لعنة ثروات المعادن النادرة تطارد الدول الأفريقية

مع تزايد الطلب العالمي على المعادن النادرة ستتنافس جهات ومجموعات من أجل السيطرة على هذه الموارد ممّا يطيل أمد الصراعات أو يفاقمها.
الجمعة 2025/03/28
معادن تدور حولها الصراعات

لندن - في تسعينات القرن العشرين ظهر مصطلح معادن الصراعات للإشارة إلى الثروات المعدنية التي تتصارع حولها الحكومات والجماعات المسلحة المعارضة لها من أجل السيطرة على مناطق وجودها في بعض الدول الأفريقية، ثم استخدام حصيلة بيع هذه المعادن الثمينة في تمويل الصراعات، كما حدث في مناجم استخراج الألماس في سيراليون وأنغولا.

ومع تطور الصناعات وظهور الحاجة إلى ما تسمى معادن الأرض النادرة التي تستخدم في الصناعات الحديثة مثل بطاريات السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية أصبح تعبير معادن الصراعات يشير إلى ما يعرف باسم "ثري تي جي" والذي يشير إلى ثلاثة معادن نادرة وهي القصدير والتنجستن والذهب.

وهناك مجموعة أوسع من المعادن الأخرى المرتبطة بالصراعات مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس والألماس، لكن معادن "ثري تي.جي" هي التي ينطبق عليها فقط التعريف القانوني لمعادن الصراعات بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهناك دعوات متزايدة لإضافة الكوبالت الذي تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية الغارقة في الصراعات المسلحة حوالي 70 في المئة من احتياطياته العالمية إلى قائمة معادن الصراعات.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني تقول إيما ساندرز المحللة السابقة في برنامج الأمن الدولي بالمعهد وليزا تورمارك عضو فريق كتابة الأخبار والتعليقات في المعهد إن المفارقة تكمن في أن العديد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية تكافح من أجل تحقيق التنمية المتوقعة بالنظر إلى ثرواتها. كما أنها أشد معاناة من الاضطرابات والصراعات الدامية، وهو ما يشار إليه أحيانا بتعبير "لعنة الموارد الطبيعية."

◙ احتمالات تحول النزاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية إلى صراعات مسلحة تفوق ضعف احتمالات تحول النزاعات الأخرى

وعلى سبيل المثال تعد صناعة التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر قطاع تصديري في البلاد. ومن الناحية النظرية، يفترض أن توفر احتياطيات المعادن الرئيسية، مثل النحاس والكوبالت والتنتالوم والقصدير والذهب، إمكانات هائلة للبلاد، وأن تدعم المجتمعات المحلية، وأن تحسن التنمية. إلا أن وجود الموارد المهمة يغذي الفساد والحروب الأهلية وتنتهي عائداتها في أيدي قلة قليلة من السكان بدلا من أن تستفيد منها الأغلبية.

ومع تزايد الطلب العالمي على هذه المعادن النادرة، ستتنافس جهات ومجموعات مختلفة من أجل السيطرة على هذه الموارد، ممّا يطيل أمد الصراعات أو يفاقمها. ووفقا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن احتمالات تحول النزاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية إلى صراعات مسلحة تفوق ضعف احتمالات تحول النزاعات الأخرى.

وعلى سبيل المثال، استمرت الحرب الأهلية في أنغولا 27 عاما، وساهم وجود النفط والماس في استمرار الحرب لأن من يسيطر على الموارد بشكل فعال، يسيطر على البلاد ونتائج الحرب. كما أن الأقلية الصغيرة المستفيدة من فوضى الحرب وغياب التنظيم، تجد دافعا دائما لاستمرار الصراع لأطول فترة ممكنة. لكن السكان على نطاق أوسع والدولة نفسها يعانيان. وعندما انتهت الحرب الأهلية الأنغولية كان ثلثا سكان الدولة الغنية بالموارد الطبيعية محرومين من مياه الشرب النظيفة.

وتعتبر التداعيات البيئية من أخطر تداعيات الصراع على المعادن. ففي سياق صراع يسوده ضعف الحوكمة وانعدام تنظيم الأنشطة، يسبب الاستخراج مشاكل بيئية جسيمة، حيث تزال مساحات شاسعة من الغابات لإفساح المجال لعمليات التعدين غير القانونية، مما يلحق الضرر بالتنوع البيولوجي.

كما أن أنشطة التعدين تزيل في حالات كثيرة التربة السطحية، مما يؤدي إلى تدهور جودتها، فتصبح الأرض قاحلة وغير صالحة للزراعة والرعي، وهو ما يؤثر على استقرار البلاد على المدى الطويل، نظرا إلى تزايد الفقر بين السكان المحليين الذين لم يعودوا قادرين على زراعة المحاصيل في الأرض ولم يعد لديهم مصدر رزق آخر.

ويؤدي نشاط استخراج المعادن إلى مخلفات شديدة السميّة، حيث تستخدم كيماويات مثل السيانيد والمذيبات في استخلاص المعادن من الركام. ويتم تخزين هذه المخلفات السامة خلف سدود لكنها تتسرب إلى مصادر المياه والأراضي الزراعية مما يضر بالسكان المحليين والبيئة.

◙ المفارقة تكمن في أن العديد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية تكافح من أجل تحقيق التنمية المتوقعة بالنظر إلى ثرواتها

وعندما تسيطر الجماعات المسلحة على المناجم، فإنها تستخدم أرباحها في تمويل نفسها، وهو ما يؤدي إلى استمرار الصراع. وفي سياق الحرب الأهلية، يؤدي نشاط مجموعات متمردة متعددة في منطقة واحدة وتنافسها على الحصول على هذه المعادن إلى آثار مدمرة على السكان المحليين الذين غالبا ما يتحملون وطأة العنف بين المجموعات.

وفي الوقت نفسه فإن وجود شبكات تجارية غير رسمية عديدة لتداول هذه المعادن يؤدي إلى صعوبة تتبع المعادن. ورغم ذلك تشهد المجتمعات الغربية وعيا متزايدة بأن الطلب الغربي المتنامي على هذه المعادن يساهم في تأجيج الصراعات في مناطق معينة.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصدرت الولايات المتحدة قواعد بشأن معادن الصراع، تلزم الشركات بفحص سلاسل توريدها والإفصاح عمّا إذا كانت المعادن قادمة من مناطق مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما إذا كانت عائداتها تستخدم في تسليح الجماعات المتمردة.

وفي الوقت نفسه يثور الجدل حول ما إذا كان هذا النهج التشريعي الغربي يفاقم بالفعل آثار الصراع ولا يخففها، حيث فرض ما يشبه الحظر على مقاطعات التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما جعل السكان المحليين بلا عمل أو مضطرين للعمل في التهريب والتجارة غير المشروعة.

ولذلك فالمطلوب من المجتمع الدولي بلورة أساليب أكثر شمولا للتعامل مع القضايا شديدة التعقيد المرتبطة بمعادن الصراعات حتى يمكن تحويل هذه الموارد الطبيعية من لعنة للدول الموجودة فيها إلى نعمة، وحتى يمكن استغلال هذه الموارد لتلبية الطلب العالمي المتزايد عليها بطرق مشروعة تضمن تحقيق مصالح الجميع.

7