لبنانيون يقصدون مصبات النفايات بحثا عن الرزق

النبطية (لبنان) - حين ينبلج الصبح يشرع الرجل الستيني علاء قدور في جر عربة بدائية الصنع قاصدا مكبات النفايات في محيط مدينة النبطية بجنوب لبنان ليقضي عدة ساعات وهو يفتش عن المواد الصلبة المصنوعة من التنك والبلاستيك والكرتون لجمعها وبيعها تحصيلا للرزق في ظل التردي المعيشي الذي طال فئة واسعة من المجتمع اللبناني.
وقال قدور، الذي يعاني من شلل نصفي في قدمه اليسرى، لوكالة أنباء شينخوا إنه لا يجد أفضل من مكبات النفايات مصدرا لتأمين لقمة العيش من عرق الجبين في بلد يشهد أزمات اقتصادية حادة انعكست سلبا على كافة المجالات الحياتية.
وأضاف "في ظل هذه الأوضاع المعيشية الخانقة وارتفاع أسعار كافة الحاجيات توجهت إلى النفايات المرمية أنبش فيها عما يمكن تسويقه بعدما أقفلت البطالة أبواب العمل في وجوهنا".
وليس قدور وحده الذي لجأ إلى جمع المواد الصلبة بل سبقه إليها كثيرون من مختلف الأعمار وجدوا في مكبات النفايات وجوانب الطرقات بابا لرزقهم.
30 في المئة من الصلب والبلاستيك يعاد تدويرها محليا أما الباقي فيتم تصديره إلى تركيا ومصر
وأوضح قدور أن هذه المواد مطلوبة بكثرة ولا تعرف الكساد وهناك الكثير من التجار الذين يشترونها نقدا بالدولار الأميركي، وهو ما أدى إلى تزايد أعداد جامعيها تزايدا سريعا.
من جهته أكد الأربعيني سالم أبوالهيجا، بينما كان يجمع برفقة أولاده الثلاثة عند ضفاف نهر الليطاني بجنوب لبنان عبوات وأكياسا بلاستيكية، أن "جمع المواد الصلبة مهنة مستحدثة ومربحة، لا يلزمها سوى همة عالية وقفازات وكمامات وأكياس تجميع متوسطة الحجم".
وأضاف "ما شجع الكثيرين على مزاولة هذه المهنة هو سهولة تصريف المواد وارتفاع أسعارها، مما حفز عاطلين عن العمل على نبش مكبات ومستوعبات النفايات لجمع ما يجدون من مواد صلبة قابلة للتدوير".
وقال "صار مألوفا مشهد مجموعات من الفتيان اللبنانيين والنازحين السوريين وهم يحملون أكياسا متعددة الأحجام على ظهورهم ويجوبون يوميا الطرقات الفرعية والرئيسية وأماكن تجمع المتنزهين في الأحراج وعند ضفاف الأنهر بحثاً عما هو مرمي من معادن ومواد بلاستيكية وكرتون وإطارات مطاطية".
من جهته قال الشاب جمال عواد (23 عاما) إن "جمع المواد الصلبة من حاويات النفايات وأكياس القمامة يؤمّن مردودا يتراوح بين 5 و7 دولارات أميركية يوميا".
وأضاف "جمع المواد الصلبة هو مهنة من لا مهنة له، كما يمكن أن يكون من فرص العمل النادرة المتوفرة في ظل إغلاق عدد كبير من المؤسسات نتيجة الأزمة الاقتصادية".
وأوضح جلال خلف الذي يمتلك مستودعا لتخزين المواد الصلبة في مدينة النبطية أن "أسعار شراء المواد من جامعيها تتبدل بين فترة وأخرى بحسب السوق العالمية، وفي هذه الفترة نشتري كيلوغرام الحديد بنصف دولار وكيلو النحاس بـ4 دولارات وكيلو البلاستيك بـ1.5 دولار والأليمنيوم بدولار وعشرة سنتات".
لا يجد البعض أفضل من مكبات النفايات مصدرا لتأمين لقمة العيش من عرق الجبين في بلد يشهد أزمات اقتصادية حادة انعكست سلبا على كافة المجالات الحياتية
وقال حسين قصيباني أحد كبار تجار المواد الصلبة في بلدة الدوير بجنوب لبنان إن "الأزمة المعيشة التي يرزح تحت وطأتها لبنان حولت جانبا من النفايات إلى مصدر رزق للبعض".
وأضاف "انتعاش ظاهرة جمع المواد الصلبة جاء نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية في الصناعة المحلية بمعدل 5 أضعاف خلال أقل من عام إذ بلغ ثمن طن الكرتون 145 دولارا أميركيا وطن النايلون الشفاف 230 دولارا فيما تجاوز طن البلاستيك الـ200 دولار".
وقال "حوالي 30 في المئة من هذه المواد يعاد تدويرها في مصانع لبنانية لتستخدم مجددا في الكثير من الإنتاج الصناعي المحلي، أما الباقي فيتم تصديره إلى تركيا ومصر ليؤمّن للبنان حوالي 100 مليون دولار أميركي كعائدات تصدير سنوية".
وأدت أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية متشابكة في لبنان إلى انهيار عملته الوطنية وتجاوز معدل الفقر نسبة 82 في المئة مع تفاقم البطالة والتضخم وتآكل المداخيل والمدخرات، وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار مع نقص في الوقود والأدوية وحليب الأطفال.