لبناني يترك العلوم الصحيحة لصناعة البزق

في ظل الأزمة الاقتصادية التي عصفت باللبنانيين، اختار البعض من العاملين في الوظيفة خوض مغامرة تغيير مجالات عملهم وبعث مشاريعهم الخاصة. فالشاب جورج الذي درس الهندسة المدنية وامتهن التدريس اختار صناعة البزق معتمدا على عشقه للموسيقى وعزفه على الناي.
بيروت - في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، يلجأ الكثيرون إلى تغيير مهنهم إلى أخرى بعد تردي الأوضاع المعيشية وخسارة الليرة لقيمتها أمام الدولار الأميركي، وأصبح بعض خريجي الجامعات من كافة التخصصات يبحثون عن وظائف بديلة تدر دخلا أفضل.
أستاذ الرياضيات والفيزياء جورج الشيخ الذي يحمل شهادة في الهندسة المدنية ويهوى الموسيقى، وهو عازف ناي في الوقت نفسه، قرر أن يخوض غمار تجربة فريدة في صناعة البزق، وهي آلة موسيقية شعبية تشبه إلى حد ما آلة العود.
عندما بدأت الأزمة تستفحل في لبنان عام 2019، ومن بعدها جائحة كورونا، قرر الشيخ أن يستثمر ما بقي معه من دولارات في شراء معدات وتجهيز محل لصناعة البزق.
يقول إنه عندما حدثت الأزمة قرر تغيير مسار حياته كليا. يوضح “قررت أن أستثمر ما بقي معي من مدخرات فاشتريت أدوات صناعة آلة البزق وبدأت مشروعي الجديد بعيدا عن الهندسة والتدريس”.
كان للصدفة دور في اختيار الطريق الذي سلكه الشيخ، بل كانت الأقدار هي التي ساقته لتثبيت أقدامه في هذه الصناعة.
مع الأزمة التي استفحلت في لبنان عام 2019 قرر الشيخ أن يستثمر ما بقي معه من دولارات في شراء معدات وتجهيز محل لصناعة البزق
يقول “أحب أن أقول عن نفسي موسيقي.. عازف ناي بالأصل.. درست الهندسة المدنية ولم أشتغل كمهندس مدني”.
ويضيف “بدأت التفكير في صناعة آلة موسيقية وكان التوجه العام هو صناعة العود لكنني اخترت آلة بزق من باب التجربة، وبعد بحوث واختبارات، اكتشف أمورا غير مسبوقة في آلة البزق، منها أنني لم أعثر على قطعة تبلغ من العمر أكثر من 50 سنة، وفي مسألة القياسات وجدتها مختلفة المقاسات، خلافا للعود موحّد المقاسات، فقلت لنفسي لماذا لا أركز على الآلة الريفية وأنا ريفي الجذور أيضا”.
وقال “البزق من تراثنا، لذلك أوليته بعض الاهتمام، وتعلمت صناعته والعزف على أوتاره بنفسي”.
وتمكن جورج الشيخ، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، من صناعة ما يقرب من 50 آلة بزق حتى الآن، بعد أن أصبح له أسلوبه الخاص في صناعتها، يقول “ما أعمل عليه يتكوّن من جزأين، أولا أعمل بألا تكون القياسات موحّدة مستفيدا من دراستتي للهندسة، ما يفتح مجال التجارب على آلة لم تجد الاعتناء الكافي بها، والمهم في الأمر أن تبقى روح البزق موحدة في تصنيعه، والأمر الثاني يتعلّق بعمر الآلة، وما أحاوله هو البحث في نوعية الخشب الذي يمكن أن أستعمله بطريقة تعطي عمرا أطول للآلة”.
وأضاف “جرّبت خشب السنديان للزند عوض الزان والجوز البلدي وهي أنواع خشب كان يستعملها السابقون، فخشب الزان ليس قاسيا كفاية لكي يحافظ على استقامته لعمر طويل والجوز البلدي لم يكن يعالج بالتجفيف الكافي”.
وجرب جورج السنديان، والأوروكو الأفريقي، وما يتوافر من خشب صلب بحثا عن التوازن المتسبّب بثقل الخشبة، يقول “الأوروكو خشبة قاسية ولكنها ثقيلة، وما تعلّمته في الهندسة المدنية قد ينطبق هنا، فالصلابة الزائدة ليست مرغوبة دائما، المبنى شديد الصلابة سريع العطب عند حدوث هزّة أرضية خفيفة”.
جورج الشيخ تمكن من صناعة 50 آلة بزق حتى الآن، بعد أن أصبح له أسلوبه الخاص في صناعتها
وفي ظل هذه الأحوال الاقتصادية العجيبة والأوضاع المضطربة يتوجه اللبنانيون إلى طرق كل الأبواب بحثا عن مخرج، وصولا حتى إلى الهجرة خارج الوطن.
أما بالنسبة للشيخ وكثيرين أمثاله فقد اختاروا تحويل الهواية إلى مصدر للرزق، خاصة بعد أن أصبحت الدراسة والتخصص شيئا من كماليات الحياة.
ويصف الشيخ الآلة الموسيقية التي أحبها بأنها فريدة ومميزة في كل شيء، حتى إن كل قطعة منها تختلف عن الأخرى.
تستغرق صناعة الآلة الواحدة ما يقرب من أربعين يوما من العمل.
بعد ذلك يستبقي الشيخ الآلات عنده لمدة عشرة أيام، حيث يقوم بتجريبها وفحصها قبل تسليمها إلى الزبائن.
ويوضح “البزق بعد أن أنتهي من صناعته يأخذ فترة تصل إلى 10 أيام أتأكد فيها من كل تفاصيله ونجاعته”. ويصف الشيخ قراره بأنه يقع في مساحة بين الجرأة والتهور.
يقول “حين بدأت الأزمة تستفحل في عام 2019، صار دخل التعليم المادي قليلا خاصة مع انتشار جائحة كورونا والفوضى السياسية وما انجر عنها من تبعات مالية، حينها أخذت قراري رغم أن البعض يعتبر ما أقدمت عليه جرأة، بل تهورا ومغامرة غير مضمونة”.