لقاح الإنفلونزا الموسمية يساعد على محاربة السرطان

لقاحات الإنفلونزا الموسمية تعمل عبر إيصال كميات غير ضارة من بروتينات الفيروسات المستهدفة إلى مجرى الدم، ما يسمح للجسم ببناء استجابات مناعية توفر الحماية.
الخميس 2020/01/09
لقاحات الإنفلونزا تغير الخلايا "الباردة" إلى "حارة" ومقاومة

يشدد كثيرون من الأطباء على أهمية التطعيم ضد الإنفلونزا سنويا، لأن هذا النوع من الفيروسات يملك القدرة على التغير في كل مرة، مما يزيد من شراسته بشكل مقلق. وللنجاح في مقاومته ومواكبة تغيراته، يطور العلماء لقاحات جديدة تعزز جاهزية المناعة للتصدي له. ويرى الباحثون أن تقوية الخلايا المناعية تساعد بدورها على مكافحة الأورام.

واشنطن- أظهرت دراسة أميركية حديثة أن لقاح الإنفلونزا الموسمية التقليدي، يمكن أن يساعد على محاربة مرض السرطان. الدراسة أجراها باحثون بالمركز الطبي لجامعة راش الأميركية، ونشروا نتائجها في العدد الأخير من دورية (بروسيدينغ أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز) العلمية.

وأوضح الباحثون أن تغيير البيئة المكروبية للأورام لزيادة استجابة الجهاز المناعي لها، هو الهدف من الأبحاث والدراسات السريرية التي يجريها العلماء مرارًا لزيادة فاعلية العلاجات المناعية للسرطان. وأضافوا أن معظم مرضى السرطان يعانون من أورام “باردة”، أي أن الأورام لا تحتوي على العديد من الخلايا المناعية، أو لديهم خلايا تكبُت قدرة الجهاز المناعي على محاربة الأورام السرطانية.

ويمكن أن تؤدي زيادة الخلايا المناعية داخل الورم إلى تغييره من “بارد” إلى “حار”، وتجعل الجهاز المناعي أكثر قابلية للتعرّف على الورم، حيث تظهر الأورام الحارة معدلات أعلى من الاستجابة للعلاج، وتحسن معدلات بقاء المرضى على قيد الحياة.

واكتشف العلماء في دراستهم الجديدة، أن حقن الأورام بلقاحات الإنفلونزا، بما في ذلك بعض اللقاحات الموسمية التي وافقت عليها هيئة الغذاء والدواء الأميركية، يحوّل الأورام الباردة إلى حارة، وهو اكتشاف يمكن أن يؤدي إلى علاج مناعي لعلاج السرطان.

ووجد الباحثون أن الحقن المباشر للقاح الإنفلونزا في سرطان الجلد لدى الفئران أدى إلى نمو الأورام بشكل أبطأ، كما أدى لتقلص الأورام. وحسب الدراسة، فقد حوّل اللقاح الورم من بارد إلى ساخن عن طريق زيادة نسبة نوع من الخلايا المنشطة المناعية تسمى الخلايا الجذعية في الورم، ما أدى إلى زيادة في نوع من الخلايا المعروفة باسم خلايا “سي.دي 8+ تي” والتي تتعرف على الخلايا السرطانية وتقتلها.

وبالاعتماد على قاعدة بيانات المعهد الوطني للسرطان بالولايات المتحدة، وجد الفريق أن الأشخاص الذين أصيبوا بسرطان الرئة ودخلوا المستشفى بسبب عدوى في الرئة من الإنفلونزا، في نفس الوقت، كانوا يعيشون أطول من أولئك الذين أصيبوا بسرطان الرئة دون أن يصابوا بإنفلونزا.

وقال الدكتور أندرو زلوزا، قائد فريق البحث، “أردنا أن نفهم كيف يمكن أن تؤدي استجاباتنا المناعية القوية ضد مسببات الأمراض مثل الإنفلونزا ومكوناتها إلى تحسين استجابتنا المناعية الأضعف بكثير ضد بعض الأورام”.

وأضاف “نجاحاتنا في نتائج لقاح الإنفلونزا جعلتنا نتساءل عما إذا كان يمكن إعادة استخدام لقاحات الإنفلونزا الموسمية كعلاج لمرض السرطان، نظرًا لاستخدامها لدى الملايين من الأشخاص وقد ثبت أنها آمنة بالفعل، فقد اعتقدنا أن استخدام هذا اللقاح لعلاج السرطان يمكن تطبيقه على مرضى السرطان بسرعة”.

وبشكل عام، تعمل لقاحات الإنفلونزا الموسمية عبر إيصال كميات غير ضارة من بروتينات الفيروسات المستهدفة إلى مجرى الدم، ما يسمح للجسم ببناء استجابات مناعية توفر الحماية في حالة التعرض اللاحق لذلك الفيروس.

المزاج الإيجابي يؤدي لاستجابات أكبر للأجسام المضادة
المزاج الإيجابي يؤدي لاستجابات أكبر للأجسام المضادة

يجدر الذكر أن فيروسات الإنفلونزا لديها القدرة على تفادي الجهاز المناعي بالجسم، من خلال مرورها المستمر باختلافات جينية مستمرة، وقد تتغير من فصل إلى آخر. ويفسر ذلك تعرض الأفراد لسلالات جديدة على الرغم من الإصابة السابقة بفيروسات إنفلونزا أخرى، فقد يكون لدى الأشخاص وقاية محدودة ضد الفيروسات الجديدة السائدة. وهذا هو سبب الحاجة إلى تغيرات في سلالات لقاح الإنفلونزا من عام لآخر والسبب وراء توصية السلطات الطبية بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويا. اللقاح يحتوي على ثلاثة أنواع فقط من الفيروسات المسببة، لأنه يوجد العديد من سلالات الفيروسات المسببة للإنفلونزا. لذلك، اللقاح يكون مضادا لثلاثة أنواع من هذه الفيروسات والتي تعتبر أشهر المسببات المنتشرة حاليا.

وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، فإن مرض السرطان يعد أحد أكثر مسببات الوفاة حول العالم بنحو 13 بالمئة من مجموع وفيات سكان العالم سنويًا.وتتسبب سرطانات الرئة والمعدة والكبد والقولون والثدي وعنق الرحم في معظم الوفيات التي تحدث كل عام، وفق المنظمة.

وكان موقع (أن.سي.بي.آي) الأميركي قد نشر دراسة بريطانية وجدت صلة بين نوع المزاج عند تلقي تطعيم الإنفلونزا وتأثير اللقاح. قام باحثون من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة بتقييم مدى تأثير مجموعة من العوامل السلوكية والنفسية المعروفة على الاستجابة المناعية عند الحصول على جرعة لقاح الإنفلونزا.

وتوصلوا إلى أن “سلوكيات المرضى والرفاه النفسي عوامل يمكن أن تؤثر على الاستجابات المناعية للقاح”. وقد يكون النوم والإجهاد والنشاط البدني والمزاج وحتى التغذية بمثابة هذه “المؤثرات المناعية”، الأمر الذي دفع الباحثين للنظر في ما إذا كان يمكن استهدافها لتحسين فعالية اللقاح. وأوضحوا “لا نعرف سوى القليل عن الأهمية النسبية لهذه العوامل، ولم يتمّ إجراء بحوث متكاملة عنها حتّى الآن”.

من المعروف أنّ كبار السن يتأثرون بشكل خاص بالإنفلونزا، ويمتلكون معدلات تطوير مناعة منخفضة بعد التطعيم. لذلك، درس الفريق حالات 138 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 65 و85 عاماً من الذين حصلوا على لقاح الإنفلونزا في عامي 2014 و2015 وأيضاً في عام 2016.

بدأ جمع البيانات قبل أسبوعين من تطعيم الإنفلونزا، مع إجراء فحص دم قبل التطعيم للتحقق من مستويات الأجسام المضادة مع الاحتفاظ ببيانات يومية مفصلة عن الطعام والشراب والنشاط البدني والتأثيرات الإيجابية والسلبية والإجهاد والنوم لكل مشارك.

أكمل المشاركون في اليوم المخصص لتناول التطعيم استبياناً لفحص المزاج. واستمروا، خلال الأسابيع الأربعة التالية بعد اللقاح في تسجيل مذكراتهم، وقدموا عينة دم أخرى في الأسبوع الرابع، واختتموا البحث بتقديم عينة دم أخرى في الأسبوع الـ16.

قام الباحثون بتجميع المعلومات واكتشفوا أن واحداً فقط من كل العوامل التي تمّ بحثها كان سبباً لمستويات أعلى من الأجسام المضادة للإنفلونزا في عينات الدم.

باحثون يؤكدون أن معظم مرضى السرطان يعاني من أورام «باردة»، أي أنها لا تحتوي على العديد من الخلايا المناعية

يقول الباحثون في الدراسة “وجدنا أن المزاج الإيجابي سواء تم قياسه بشكل متكرر خلال فترة 6 أسابيع من التطعيم أو في يوم التطعيم أدّى لاستجابات أكبر للأجسام المضادة”.

وأشاروا إلى أن المزاج الإيجابي يمكن أن يكون بمثابة “المؤثر المناعي” للقاحات.

يبدو أن التأثير كان قوياً بشكل خاص في يوم التطعيم نفسه، مما أثار مسألة مثيرة للاهتمام بخصوص ما إن كان الحصول على اللقاح في يوم يشعر فيه المريض بمزاج إيجابي قد يُعزز حقاً فرصته في تطوير استجابة وقائية أقوى.

ويفترض الفريق، بناءً على ذلك، أنه يمكن أن تكون هناك صلة ما بين المزاج الإيجابي وأنماط الحياة الصحية والمسار البيولوجي الذي يربط ما بين الجهاز المناعي وآليات المخ التي تنظم حالتنا المزاجية.

تعطي هذه النتائج نظرة أعمق في ما يتعلّق بالتطعيم، لكننا نأخذ في الاعتبار حجم عينة الدراسة الصغيرة نسبياً وحقيقة أن هذه الدراسة هي “دراسة رصدية مستقبلية، لذلك فمن الصعب إنشاء علاقة سببية مؤكدة بناءً عليها”.

ويشدّد الفريق أيضاً على أن تأثير المزاج كان كبيراً فقط على إحدى سلالات الإنفلونزا في لقاح ذلك العام وهي “ايتش1 أن1”، وكان لدى المشاركين أقلّ مستويات للأجسام المضادة قبل التطعيم.

17