لقطة فوتوغرافية ساهمت في صنع أسطورة غيفارا

صورة أيقونية لتشي غيفارا تجوب شهرتها آفاق العالم.
السبت 2025/03/15
ملهم الثورات

مكسيكو سيتي - قد لا يعلم الكثيرون أن الصورة الأيقونية لتشي غيفارا التي جابت شهرتها آفاق العالم، هي نسخة من لقطة سريعة عابرة التقطها بمحض الصدفة مصور كان يحضر مراسم تشييع جنازة منذ 65 عاما.

وهذه الصورة لغيفارا زعيم حرب العصابات، صارت تزين جدران منازل عدد لا يحصى من المعجبين به، وتطبع على الشيرتات التي يرتديها بزهو أعداد من الشباب في جميع أنحاء العالم، أو تلصق مغناطيسيا على المبردات في البيوت، ما يجعلها على حد قول البعض إحدى أكثر الصور توزيعا واستنساخا على الإطلاق.

وهذه اللقطة الفوتوغرافية التي صورت “البطل زعيم حرب العصابات”، كانت نتاج تصرف سريع من المصور الكوبي ألبرتو كوردا، أثناء تواجده في هافانا في مارس من عام 1960.

وكان البطل والمصور من بين جموع حاشدة حضرت مراسم تشييع جنازة العشرات من الأشخاص الذين قتلوا، عندما حدث انفجار في سفينة الشحن الفرنسية “لو كوبر”، عند تفريغ شحنة ذخائر وقنابل يدوية في ميناء العاصمة الكوبية.

ومن بين الشخصيات الشهيرة التي حضرت المراسم الزعيم الكوبي الثوري فيدال كاسترو، إلى جانب مجموعة من الضيوف مثل المفكرين الفرنسيين جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار.

وكان المصور كوردا حاضرا لتصوير الفاعلية كمندوب عن صحيفة “ريفولسيون”(الثورة) الكوبية.

اللقطة الفوتوغرافية كانت نتاج تصرف سريع من المصور ألبرتو كوردا، أثناء تواجده في هافانا في مارس من عام 1960

وأثناء المراسم ظل إرنستو تشي غيفارا المقاتل في حركة المقاومة اليسارية، واقفا على خشبة مسرح في الخلفية، ولكنه تقدم بشكل سريع وللحظات إلى الأمام، ليلقي نظرة على الجموع التي احتشدت لتشييع الجنازة.

وبعد ذلك قال كوردا “فوجئت بهذه الحركة، وكانت نظرته ثاقبة إلى درجة أنها أخافتني.” وألهمته موهبته في التصوير أن ينتهز الفرصة ليسجل هذه اللحظة في لقطتين اثنتين فقط.

وكانت اللقطة الأولى تركز على وجه جيفارا، والأخرى تصوره بشكل أوسع مع جانب من منظر طبيعي مجاور، قبل أن يختفي هذا المقاتل عن الأنظار ويعود إلى مكانه في الخلفية.

ورأى كوردا أن الصورة مع المنظر الطبيعي أفضل. ولذلك قام كوردا، الذي كان يعمل في السابق مصور إعلانات وأزياء، بتعديل وتنقيح هذه الصورة وإزالة غصن لنخلة، ورأس شخص ظهر على يسار الصورة وآخر ظهر على يمينها.

وبعد هذه التعديلات ظهر وجه غيفارا وحده في صورة التقطت من أسفل، وهو يحدق في المسافة التي أمامه، مرتديا قبعة سوداء تزينها نجمة خماسية، بينما يصل شعره المتموج إلى كتفيه تقريبا.

ولا تزال إعادة إنتاج هذه الصورة على نطاق واسع مستمرة إلى اليومِ، ويمكن رؤيتها في أماكن ومناسبات عديدة، وعلى سبيل المثال تم نشرها لتزين خشبة المسرح الذي شدَت عليه المغنية الشهيرة مادونا في جولتها العالمية الأخيرة، وزينت المايوه البكيني لعارضة الأزياء السوبر جيزيل بونشن، كما أن كلا من الملاكم الشهير مايك تايسون، ونجم كرة القدم الأرجنتيني السابق دييغو أرماندو مارادونا اتخذا هذه الصورة كوشم.

وأسهمت الصورة بدرجة كبيرة في صنع أسطورة تشي غيفارا باعتباره مقاتلا ينتهج المثالية، رغم أن منتقديه يرون أنه قاتل عديم الرحمة.

وبالرغم من أن غيفارا أرجنتيني الأصل فإنه قاتل مع رفاق كاسترو في الثورة الكوبية، وبعد ذلك تولى مناصب حكومية بعد انتصار الثوار.

وتقول ماريانا هورتا من مركز الصور بوزارة الثقافة المكسيكية، الذي يحتفظ بنسخة من الصورة تحمل توقيع المصور كوردا، “أصبحت الصورة تعبيرا عن فكرة، ولم تعد تمثل شخصا، وإنما هي تمثل رمزا.”

وتضيف أنها تتضمن معاني المقاومة والتحول والمثاليات، وتنامت رسالة الصورة لتتخذ أبعادا تتجاوز المناسبة التي التقطت فيها.

ومع ذلك لم تشتهر الصورة عالميا بين عشية وضحاها. وظلت معلقة على جدار أستوديو التصوير التابع لكوردا لسنوات.

وذات يوم من عام 1967 زار الناشر والناشط الإيطالي الشيوعي جيانجياكومو فلترينللي أستوديو كوردا وطلب منه صورة لغيفارا.

وأعطاه كوردا صورتين مجانا. وبعد ذلك ظهرت الصورة في أوروبا، ونشرتها مجلة “باري ماتش” الفرنسية.

صور غيفارا زعيم حرب العصابات تزين جدران المنازل
صور غيفارا زعيم حرب العصابات تزين جدران المنازل

وبعد شهرين أطلق الجنود في بوليفيا النار على غيفارا، أثناء مشاركته الثوار القتال، فأردوه قتيلا وكان عمره 39 عاما، وكان موته إيذانا ببداية شهرة الصورة.

وقام فلترينللي بطباعة مئات آلاف النسخ من الصورة على هيئة ملصقات، وانتشرت الصورة في كل مكان أثناء ثورة الطلاب عام 1968، وتحول زعيم حرب العصابات إلى أيقونة بالنسبة إلى اليسار، ومن ناحية أخرى أصبحت الصورة تعبر عن نجاح جموح الرأسمالية.

وتقول ديانا دياز ابنة كوردا في الفيلم الوثائقي “تشيفولوشن”، وهي كلمة تجمع بين الاسم الأول لغيفارا وكلمة الثورة، “عندما يموت تشي واحد يولد تشي آخرون،” وأخرج الفيلم عام 2008 كل من لويس لوبيز وتريشا زيف.

ولأن كوردا كان مؤيدا بقوة للثورة الكوبية، فلم يهتم كثيرا بحقوق الملكية الفكرية للصورة. ولكن في أواخر التسعينات من القرن الماضي فقط، أقام المصور وأفراد أسرته دعوى قضائية ضد الشركات الكبرى، مثل سميرنوف المنتجة للفودكا وسواتش لصناعة الساعات، لاستخدامها الصورة بشكل تجاري وحكمت المحكمة لصالحهم.

وتوفى كوردا عقب إصابته بأزمة قلبية أثناء حضوره معرضا في باريس عام 2001 عن عمر 72 عاما.

وأوضحت ابنته في الفيلم أن “الصورة لم تجعله من الأغنياء”، ولكنها في المقام الأول غيرت حياته بشكل عاطفي.

وأضافت أنه كان فخورا بالصورة، وتابعت “قال لي: تخيلي كم أصبحت مشهورا بسبب هذه الصورة، رغم أنني لم أفعل شيئا من أجل الحصول عليها.”

16