لبيك اللهم لبيك..

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ..
في درجة حرارة تراوحت بين 42 و45، ويقال إنها وصلت إلى 48 درجة مئوية، علت أصوات مليون حنجرة بـ"دعاء التلبية" الذي يردده الحجاج والمعتمرون بين "طواف القدوم" و"طواف الوداع".
ليس بالضرورة أن تكون مؤمنا أو مسلما لتشعر برهبة هذا المشهد الذي يتكرر كل عام. أي شخص يتحلى ببعض المشاعر الإنسانية سيضع رأيه وقناعاته الشخصية جانبا أمام مشهد مثل هذا المشهد، وعزيمة مثل هذه العزيمة، دفعت أصحابها لتحمّل مشاق مناسك الحج في ظل درجات حرارة فاقت الأربعين.
هذا لا ينفي أن هناك حوادث أسيء فيها لمشاعر المؤمنين، بدءا بالحادثة التي تروى عن الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك الذي نقل عنه قوله بعد أن مزق القرآن: إذا ما جئت ربك يوم حشر.. فقل يا رب مزقني الوليد.
منذ عام 720 ميلادي وحتى تاريخ هذا اليوم، جرت حوادث أخرى أسيء بها للكتب المقدسة (القرآن والتوراة والإنجيل)، آخر تلك الحوادث ما قام به شاب هاجر من العراق إلى السويد قبل سنوات، وأقدم على حرق نسخة من المصحف أمام مسجد ستوكهولم الكبير، بعد أن منحته السلطات السويدية إذنا لتنظيم تظاهرة (رغم إعلانه عن عزمه حرق نسخة من المصحف) تزامنت مع بدء عيد الأضحى يوم الأربعاء الماضي.
ما يميز هذه الواقعة وواقعة أخرى جرت أيضا في السويد في 21 يناير الماضي، أحرق خلالها زعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي اليميني المتطرف نسخة من المصحف قرب السفارة التركية في ستوكهولم، أن الواقعتين تمتا وسط حماية من الشرطة وموافقة مسبقة من السلطات السويدية، حيث يعيش أكثر من 600 ألف مسلم.
أمام استياء عربي وإسلامي ودولي أثاره الحدثان، قدمت حكومة السويد تبريرا قالت فيه إنها تدافع عن حرية الرأي والتعبير. ولكن، من يبتلع مثل هذا التبرير؟
أفعال مثل هذه تتنافى مع روح التسامح والاحترام والحوار بين الأديان، وتؤدي، حتى لو صدقنا ادعاء السلطات السويدية، إلى عكس ما تدعيه.
ادعاء الشاب - تعمدت عدم ذكر اسمه لكي يبقى نكرة - الذي أقدم على هذه الإساءة أنه يريد تسليط الضوء على حرية التعبير، هو ادعاء مزيف لا يبتلعه إلا من أراد باطلا.
هناك وسائل وقنوات عديدة للتعبير عن حرية الرأي، ليس من بينها، حتما، تحدي مشاعر الآخرين بفعل ممسرح يعيد إلى الأذهان ما قاله الوليد بن يزيد منذ 1500 عام.
حرية الرأي تعطيني الحق في القول، مثلا، إنني أفضّل أن تنفق أموال الحج على جياع العالم.. ولكن لا تعطيني الحق أن أسيء لمشاعر 2 مليار مسلم، يتابعون سنويا مناسك الحج، بالمشاركة أو عن بعد، مردّدين "لبيك اللهم لبيك".. أحبت سلطات السويد ذلك أم كرهته.