته موقعا إلكترونيا به قاعدة بيانات قابلة للبحث عن الأساتذة الليبراليين ويقول إنها كشفت عن ميول غولدريتش السياسية لوزير التعليم السابق.
وقال إنه لا يعارض تعبير غولدريتش وآخرين عن آرائهم. لكنه قال إن إسرائيل لا تستطيع أن تدع مواطنيها يفلتون من مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية في وقت تواجه فيه حركة دولية يقودها فلسطينيون تدعو الفنانين والشركات الدولية والهيئات الأخرى إلى مقاطعة إسرائيل.
ويقول غولدريتش من جهته إنه لا يؤيد حركة المقاطعة ضد إسرائيل. وأعلن أنه سيتبرع بجائزته المالية، التي تصل إلى حوالي 23 ألف دولار، لعدد من الجماعات المناصرة، بما في ذلك بعض الجماعات التي تعارض الاحتلال، مثل جماعة “كسر الصمت”. وقالت شاشا بيتون إن هذه الخطوة دليل أكبر على أنه لا يستحق الجائزة.
وكتب غولدريتش في مقال نُشر الأسبوع الماضي في صحيفة هآرتس اليومية “لا أندم على شيء. سأستمر في عمل كل ما بوسعي للنضال من أجل إنهاء الاحتلال”.