لبنان يسائل أثر الحرب على الجسد عبر مهرجان للرقص

طرح مصمم الرقص اللبناني عمر راجح بالتعاون مع فرقته من خلال عرض بعنوان “مئذنة” في افتتاح مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود)، كيفية مواجهة الإنسان لصور الدمار، مجسدا أهوال الحرب وتأثيرها على النفوس والأجساد.
بيروت – عبّر راقصون وراقصات على إيقاع الموسيقى عن تأثير الحروب على النفوس والأجساد، وقدموا لرواد الدورة الخامسة عشرة من مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود) يوم افتتاحها، لمحة عن قصة تدمير مئذنة الجامع الأموي الكبير في مدينة حلب السورية.
ووسط تصفيق حار لدقائق قدمت فرقة “مقامات” للرقص المعاصر التي أسسها مصمم الرقص اللبناني عمر راجح عرضا يحمل عنوان “مئذنة” يعالج فيه بأسلوب سردي وتجريدي حالة التدمير الكامل لمئذنة الجامع الأموي الكبير في مدينة حلب -أكبر مدن سوريا- بفعل الحرب التي اندلعت قبل 8 سنوات.
وهذا المعلم، بحسب ما ورد في كتيب تابع للمهرجان، “كان انعكاسا لروح المدينة وكأنه نصب تذكاري للمدينة ببعدها التاريخي والحضاري وقيمتها الاجتماعية والدينية والثقافية، ومثلت (المئذنة) روح المدينة كمعلمها وشاهدا للزمن على حلب وجموعها وناسها”.
وأوضح راجح “عندما كنا بصدد إعداد العرض شئنا أن نركز على مئذنة الجامع الأموي الكبير في حلب.. لأنها رمز للمدينة ليس فقط على المستوى الديني بل أيضا على المستوى الثقافي والاجتماعي والفني والتاريخي والأثري”.
وتابع “ذهبت في العرض أبعد من الطابع الديني لهذا الرمز، إذ أن لهذه المئذنة خصوصيتها غير المغلقة، والمتعلقة بشكل عام بحياتنا الإنسانية بعلاقاتنا وتفاعلنا مع الناس”.
وأكد أن هذه المئذنة العائدة إلى أكثر من ألف سنة ودمرت في العام 2013، “تحمل رمزية كبيرة، شبيهة برمزية برج إيفل بالنسبة إلى باريس وبيغ بن بالنسبة إلى لندن”.
وتمكن راجح وزوجته ميا حبيس، وهي المديرة الفنية للمهرجان، إلى جانب أربعة راقصين آخرين، من حبس أنفاس الجمهور طيلة 60 دقيقة لما تضمنه الأداء من قدرة هائلة على تصوير تعذيب الجسد وتعنيف الروح.
وبأجساد مرنة وطيّعة حاول الراقصون إيصال أحاسيس ألم الروح والعزلة والخوف والتوتر والاستسلام واليأس وكل العوامل التي تسببها الحروب.
ورأى البعض أن الأجساد الراقصة أعادت صوغ ما يرمز إليه الرقص الكلاسيكي، حيث عبر العرض عن مكنونات الروح والأحاديث الداخلية التي يعيشها الإنسان عادة مع نفسه. فالعرض طرح كيفية مواجهة الإنسان لصور الدمار ومصادرة مدن بأكملها والانتهاك اليومي لحميمية الإنسان وخصوصياته.
كما أن العرض بدأ بتجويد ممزوج بموسيقى تكنو. وتضمنت موسيقى العمل أنماطا عدة من الإرث الحلبي كالقدود والمولد والتجويد وتقوم على حضور العود والآلات الإيقاعية، وحلقت فوق خشبة المسرح طائرة صغيرة مسيرة عن بعد تزيد من أجواء الدمار والموت والصخب.
وإذا كانت المئذنة تدعو إلى الصلاة فإن فالعرض يدعو إلى تساؤلات عدة، بحسب راجح “كيف يمكن أن نتعامل مع المأساة؟ هل يمكن أن نكمل حياتنا بشكل طبيعي؟ هل نتجاهل كل هذه الأمور التي تحيط بنا؟ كيف نتفاعل مع ذلك على المستوى الفردي في ظل أجواء القتل والظلم والاستبداد؟ هل أسكت عنه وأدعي أنني لا أراه ولا أتحرك”.
ولم يستعن راجح بأي راقص سوري حتى لا يركز على العاطفة الفردية على حد قوله، موضحا أن “هذه المأساة لم تشهدها سوريا فحسب بل نعيش اليوم في العالم حالات مخيفة”.
وصمّم راجح اللغة الحركية معتمدا على تراث المنطقة في الرقص الشعبي، فكانت حركات مستوحاة من الدبكة وأخرى قريبة من الصلاة لدى المسلمين، إضافة إلى الرقص التعبيري والبريك دانس في ظل إضاءة خافتة كأن الحاضر أمام مشاهد بالأبيض والأسود.