لحوم مخبرية بلا طعم ولا نكهة تفتح شهية العلماء

يخوض علماء وشركات ناشئة ومستثمرون شغوفون سباقا كبيرا لطرح لحوم تتم “تربيتها” في المختبرات، لاسيما مع تصاعد التوقعات بوجود أزمة غذاء تطل برأسها على العالم، إلا أن البعض يرى أن شرائح اللحم المصنعة بلا نكهة ولا طعم لها وسيمر وقت طويل قبل أن تكون صالحة للأكل.
برلين – يتوجه جانيس فولشلاجر مرتين في الأسبوع إلى القصاب المحلي الذي اعتاد التعامل معه، مختارا وقت الصباح الباكر على أمل الوصول إليه في الساعة السادسة بعد انتهاء الذبح مباشرة.
ويقول فولشلاجر الذي يدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الكيمياء في جامعة ريوتلنغن الألمانية “عندما أقوم بالشراء يكون اللحم لا يزال دافئا”.
وبعد أن يأخذ كمية اللحم المطلوبة، يتوجه مباشرة إلى المختبر الذي يجري أبحاثه فيه لقطع أجزاء من اللحم خالية من الدهون، ثم يضيف إليها مواد مغذية، ويضعها في وعاء ويدخلها في حاضنة، ويسعى فولشلاجر لجعل الخلايا الجذعية الناضجة تتكاثر، من أجل استيلاد لحوم اصطناعية.
وفي نهاية عملية طويلة ومعقدة، تنتج طابعة ثلاثية الأبعاد شيئا يشبه شريحة لحم صغيرة، ويشير الباحث إلى أنه يمكن تناولها غير أن مذاقها لا طعم له.
بعض العلماء يرون أنه مع إمكانية إنتاج ما يطلق عليه اللحوم النظيفة، ربما يساعد التعاون بين الباحثين في الإسراع بتنفيذ هذا المشروع
وتلفت بيترا كلوجر مديرة المشروع إلى أنه سيمر وقت قبل أن يكون هذا المنتج صالحا للأكل.
وتقول كلوجر إنه مع ذلك قد يكون من الممكن خلال الأعوام القليلة المقبلة استخدامها في تصنيع النقانق، وكحشوة لفطائر رافيولي وتوترليني، وذلك بفضل الأبحاث التي تجرى حاليا في المختبر.
وهذه القضية التي تعمل عليها المجموعة البحثية مهمة إذا لم تكن مثيرة للجدل، ويأمل كثيرون في أن تؤدي اللحوم المخلقة إلى توفير ما يكفي من الغذاء للبشر، وفي الوقت نفسه تقليص انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة، والحفاظ على التربة الزراعية والمياه.
وتضيف كلوجر التي تشغل منصب نائب رئيس الجامعة لشؤون الأبحاث “بالتأكيد، ستسهم هذه الطريقة في تقليل معاناة الحيوانات إلى حد كبير”.
وتوضح أن اللحوم المصنعة بطريقة الطابعة ثلاثية الأبعاد أمامها إمكانات كثيرة، حتى ولو لم يتم إجراء بحوث كافية عليها في ألمانيا، وتقول “إننا مررنا بكثير من التقنيات ولم نحرز فيها تقدما يذكر، ولكن لا تزال أمامنا فرصة لتحقيق انطلاقة في هذا المجال”.
وتشير دراسة أجراها معهد تقييم التكنولوجيا وتحليل الأنظمة التابع لمعهد كارلسروه للتكنولوجيا إلى أنه برغم إمكانية إنتاج لحوم اصطناعية، فإنه لا يزال من المتعذر إنتاجها على نطاق واسع.
ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى أن مكونات عملية إنتاج اللحوم التي تتم تنميتها في المختبر لا تزال تحتاج إلى مزيد من الأبحاث.
ويتقدم العلماء من الولايات المتحدة وهولندا واليابان وإسرائيل سباق البحث في هذا المجال، والذي يجرى أساسا في الجامعات والمراكز العلمية غير الحكومية، والشركات الناشئة المدعومة من المنظمات الأهلية، والمستثمرين الشغوفين بطرح اللحوم التي تتم “تربيتها” في المختبرات بالأسواق.
ومع ذلك يقول بعض المراقبين إن هذه الطريقة لإنتاج اللحوم ليست بهذه الدرجة من الاستقامة، حيث حذرت منظمة “بوند” الألمانية المدافعة عن البيئة من أنه لا يمكن ببساطة أن نستبدل تربية الماشية التي تتم على نطاق واسع داخل المزارع التجارية الكبرى بطريقة أخرى تثير المشكلات.
ويرى الخبير بالمنظمة مارتن باتشوفر “علينا أن نتوصل إلى لب المشكلة وهو إفراطنا في تناول اللحوم، وبالمقارنة بإنتاج البروتينات من النباتات، فإن اللحوم المخلقة في المختبرات تكون أسوأ بالتأكيد في ما يتعلق باستهلاك الطاقة والموارد”.
وأصبح من السهل الآن أكثر من أي وقت مضى اختيار نظام غذائي يقوم كله أو معظمه على النباتات، على الرغم من أن الخبير يقول إنه لا يدعو إلى إلغاء مزارع تربية الماشية تماما.
ويضيف باتشوفر “الأمر يتوقف على الطريقة والمدى، وسنظل بحاجة إلى حيوانات ‘حقيقية’ ترعى في المستقبل من أجل الحفاظ على البيئات الطبيعية الغنية بأنواع الكائنات الحية، كما أن أراضي المراعي العشبية لها أهميتها في حماية المناخ، باعتبارها مخزنا لغاز ثاني أكسيد الكربون”.
وصارت كيفية تطوير إنتاج اللحوم الاصطناعية على نطاق واسع محورا لمشروع مشترك بين جامعتي ريوتلنغن وهوهنهايم، ويتم تمويله من جانب مؤسسة أفينا السويسرية.
وتوضح كلوجر أن المشكلة تتمثل في ندرة الموارد المالية، وتقول “لا أفهم السبب في قلة التمويل المخصص لهذا المشروع، ونحن في بداية تقنية جديدة لا تريد تدمير الزراعة، ولكن تسهم في إتاحة بديل مكمل يساعد على التغلب على الزيادة السكانية على مستوى العالم”. وتشير إلى أن الحيوانات تلتهم أكثر من نصف حجم المحاصيل النباتية المنتجة على مستوى العالم.
ومن ناحية أخرى تشير التوقعات إلى أن أزمة الغذاء تطل برأسها على العالم، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة إنتاج القمح وغيره من المواد الغذائية، ويتساءل البعض عما إذا كان هناك مسوغ أخلاقي لإطعام الحيوانات بالحبوب النادرة في ظل هذه الظروف.
ومما يزيد الأوضاع صعوبة أنه من المتوقع أيضا أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المنتجات مثل القمح والنفط والغاز الطبيعي بمعدلات أكبر.
ويرى بعض العلماء أنه مع إمكانية إنتاج ما يطلق عليه اللحوم النظيفة، ربما يساعد التعاون بين الباحثين في الإسراع بتنفيذ هذا المشروع.
وفي تصريحات أدلت بها لموقع “لابيوتك” الإخباري العلمي الأوروبي، تصف مرسيدس فيلا المؤسسة المشاركة لشركة “بيوتك فوودز” الإسبانية، والتي أصبحت الآن جزءا من شركة إنتاج اللحوم العالمية العملاقة “جي.بي.إس”، جهود الباحثين بأنها “سباق كبير”.
وتقول “أعتقد أننا لا نتنافس كباحثين، ولكننا مجرد سفراء للترويج لمفهوم جديد، وبالتالي فمن الأفضل ألا يعمل كل باحث بمفرده”.