للتنشئة الأسرية دور في تربية الأطفال على نبذ العنصرية اللونية

أخصائيو علم نفس الطفل يشيرون إلى أن تربية الكثير من الأطفال تعتمد منذ الصغر على ثقافة عنصرية دونية مستمدة من الكراهية والحقد.
الخميس 2020/06/11
التفرقة تأخذ أشكالا مختلفة

لا تتقبل المجتمعات الحديثة العنصرية التي يمارسها الكثيرون على أساس اللون على الرغم من الحوادث الكثيرة التي تؤكد تفشي هذه السلوكيات في الكثير من الدول التي تتشدق بالمساواة وحقوق الإنسان، إلا أن الحديث عن عنصرية الأطفال لا يتقبله الكثيرون رغم أن بحوثا حديثة بحثت في التصورات التي يحملها أطفال الحضانة البيض عن زملائهم السود، أثبتت أن التفرقة على أساس اللون قد تأخذ أشكالا غير متوقعة، وقد تظهر في سن مبكرة جدا.

لندن - أكدت سامية بن حامد وهي أم لثلاثة أطفال أنها لاحظت أن ابنها الذي لم يتجاوز عمر السادسة يتبنى سلوكيات عنصرية ضد الأطفال الذين يختلفون عنه في لون البشرة، وقالت إنها لاحظت هذا السلوك الغريب منذ كان ابنها في سن صغيرة إلا أنها في بادئ الأمر لم تول الأمر اهتماما، لكن تصرفاته المتوالية بتجنبه اللعب مع الأطفال ذوي البشرة السمراء وحتى لمسهم باتت تسبب لها الإحراج وتؤرقها.

وقالت إنها حاولت في الكثير من الأحيان على إثر هذه المواقف التحدث معه وأن توضح له أنه لا اختلاف بينه وبينهم سوى في لون البشرة وهذا لا يجعله ينفر منهم ويتجنب اللعب معهم، إلا أنه في كل مرة يبدي عدم رغبته في التقرب منهم، مما جعلها تبحث عن حلول لتخلص ابنها من تبني هذه السلوكيات العنصرية، التي لا تدري من أين اكتسبها على الرغم من تقبلها هي وزوجها للاختلاف وعدم الحديث أمامه عن نفورهما من الأشخاص ذوي البشرة المختلفة.

وأكد البعض أن العنصرية هي الاعتقاد بأن هناك فروقا وعناصر موروثة في طبائع الناس وتعد من صنع العقل البشري، وبذلك لا توجد عنصرية عند الأطفال لأنهم يولدون على الفطرة وتحدث هذه المفارقات من خلال مجتمعهم أو قبيلتهم أو عرقهم الذي يعزز جانب المفاخرة واحتقار الغير في تربيتهم، مشيرين إلى أن الأطفال ليست لديهم عنصرية لكن يكتسبونها من محيطهم وتربيتهم، وهي ممارسات خاطئة بحيث تتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من الناس بشكل مستبدّ ومختلف يسلب حقوقهم ويتحكّم بهم لمجرد أنّهم ينتمون إلى دين ما وعرق آخر أو لمجرد أن هذا أبيض والآخر أسود.

وقالت إحدى الناشطات على تويتر إنها مصدومة من عنصرية بعض الأطفال التي صادفتها في صغرها والتي كانت تستنكرها بشدة، وقالت “عندما كبرت كان أملي في أن يكون الوضع قد اختلف إلى أن سمعت صديقتي تشتكي من أن ابنتها في المدرسة تتعرض إلى مواقف عنصرية من قبل زميلاتها”.

وأفادت أخرى “أتذكر العنصرية ضد الطالبات السمراوات في مرحلة الابتدائي، لأنني كنت جزءا من حلقة متنمرة، لا تتخيلون البشاعة التي كانوا يتعرضون لها وهم في أول وثاني ابتدائي، أتمنى أن تكون عقلية أطفال هذه الأيام أنظف”.

وبينت إحدى الأمهات أن ابنها الذي لم يتجاوز السبع سنوات قال لها إنه لا يحب الشمس لأنه لا يريد أن تصبح بشرته سمراء أكثر لكي لا يصبح مثل بلال الذي يدرس معه والذي يتعرض دائما إلى التنمر والإيذاء بسبب لون بشرته السمراء، وأضافت أنه روى لها حوادث موجعة جعلتها تفكر عميقا وتتساءل كيف بإمكان أطفال صغار في مثل هذه السن أن يكونوا عنصريين بهذا الشكل، مشيرة إلى أن ابنها وعلى الرغم من أن بشرته سمراء فاتحة إلا أنه متضايق من لونه.

آباء وأمهات من أصحاب البشرة السوداء يخشون على حياة أطفالهم عند ممارسة الركض، أو القيادة، أو حتى النوم في منازلهم

وأضافت “فقط أريد أن أعرف كيف يمكن أن تتشوه فطرة الأطفال وهم في عمر صغير؟ ومن أين يكتسبون هذه الأفكار العنصرية؟ وهل هذا سببه الأهل أم التربية أم الإعلام؟”.

وأشار أخصائيو علم نفس الطفل إلى أن تربية الكثير من الأطفال البيض تعتمد منذ الصغر على ثقافة عنصرية دونية مستمدة من الكراهية والحقد، مشيرين إلى أن الإنسان بطبعه يميل إلى اضطهاد أي شخص مختلف عنه، وأثبتت بعض الدراسات أن الأطفال أيضا عنصريون، إلا أن ذلك لا يعد مبررا على الإطلاق لاضطهاد أي شخص.

وأضافوا أن التفرقة على أساس اللون موجودة في جميع أنحاء العالم، وهي شكل من أشكال العنف المعنوي وهي أسوء من العنف الجسدي، لأنها تؤثر على تكوين شخصية الطفل ونظرته إلى ذاته.

وقال البعض إن العنصرية فطرة واللا عنصرية مكتسبة، وقالت إحدى الأمهات التي عجزت عن تفسير عنصرية الأطفال تجاه بعضهم البعض بخصوص لون البشرة “إن أولياء الأمور لا دخل لهم في عنصرية الأبناء، ففي الكثير من المواقف عندما يرى الطفل شخصا مختلفا عنه في لون البشرة سواء كان طفلا مثله أو بالغا، ينفر منه إلى درجة أن أهله يحسون بالإحراج من ردة فعله”.

وأكد خبراء أن آباء وأمهات من أصحاب البشرة السوداء يخشون على حياة أطفالهم عند القيام بأمور مثل ممارسة الركض، أو القيادة، أو حتى النوم في منازلهم، بينما يخشى الآباء من أصحاب البشرة البيضاء من أن يصبح أطفالهم عنصريين، وفق تقرير حديث لشبكة “سي.أن.أن” الأميركية.

وأشاروا إلى أنه يمكن للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ3 السنوات التمييز بين الوجوه بحسب اللون، ويفهم الأطفال من عمر الـ3 أعوام الفئات العرقية، إضافة إلى التسلسلات التي تأتي معها، وتكمن الحيلة في قبول أن هذا التصنيف طبيعي، ومنعه من أن يتحول إلى عنصرية.

وكانت دراسة أنجزتها ماي لينغ هاليم، أستاذة مساعدة في علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا في “لونغ بيتش”، وسارة جايثر، أستاذة مساعدة في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة “ديوك” بالتعاون مع مختصين من جامعات أخرى، تناولت التحيزات العنصرية والجنسانية لدى أطفال في مجموعات عرقية مختلفة عبر 5 مناطق جغرافية، بهدف تعلم كيفية تأثير الثقافة على التحيز.

التفرقة على أساس اللون موجودة في جميع أنحاء العالم، وهي شكل من أشكال العنف المعنوي وهي أسوء من العنف الجسدي

وأوضحت جايثر أن “التحيز ضمن المجموعات يعني تفضيل أحد الأفراد للأشخاص الذين يشبهونه، أو الأشخاص المماثلين له بطرق أخرى. ويظهر هذا التحيز عبر مواقفنا، ومدى الإيجابية التي نشعر بها تجاههم، وتخصيص الموارد، أو السمات والقوالب النمطية التي يتعلمها الأطفال”، ويعكس ذلك جزئيا التطور المعرفي لدى الأطفال، حيث أوضحت هاليم أننا بحاجة إلى تصنيف الأشخاص والأشياء، لأن ذلك أسهل للدماغ بدلا من النظر إلى كل شخص كفرد.

وترى جايثر أن الأطفال لا يولدون مع سمة العنصرية، وبدلا من ذلك، “يولد الأطفال في عالم تتواجد فيه العنصرية النظامية، وفي ثقافة تحتضن سلوكيات وأيديولوجيات عنصرية، و”تتسرب تلك الأيديولوجيات إلى كل شيء”، مشيرة إلى أنه يمكن للأطفال تعلم السلوك العنصري من الأهل، والمدارس، ووسائل الإعلام، وثقافة المجتمع.

وأضافت “تتحول العنصرية المؤسسية إلى تحيزنا الشخصي، وذلك لكونها متجذرة وتلقائية جدا، ولكونها مقبولة جدا دون وجود عدد كاف من الأشخاص الذين يرغبون في إحداث تغيير حقيقي وطويل الأمد. ونبه الخبراء إلى أن “الحديث عن العرق يعتبر أول خطوة لمنع الأطفال من التحول إلى أفراد عنصريين”.

ولمنع الأطفال من أن يصبحوا عنصريين أكدت جايثر أن ذلك يتم في بادئ الأمر بالحديث عن العرق، حيث يجب على الأهالي أن يتمتعوا بالخبرة، ويتدربوا للتحدث مع أطفالهم عن الأعراق المختلفة. وينبغي ألّا نؤيد أيديولوجيا عمى الألوان بأي شكل من الأشخاص. يجب أن نعترف بالعرق والخلفيات العرقية المختلفة. ولا يكفي أن نعطيهم فقط تصنيفات كـ”هذا أسود أو آسيوي أو لاتيني”، بل يجب أن نقوم بتوعيتهم حول تلك المجموعات بطرق إيجابية، ونعيد صياغة السلبيات، ونعترف بأن اختلافنا هو شيء جميل.

وأضافت “يلعب الآباء والمعلمون دورا حيويا في مساعدة الأطفال من جميع الأعمار على التعرف إلى الجذور التاريخية للأزمات المختلفة. إن تعلم كيفية التحدث عن أشياء مثل وحشية الشرطة وامتياز البيض يتطلب الكثير من الممارسة والصبر والمهارة، بغض النظر عمن نحن، هذا هو المفتاح لتفكيك العنصرية”. وتابعت “نحن بحاجة إلى أن نستمع إلى بعضنا البعض، ونتعلم من بعضنا البعض، ومع مرور الوقت ستصبح المحادثات سهلة، وسيكون تأثيرها أكبر على المجتمع”.

وأكدت أنه لا يكفي ذلك فحسب، بل يجب علينا أيضا تفكيك تلك الروابط السلبية والتلقائية التي نفكر فيها عندما يأتي الأمر للمجموعات العرقية التي تختلف عن المجموعة التي ننتمي إليها.

وشددت على ضرورة أن يكون للأهل أصدقاء من أعراق مختلفة، وأشارت إلى بحث عن الأطفال يظهر أن التركيب العرقي لشبكة الأصدقاء الخاصة بالوالدين مؤشر على السلوكيات العرقية التي سينتهي الطفل معها في المستقبل، منبهة إلى أهمية انتباه الأهل لسلوكياتهم غير اللفظية، واللغة الجسدية التي يظهرونها في سياقات مختلفة دون إدراك ذلك في الغالب.

21