لبنان أصبح عرضة للمزيد من النيران الإسرائيلية

هجوم حزب الله لا يؤذي إسرائيل بل يزيدها جرأة.
الأربعاء 2024/08/28
الضربات الاستباقية الإسرائيلية تفرمل حسابات حزب الله

رغم أن احتمالات توسع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب إقليمية لا تزال مرتفعة، إلا أن الطرفين لا يرغبان في ذلك. ولجأ الخصمان إلى الضغوط العسكرية إلى حد الآن ما يسمح ببقاء المسارات الدبلوماسية مفتوحة.

بيروت - يفتح هجوم حزب الله الذي لا يحمل تأثيرا يذكر على إسرائيل الباب أمام المزيد من الضربات الإسرائيلية في لبنان، في ما اكتفى الطرفان بالقصف المتبادل غير المؤذي.

وأطلقت جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة في 25 أغسطس المئات من الصواريخ والعشرات من الطائرات دون طيار نحو العديد من الأهداف العسكرية في شمال إسرائيل.

وذكر حزب الله أن هذه الضربات كانت جزءا من انتقامه الذي طال انتظاره لاغتيال أحد قادته، فؤاد شكر، في بيروت في 30 يوليو الماضي.

وقالت المجموعة إن القصف كان يهدف إلى تشتيت انتباه الدفاعات الجوية للجيش الإسرائيلي وتمهيد الطريق للطائرات المسيرة التي استهدفت قاعدتين في عمق إسرائيل، وهما معسكر جليلوت للاستخبارات العسكرية، حيث تعمل الوحدة 8200، وتقع على بعد 1.5 كيلومتر فقط شمال تل أبيب، وقاعدة جوية على بعد 75 كيلومترا جنوب لبنان.

وشن سلاح الجو الإسرائيلي ما وصفه بالحملة الجوية الاستباقية قبل نصف ساعة من هجوم حزب الله، واستهدف المئات من منصات الإطلاق التي كانت جاهزة للتصويب ضمن الهجوم.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه استخدم 100 طائرة مقاتلة في وقت واحد ودمّر الآلاف من الصواريخ والقذائف، بما في ذلك الصواريخ الموجهة بدقة .

وأقر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالضربات الاستباقية في خطاب ألقاه في وقت لاحق من اليوم نفسه، لكنه نفى تصريحات إسرائيل، قائلا إن الطائرات المقاتلة دمرت العشرات من قاذفات الصواريخ فقط وأن الجماعة لا تهدف إلى استخدام صواريخ موجهة بدقة. كما ذكر نصرالله أنه نجح في تحقيق هدف حزب الله من خلال الهجوم (سارع الإسرائيليون إلى نفي هذا)، وقال إن جل الطائرات المسيرة والصواريخ أسقِطت بينما مست البقية مناطق مفتوحة.

إيران والحوثيون والميليشيات في سوريا والعراق لا تزال على استعداد لشن عمليات انتقامية ضد إسرائيل، مما قد يؤدي إلى تصعيد سريع إلى حرب إقليمية

وورد في 26 أغسطس أن الجانبين تبادلا الرسائل من خلال وسطاء تشير إلى أنهما مهتمان بوقف التصعيد.

وتعدّ الوحدة 8200 أكبر وحدة لجمع المعلومات في “مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية”. ومن المحتمل أن يكون حزب الله قد استهدفها ضمن انتقامه من اغتيال إسرائيل لشكر خلال الشهر الماضي.

وذكر نصرالله في خطابه أن هذه الوحدة مرتبطة بالضربة التي قتلت شكر في بيروت، موضحا بذلك سبب اختيار المجموعة استهداف القاعدة.

ويصعب حاليا التحقق من ادعاءات الجانبين وأصدرت الحكومة الإسرائيلية لوائح جديدة تشمل قيودا على نشر المعلومات حول “الأضرار الناجمة عن الهجمات الصاروخية للبنية التحتية الوطنية الإستراتيجية أو القواعد العسكرية”.

ومنع حزب الله من جهته الصحافيين من تقييم الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية.

وتأكد مقتل بحار إسرائيلي عندما أصاب صاروخ سفينة حربية في البحر المتوسط بينما قال حزب الله إن مقاتلين اثنين فقط ومسلحا حليفا قتلوا على يد الإسرائيليين مما يشير إلى أن أضرار القذيفة المباشرة كانت محدودة نسبيا.

وورد في25 أغسطس أن حماس رفضت أحدث إطار مقترح لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وكان هذا رغم استمرار المحادثات في محاولة تعديل الشروط لتلبية مطالب الحركة الفلسطينية.

من المحتمل أن تتحرك إسرائيل نحو حرب أوسع على المدى الطويل لتحقيق هدفها في إنشاء منطقة عازلة جنوب لبنان

وتقرر تعليق وقف إطلاق النار بسبب إصرار إسرائيل على ترك القوات منتشرة في غزة على المدى الطويل بطريقة ما، وخاصة على طول ممر فيلادلفيا على الحدود المصرية.

وأفادت بعض التقارير في 26 أغسطس أن إسرائيل حاولت اغتيال مسؤول آخر في حماس في صيدا بجنوب لبنان بغارة شنتها طائرة مسيرة. ويشير هذا أيضا إلى أن ضربات حزب الله الأخيرة لم تكن رادعة لحملات القتل المستهدف التي تشنها إسرائيل.

ويشير هجوم حزب الله (رغم فشله في ضرب جل أهدافه) إلى أنه سيرد بشكل متزايد على الاستفزازات الإسرائيلية باستهداف نقاط أعمق داخل إسرائيل، بما في ذلك بالقرب من تل أبيب.

وخلّفت الضربات تأثيرا ماديا محدودا. لكن حزب الله ذكر أن رده الأخير حقق أهدافه السياسية والإستراتيجية المقصودة من خلال استهداف ضواحي تل أبيب.

ويرى أن الهجمات نجحت في تأكيد سابقة الهجمات الانتقامية من “مدينة إلى مدينة”، حيث يضرب حزب الله المدن الإسرائيلية الكبرى ردا على الهجمات الإسرائيلية على بيروت (حيث قتلت الغارة الجوية الإسرائيلية شكر في يوليو)، بينما يوجه رسالة قوية مفادها أن إسرائيل لا يمكنها انتهاك المجال الجوي اللبناني واستهداف بيروت دون مواجهة عواقب.

لكن استخدام حزب الله للطائرات دون طيار المتطورة ووابل كبير من صواريخ الكاتيوشا، بدلا من الصواريخ الموجهة بدقة متوسطة وطويلة المدى، يسلط الضوء على نية الحزب في تجنب صراع أوسع مع الاستمرار في إظهار رغبته في ضرب مواقع حساسة في عمق إسرائيل عندما تقتضي الحاجة.

ووسّع حزب الله نطاق الصراع الجغرافي من خلال الإعلان عن اعتماد مواقع إطلاق غير مستخدمة في وادي البقاع والمناطق الواقعة شمال نهر الليطاني لبعض عمليات الإطلاق الأخيرة، وذلك على أمل التخفيف من الأضرار المحتملة الناجمة عن الحملات الجوية الإسرائيلية في الجنوب وزيادة قدرة الجماعة على إطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار إلى أقصى حد، خاصة في حال نشوب حرب أوسع، باستخدام المزيد من جغرافية لبنان.

وشن الجيش الإسرائيلي في 21 أغسطس عدة غارات جوية ضد منشآت تخزين أسلحة حزب الله في وادي البقاع في شرق لبنان. وقيل إن حزب الله يخزن عموما أسلحته الأكثر تطورا، بما في ذلك الدفاعات الجوية، في مرافق هذه المنطقة.

استنزاف

هجوم حزب الله يشير إلى أنه سيرد بشكل متزايد على الاستفزازات الإسرائيلية باستهداف نقاط أعمق داخل إسرائيل

جاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أنه من المرجح أن يؤدي التبادل الأخير بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب استنزاف محدودة على المدى القريب. ولكن من المحتمل أن تتحرك إسرائيل نحو حرب أوسع على المدى الطويل، لتحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل في إنشاء منطقة عازلة جنوب لبنان.

ومع غياب أيّ طريق واضح لتحقيق إسرائيل أو حزب الله النصر في حال نشوب حرب على غرار حرب 2006، فمن المحتمل أن يحاول كل طرف إجبار الآخر على تغيير سلوكه الإستراتيجي بالضغط العسكري المستمر. وسيعني ذلك لحزب الله الاستمرار في جعل الجزء الشمالي من إسرائيل منطقة محظورة على المدنيين وتوسيع النطاق الجغرافي للضربات المحدودة على أهداف إستراتيجية في جميع أنحاء البلاد.

وسيعني هذا بالنسبة إلى إسرائيل حملة اغتيالات جوية وسرية مستمرة ضد حزب الله وتركيزا مستمرا على تدمير المنصات وترسانات الجماعة المسلحة.

وتضر هذه الديناميكية بحزب الله، حيث يمكن أن تضعف إسرائيل منهجيا قدراته العسكرية وهيكل قيادته دون التورط في توغل بري غير ناجح محتمل في لبنان قد يخاطر بتفاقم المشاكل في الداخل الإسرائيلي.

وقد يدرك حزب الله من جهته أنه إذا تمكن من مواصلة الضغط العسكري على شمال إسرائيل والصمود أمام الحملة الإسرائيلية، فيمكن أن يفرض الضغط السياسي الداخلي ضد حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل في النهاية تسوية دبلوماسية بجعل إسرائيل أكثر حذرا من التداعيات الدبلوماسية والسياسية المحتملة من التصعيد إلى صراع أوسع.

ولكن قد يضرب أيّ من الجانبين في هذه الحملة هدفا حساسا سياسيا قد يحول الدوافع نحو الحرب، مثل ضربة من حزب الله تخلف العديد من الضحايا المدنيين في إسرائيل أو ضربة إسرائيلية تقتل قائدا بارزا آخر لحزب الله أو أعدادا كبيرة من المدنيين اللبنانيين.

مع اقتراب حملة غزة من نهايتها، من المرجح أن يقترب الإسرائيليون أكثر من حملة برية موسعة في لبنان على المدى الطويل

ومهما سيحدث في الأمد القريب، يبقى من المرجح أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في خسارة الدعم لصراع ممتد في لبنان لا يبدو أنه يزيد من فرص عودة المدنيين إلى ديارهم في الشمال أو في ردع حزب الله بالقدر الكافي عن شن المزيد من الهجمات على المنطقة.

ومع اقتراب حملة غزة من نهايتها، من المرجح أن يقترب الإسرائيليون أكثر من حملة برية موسعة في لبنان على المدى الطويل، خاصة إذا فشلت هجمات إيران وحلفائها المتكررة في تقويض الديناميكيات الأمنية أو السياسية الإسرائيلية بصورة ملموسة.

ولا تمتلك إسرائيل أو حزب الله القدرة على تحقيق نصر عسكري واضح على الآخر. ولم تنجح إسرائيل في حملتها سنة 2006 لتدمير الجماعة بسبب رسوخ حزب الله في جنوب لبنان والدعم الأجنبي من إيران، وتمكن الحزب من تعميق دفاعاته وتوسيع خطوط إمداده من إيران منذ ذلك الحين. لكنه لا يستطيع إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي أو إجبار الإسرائيليين على التخلي عن حملتهم في غزة بالقوة.

وهذا يعني أنه إذا صعد حزب الله إلى حرب أخرى أوسع نطاقا مع إسرائيل، فسنشهد نتيجة عسكرية ودبلوماسية غير حاسمة تفرض تكاليف اقتصادية كبيرة على لبنان.

ولا تزال إيران والحوثيون والميليشيات في سوريا والعراق على استعداد لشن عمليات انتقامية ضد إسرائيل، مما قد يؤدي إلى تصعيد سريع إلى حرب إقليمية.

ومن غير المرجح أن يكون وابل حزب الله قد استرضى المتشددين في إيران وحلفائها الذين لهم أسبابهم الخاصة للانتقام من إسرائيل، مما يعني أن طهران والحوثيين اليمنيين والميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق يبقون على استعداد لمهاجمة إسرائيل في النهاية.

وقد يتقرر تنسيق هذه الضربات لتعظيم تأثيرها السياسي والنفسي، لكن نمط السلوك الذي أظهرته شبكة الميليشيات التي تقودها إيران يعني أنه من غير المرجح أن تكون عمليات الانتقام التي ستشنّها هذه الجماعات في نهاية المطاف مصممة للتسبب عمدا في خسائر جماعية في إسرائيل بما سيجرّ المنطقة نحو الحرب. لكن من المحتمل أن تكون ضرباتهم مصممة لخلق أقصى قدر من التأثير السياسي، مما يضعف عزم إسرائيل على المزيد من التصعيد مع تعزيز الدعم السياسي الإقليمي لإيران وحلفائها من خلال إظهار استعدادهم لمواجهة إسرائيل عسكريا.

ومن غير المرجح أن ترد إسرائيل على مثل هذه الهجمات بتصعيد كبير على المدى القريب، ومن المرجح أن تختار بدلا من ذلك تنفيذ ضربات مضادة مهمة سياسيا كما فعلت ردا على هجمات إيران على إسرائيل في أبريل 2024. لكن الخطر الكامن في كل هذا القصف الصاروخي يتمثل في أن ضربة واحدة يمكن أن تتسبب في خسائر كبيرة داخل إسرائيل، وقد تؤدي إلى رد فعل عسكري إسرائيلي متشدد يدفع المنطقة إلى الاقتراب من حرب إقليمية شاملة.

هدوء

لم يشعل تبادل إطلاق النار الأحد الماضي الحرب التي يخشى الكثيرون اندلاعها منذ فترة طويلة.

ويرى جوزيف كراوس في تقرير لأسوشيتد برس أن قوة النيران الثقيلة وقلة الخسائر في صفوف المدنيين قد تسمح للجانبين بإعلان نوع من النصر والتراجع. لكن التوترات لا تزال عالية.

وقُتل أكثر من 500 شخص في لبنان، نتيجة للضربات الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر، جلهم من مقاتلي حزب الله وجماعات مسلحة أخرى، لكن من بينهم أيضا أكثر من 100 مدني. وقُتل في شمال إسرائيل 23 جنديا و26 مدنيا في غارات من لبنان. ونزح عشرات الآلاف من الأشخاص على جانبي الحدود المتوترة.

وتعهدت إسرائيل بإحلال الهدوء على الحدود للسماح لمواطنيها بالعودة إلى ديارهم. وأكدت أنها تفضل حل القضية دبلوماسيا بمساعدة الولايات المتحدة ووسطاء آخرين لكنها ستستخدم القوة إذا لزم الأمر.

وقال مسؤولون في حزب الله إن الجماعة لا تسعى إلى شن حرب أوسع نطاقا لكنها مستعدة لها إن اندلعت.

وقضت الولايات المتحدة ومصر وقطر شهورا في محاولة للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح عشرات الرهائن الذين تحتجزهم حماس. وارتفعت أهمية هذه الجهود خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يرى الدبلوماسيون في هذا الاتفاق أفضل أمل لخفض التوترات الإقليمية.

وقد تؤدي حرب شاملة إلى قلب المسار رأسا على عقب.

ومن غير الواضح ما إذا كانت إيران ستوقف (أو تقلص حجم) الضربة الانتقامية التي هددت بها بعد مقتل إسماعيل هنية. وربما لا تريد أن ينظر إليها على أنها أفسدت اتفاق وقف إطلاق النار.

ولا تزال الفجوات الكبيرة قائمة رغم الدبلوماسية المكثفة، بما في ذلك مطالبة إسرائيل بوجود دائم على طول ممرين إستراتيجيين في غزة، وهو ما رفضته حماس ومصر. وعقدت محادثات رفيعة المستوى في مصر يوم الأحد دون أيّ مؤشر على أيّ انفراج قريب.

6