لقاء البرهان وحميدتي يجمد مؤقتا خلافات العسكريين

أحدث اللقاء الذي جمع قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو انفراجة مؤقتة في الخلافات بين الرجلين، لكن تجاهل الأسباب الحقيقة للخلاف ينذر بتجدده.
الخرطوم - قفزت مخرجات الاجتماع المعلن بين قائدي الجيش وقوات الدعم السريع عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) على الأسباب الرئيسية للخلافات التي تصاعدت مؤخرا، وتجاهلا التطرق إلى تفاصيل رؤية كليهما حول إعادة هيكلة القوات السودانية التي أدت إلى حدوث تباين بينهما، واكتفيا بتشكيل لجنة أمنية مشتركة بمشاركة الحركات المسلحة، ما يشير إلى أن ملف الهيكلة يحتاج إلى مزيد من الوقت.
وعقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان ونائبه اجتماعاً في الخرطوم السبت، وقررا تكوين لجنة مشتركة لمتابعة الأوضاع الأمنية في البلاد. ويشير تأكيد مجلس السيادة في بيانه الصادر عقب اللقاء على المضي في الترتيبات المتفق عليها إلى أن ملف إعادة الهيكلة سيتم تحريكه قريبا، لكن الأزمة تكمن في تعدد الرؤى بشأن طريقة التنفيذ في ظل خلافات حول وضعية قادة الدعم السريع داخل الجيش.
ويصطدم ملف الهيكلة بمطبات عديدة، أبرزها رؤية الجيش لدمج قوات الدعم السريع على مراحل خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقوانين القوات الأمنية والعسكرية المقترح تعديلها والتي لا تحظى بتوافق كامل بين الطرفين. كما يتمسك قادة الجيش بضرورة دمج القيادة العليا لقوات الدعم السريع داخل الجيش، وهو أمر مثار جدل حول وضعية حميدتي نفسه داخل الجيش.
وتطرق البرهان إلى عملية دمج قوات الدعم السريع في خطابه أمام حشد جماهيري بولاية النيل الأزرق (شمال الخرطوم) الشهر الماضي، قائلا “إن قيادة القوات المسلحة دعمت الاتفاق الإطاري عن قناعة لأنه يعالج مشكلات السودان”، لكنه اشترط للمضي قدماً في هذا الاتفاق دمج قوات الدعم السريع في الجيش وهي “الفيصل بيننا وبين الحل الجاري، وأي كلام غير هذا غير مقبول، ولن يذهب أحد في الاتفاق للأمام من دونه”.
ويواجه قائد الجيش السوداني ضغوطاً داخل المؤسسة العسكرية لإقدامه على التوقيع على الاتفاق الإطاري مع قوى مدنية دون وضع مصفوفة زمنية واضحة لدمج قوات الدعم السريع قبل نهاية المرحلة الانتقالية ووقف تسلحيها.
ودفعت هذه القضية البرهان مرات عديدة للتهديد بالانسحاب من الاتفاق الإطاري لطمأنة كبار القادة في الجيش بأن ملف إعادة الهيكلة سيتم تنفيذه وفقًا لرؤيتهم. وحقق قائد الدعم السريع مكاسب سياسية مهمة في أثناء ضغطه على القوات المسلحة لتعزيز حضوره في الجيش القومي الموحد، واتخذ مواقف مساندة للمكون المدني في مواجهة الجيش الذي أرسل تلميحا حول إمكانية التنصل من الاتفاق الإطاري.
وقال منسق الكتلة الوطنية في قوى الحرية والتغيير بشرى الصائم لـ”العرب” إن اللقاء بين البرهان وحميدتي كان متوقعًا، وتكرر مرات عدة منذ نشوب الأزمة بينهما، وكان الاجتماع تصالحيا، لكن ما تمخض عنه من نتائج معلنة أقل من المتوقع، لأنه تم تجاهل الأسباب الحقيقية للخلاف وتتمثل في تباين الرؤى بين قادة الجيش والدعم السريع حيال عملية إعادة هيكلة القوات النظامية.
وأضاف أن ملف إعادة الهيكلة يواجه صعوبات كبيرة، لأن الأمر لا يخضع فقط للجيش وقوات الدعم السريع فهناك قوى مدنية لديها رؤية للإصلاح، وحركات مسلحة يجب الاستماع لها، وهو ما يشكل لب الصراع الذي لم يحسمه البرهان وحميدتي في اجتماعهما الأخير، وأن الخلاف الشخصي بين القائدين أدى فقط إلى تشكيل لجنة أمنية مشتركة لإرسال إشارة بأن الأزمة بينهما لن تؤثر على التنسيق الأمني والعسكري.
وأكد الصائم أن اللقاء تطرق إلى قضية إعادة الهيكلة ما يشعل الخلاف العسكري – العسكري، وسوف يساهم الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين في زيادة حدة الخلافات بين المكونات المدنية، وجرى تجميد الهيكلة لتراجع فرص تطبيقها على الأرض، وبدلاً من أن يفرُغ الجميع للحل السياسي تفرغوا لمحاولات تخفيف حدة الصراعات.
وجاء اجتماع البرهان وحميدتي بالتزامن مع إصدار الجيش السوداني بيانا السبت حمل أوجها إيجابية بتأكيد التزامه بمجريات العملية السياسية والاتفاق الإطاري.
وأرسل إشارة إيجابية للدعم السريع باتهام جهات (لم يسمّها) بالمزايدة على مواقفه وقيادته ورآها “مكشوفة للتكسب السياسي والاستعطاف وعرقلة مسيرة الانتقال”.
وبدا أن بيان الجيش كان ردًا على تصريحات أدلى بها حميدتي قبل أيام، قال فيها إن خلافه ليس مع الجيش، إنما مع “المتمسكين بالسُّلطة الذين لا يرغبون في تسليمها إلى المدنيين”، في إشارة واضحة إلى البرهان وبعض قادة الجيش.
ولم يخرج بيان الجيش عن إطار السعي للتهدئة العامة مع زيادة وتيرة الضغوط التي تعرض لها من جانب أطراف إقليمية تدعم الاتفاق الإطاري الفترة الماضية، دون أن يعلن صراحة إنهاء أوجه الخلاف التي تعرقل تنفيذه حتى الآن، وأن انحيازه المعلن للاتفاق سوف يكون محل مراجعة إذا تعرض لضغوط أخرى من قبل أطراف مدنية معارضة للاتفاق الإطاري وأطراف خارجية داعمة لها.
ويواجه الجيش السوداني اتهامات بالمناورات ورفض التنازل عن السلطة ومحاولة إفشال ما جرى التوصل إليه من اتفاق مع القوى المدنية وتوظيف الخلافات بين القوى السودانية المدنية والعسكرية لصالح استمرار حضوره على رأس السلطة عقب الانقلاب على المكون المدني في أكتوبر من العام 2021.
وأوضح المحلل السياسي الشفيع أديب أن الحديث عن أزمة بين مؤسسات الجيش والدعم السريع لا وجود له، وأن المشكلة تتمثل في خلافات بين قادة الجيش والدعم السريع، خاصة الطرف الأول الذي سارع بطرح الأزمة على الملأ، وهناك قناعة بأن هؤلاء يعملون لحساب فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير ويحاولون خلق أزمة وهمية لعرقلة مسار العملية السياسية.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن مساعي إرباك المشهد القائم في السودان تخدم التيار الإسلامي وفلول البشير، وما يحدث أشبه ببالونات اختبار لن تترك أثراً سلبيًا على العلاقة بين القوات النظامية، ووجود قوات الدعم السريع والجيش في القيادة العامة واستمرار التنسيق بينهما في ملفات أمنية عديدة يبعد شبح صدام بينهما، وما يحدث على السطح يفهم على أنه نوع من المراوغات السياسية لتحقيق المزيد من المكاسب.
ولفت أديب إلى أن الضعف الأمني سببه عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ضمن اتفاق جوبا للسلام، وليس الخلافات داخل المكون العسكري، وهذه فقاعات تظهر دوما في مراحل التحول التي تمهد ليقبل المواطنون بما هو قادم على الساحة السياسية.