لبنانيو المهجر في خوف وقلق على مصير بلدهم وإخوتهم

بيروت- زارت جمانة صديقي قبل عام لبنان، مسقط رأس والدها ومكان دفنه. وخططت للعودة إلى هذا البلد قريبا مع ابنتيها المراهقتين. لكنها أصبحت تخشى على أقاربها هناك.
وتراقب صديقي من كاليفورنيا العنف والتصعيد الأخيريْن في الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله في لبنان. وتفكر في الأشخاص الذين التقت بهم خلال زيارتها، ولطفهم وكرهم.
كما تفكر في قبر والدها، فهل ستتاح لها زيارته مرة أخرى ومتى؟ وبدا التأثّر على نبرات صوتها بينما كانت تؤكد للأسوشييتد برس مدى ما تشعر به من ألم.
وقالت “إنها قصة أبناء الشعب اللبناني الذين يواصلون المغادرة ولا يعرفون موعد العودة”. وينتشر أفراد الشتات اللبناني من الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا وقبرص والبرازيل وغيرها، ويتابع هؤلاء موجات العنف بألم وخوف على أحبائهم ووطنهم، ساعين لإيجاد طرق للمساعدة.
وقتل نحو 1400 لبناني بينهم مدنيون ومقاتلون من جماعة حزب الله ونزح نحو 1.2 مليون من منازلهم منذ صعدت إسرائيل ضرباتها في أواخر سبتمبر، بتعلة إبعاد حزب الله عن الحدود بين البلدين.
ولقد هاجرت لينا الخياط إلى جنوب أفريقيا منذ حوالي 36 عاما تاركة عائلتها الكبيرة في لبنان. ويحمل لها العنف والتوترات أصداء فصول الاضطرابات السابقة.
وقالت “عشنا حربا أهلية لفترة طويلة. كنت في السابعة من عمري. ويبدو لي وكأن التاريخ يعيد نفسه… لا ندري من سيقتل بعد ذلك”.
وتخاطب الخياط، التي تعيش في مدينة ديربان الساحلية في جنوب أفريقيا، يوميا عائلتها، وخاصة والدتها وشقيقتها. وأضافت “إنهم خائفون وقلقون للغاية بشأن ما سيحدث”.
وتصارع أجيال من اللبنانيين بين مغادرة بلدهم بحثا عن فرص أفضل أو الهروب من فترات الاضطرابات المختلفة (من الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما إلى الاحتلال العسكري والتفجيرات والاغتيالات السياسية) أو البقاء في لبنان الذي يحتفظ بجاذبيته للكثيرين رغم ندوبه العديدة.
ويفخر لبنان بأنه موطن طوائف دينية متعددة، منهم المسيحيون ومنهم المسلمون السنة والشيعة، وجالياته المهاجرة الكبيرة، التي تشمل رجال أعمال ناجحين ومشاهير.
ويتكشف التصعيد العسكري الحالي وسط مخاوف من انتشار القتال في المنطقة ومع اقتراب الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة من سنة.
وقال جيمس زغبي، مؤسس ومدير المعهد العربي الأميركي ومقره واشنطن، الذي ولد أبوه في لبنان “إن ما يحدث إضافة إلى ما يجري غزة يكاد يكون أكثر من أن يتحمل. يكاد الوضع أن يتسبب في إصابتك بالمرض جسديا بمجرد محاولتك فهم أبعاد الصدمة”.
وكان لبنان على حافة الهاوية بالفعل. وهو يعاني انهيارا اقتصاديا، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت سنة 2020 وغير ذلك من الأزمات الأخرى. وهو دون رئيس منذ عامين.
ويتساءل زغبي في ظل هذه الخلفية الكئيبة عما سيحدث للنازحين. وقال “من سيهتم بهم؟ من أين تأتي الخدمات الصحية… عندما تكون البلاد مرهقة بالفعل كما هي اليوم وعلى وشك الانهيار؟ في أي نقطة ستنهار أخيرا؟ ومن سيهتم؟”.
وأشار إلى أن ما يؤجج الألم هو غضبه من رد الولايات المتحدة على الدمار في غزة والتصعيد في لبنان.
وتابع “ينتشر شعور بالعجز، شعور باليأس تقريبا. ويمكن أن يخرج الوضع عن السيطرة كما تعلمون. وسيزداد الأمر سوءا طالما لم يحدث شيء لتغييره”.
وقال أكرم خاطر، مدير مركز خير الله لدراسات الشتات اللبناني في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، إن اللبنانيين الذين غادروا البلاد يساهمون، منذ الشتات الأول، بشكل كبير في الرفاه الاقتصادي اللبناني، ويرسلون تحويلات مالية كبيرة.
ويشعر عند مشاهدة التصعيد في لبنان، حيث وُلد ونشأ، بعودة الصدمة. وقال “أجد نفسي في دوامة من المشاعر التي لم أستطع حلها والتي تنبع من هذا الكابوس المتكرر. ويتكاتف مجتمعنا مع ذلك لخلق التضامن وتوفير العزاء والراحة لبعضنا البعض”.
وملأت مئات الأعلام اللبنانية سماء الليل في ديربورن بولاية ميشيغان، حيث حضر البعض مسيرة لدعم لبنان والاحتجاج على العدوان الإسرائيلي عليه.
واجتمع شقيقان لبنانيان يعيشان في البرازيل مؤخرا في مطار ساو باولو الدولي. وقالا إن ثمانية من أحبائهم (شقيقتهم وصهرهم وأربعة من أبناء أختهم واثنين من أحفادها) قتلوا في لبنان في إحدى الهجمات.
وقال حسين زين الدين، أحد الأخوين، لوكالة الأسوشيتيد برس إنه كان في إجازة مع عائلته في جنوب لبنان عندما تعرضت المنطقة لهجمات إسرائيلية. وانتقل هو وعائلته إلى مكان أكثر أمانا حتى يتمكن من حجز رحلات العودة إلى البرازيل. وأضاف “كانت زوجتي تبكي وتطلب منا المغادرة. غادرنا فقط بأغراضنا الأساسية. وقُصف منزل أختي بعد ذلك بوقت قصير. سيكون الأمر صعبا هنا. لكنه سيكون أكثر صعوبة على الناس هناك”.
وقالت روزالين غوكاسيان إن الغالبية العظمى من اللبنانيين لا يريدون هذه الحرب. وانتقلت إلى قبرص مع زوجها رافي غارابيديان وابنتهما ماريا بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص. وقالت إنها شعرت بخيبة أمل من القيادة السياسية في لبنان وأعربت عن أسفها لنفوذ حزب الله. وأضافت “كنا نعلم أن هذا قادم. تكمن المشكلة في لبنان… حيث نفتقر إلى حكومة جيدة”.
ولم يكن قرارها بمغادرة لبنان مرتبطا بالمال بل بالأمان. وذكرت ابنتها في رسالة كتبتها في المدرسة في قبرص “لا أريد الذهاب إلى هناك لأنني أنقِذت من الانفجار، ولا أريد أن أذهب للعيش هناك لأنني لا أريد أن أموت”.
واختارت العائلة البقاء في قبرص. وقالت روزالي “أنا لست هنا لكسب آلافات اليوروهات. لا. أنا هنا فقط لأعيش. لأكون سعيدة، لأكون آمنة. هذا ما أريده. أريد العيش”.
وشرع حزب الله في استهداف إسرائيل بعد يوم من هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، الذي قتل خلاله المسلحون حوالي 1200 شخص واحتجزوا حوالي 250 آخرين. وأسفر الرد العسكري الإسرائيلي في غزة منذ ذلك الحين، عن مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني.
وقالت صديقي الموجودة في كاليفورنيا إن التعامل مع كل ذلك كان صعبا. وصرحت “تمسك الهاتف. ثم تتردد في فتحه لأنك خائف مما ستراه. لكن عليك أن تنظر إلى ذلك”.
وتتحدث إلى الأصدقاء وغيرهم في دائرتها الذين يمكنهم فهم ما تشعر به. وقالت “نشعر جميعا بالحزن والاكتئاب والعجز والإرهاق. يمكننا تنظيم تحركات مثل جمع التبرعات وأو التبرع بأنفسنا والاحتجاج أو أي شيء من هذا القبيل. ولكن الوضع يظل يثقل كاهلك في نهاية اليوم”.