لبنانيون غادروا إلى فرنسا هربا من الحرب: هدير الطائرات لا يزال في آذاننا

العديد من اللبنانيين المقيمين في فرنسا يعربون عن استيائهم لعدم تمكن أقاربهم من الحصول على تأشيرات فرنسية للهرب من جحيم الحرب.
الأحد 2024/10/27
مأساة النزوح لن تحل حتى لو توقفت الحرب

باريس- وصلت اللبنانية جمانة سليمان حيدر مؤخرا إلى فرنسا هربا من الحرب في بلادها، وقالت لوكالة فرانس برس “ما زلت أسمع هدير الطائرات الإسرائيلية مخترقة جدار الصوت” وأُعاني “رهابا”.

وقصدت هذه المرأة باريس في 2 أكتوبر مع زوجها جهاد، بعد عشرة أيام على بدء الجيش الإسرائيلي حملة غارات جوية مكثفة على معاقل حزب الله الموالي لإيران في لبنان. وكان الزوجان يرغبان بزيارة أبنائهما في فرنسا والبقاء بضعة أيام، لكنهما مدّدا فترة إقامتهما.

وقال جهاد (64 عاما) بحزن “لم نعد قادرين على المكوث هناك، ولا الذهاب إلى العمل ولا البقاء في المنزل”. وأضاف جالسا في شقة تعود لأبنائه في بولوني في إحدى ضواحي باريس “كنا نسمع القصف طوال الوقت، في شكل شبه يومي”.

لاجئ لبناني في فرنسا: كنا نسمع القصف طوال الوقت، ولم نعد قادرين على المكوث هناك، ولا الذهاب إلى العمل ولا البقاء في المنزل

وكان الزوجان يسكنان في منطقة الزلقا شمال بيروت، حيث أصبح العيش بسلام مستحيلا.

وتابع جهاد “لا يمكن الاعتياد على الحرب. عندما تسمع زوجتي هدير طائرة تختبئ في الحمام”.

وعلى غرار هذا الثنائي، ما زالت آثار الحرب تلاحق كريستيل كبول التي وصلت إلى باريس منذ 13 أكتوبر لمتابعة دراستها الجامعية.

وقالت بصوت مرتجف “في فرنسا، أشعر بالصدمة من أصوات المدينة، وقد أرتجف لدى سماع صوت مترو أو غلق أبواب”.

وأضافت “لم أتمكن من النوم في لبنان. وحاليا تراودني كوابيس وتلاحقني صور أطفال يموتون وتفجيرات، وأعاني الأرق”.

وكانت الشابة البالغة 29 عاما تقطن على بعد بضعة كيلومترات فقط من مكان الغارات الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في 27 سبتمبر.

جان نويل بارو: نحو ثلاثة آلاف مواطن فرنسي "عادوا إلى فرنسا" بسبب الحرب
جان نويل بارو: نحو ثلاثة آلاف مواطن فرنسي "عادوا إلى فرنسا" بسبب الحرب

وقالت كريستيل “سمعت سلسلة تفجيرات كأنها زلزال”. وأضافت “احتميت تحت مكتبي” معترفة بشعورها “بالخوف” و”العجز”.

وأكدت الشابة أنها ترددت كثيرا قبل اتخاذ قرارها العودة إلى باريس، وأن الشعور بـ”الذنب” ينتابها لمغادرة بلدها وخصوصا أنها منضوية في جمعية تقدم الدعم للنازحين اللبنانيين في بيروت.

وبعد عام من تبادل القصف عبر الحدود بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، تحولت هذه المواجهة إلى حرب مفتوحة اعتبارا من 23 سبتمبر حين كثّفت الدولة العبرية غاراتها الجوية على التنظيم المسلّح وبدأت بعد أسبوع من ذلك عمليات برية في جنوب لبنان.

وتقول إسرائيل إنها تريد إبعاد حزب الله من حدودها ووضع حد لإطلاق الصواريخ المتواصل منذ بداية الحرب في غزة، من أجل السماح بعودة نحو 60 ألف نازح إلى شمال إسرائيل.

وفتح حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023 “جبهة إسناد” لحركة حماس عبر الحدود اللبنانية غداة اندلاع الحرب في قطاع غزة بعد هجوم غير مسبوق للحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

وكريستيل والزوجان حيدر من بين لبنانيين قلائل تمكنوا من المجيء إلى فرنسا لأنهم كانوا يتابعون دراستهم هناك أو لحصولهم على تأشيرة دخول قبل اشتداد حدة الحرب.

ومنتصف أكتوبر، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن نحو ثلاثة آلاف مواطن فرنسي “عادوا إلى فرنسا” بسبب الحرب.

وفي حين أكدت فرنسا مرة أخرى على لسان بارو الأربعاء أنها “لن تتخلى عن لبنان”، وأن الخارجية الفرنسية تقوم بمساع لم تنجح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أعرب لبنانيون التقتهم فرانس برس عن استيائهم لعدم تمكن أقاربهم من الحصول على تأشيرات.

وتقيم يارا غربية في بربينيان منذ عام، وتحاول منذ أكثر من شهر إحضار والدتها وشقيقتها الصغيرة إلى فرنسا لكنها لم تنجح.

ويعمل موقع “تي أل أس كونتاكت (TLScontact)، الجهة الوحيدة المخولة بإصدار تأشيرات فرنسية للبنانيين، ببطء.

وقالت يارا “كنا نظن أن فرنسا بجانبنا”. واضطرت عائلة الشابة إلى الفرار من النبطية في جنوب لبنان بسبب القصف الإسرائيلي وتعاني “صدمة”.

وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية بأن موظفي القنصلية في بيروت “وضعوا على أهبة الاستعداد” لمساعدة الرعايا الفرنسيين، لافتة إلى أن خدمة التأشيرات “تركز على الأولويات حاليا”. وتحدثت عن إجراء “مؤقت” دون ذكر المزيد من التفاصيل.

ومع بدء الضربات الإسرائيلية غادر عشرات الآلاف الضاحية الجنوبية وتوزعوا في مناطق داخلية، لكن أغلبهم ذهب إلى سوريا بالرغم من الاستهدافات التي طالت المعبر الحدودي وآخرها يوم الجمعة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت معبرا حدوديا الجمعة تعيق طريق هروب رئيسيا أمام الفارين من النزاع في لبنان بحثا عن ملجأ في سوريا.

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه هاجم “بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله” في معبر جوسية الحدودي، المعروف باسم القاع من الجانب اللبناني، في منطقة البقاع (شرق).

رولا أمين: على الناس أن يفكروا مرتين قبل محاولة عبور الحدود ومدى أمان الطريق الذي يسلكونه
رولا أمين: على الناس أن يفكروا قبل محاولة عبور الحدود ومدى أمان الطريق الذي يسلكونه

وحذرت السلطات اللبنانية من أن معبر جوسية لم يعد صالحا، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقالت رولا أمين المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن “هذا يعيق ويهدد حقا شريان حياة رئيسيا يستخدمه الناس للهروب من النزاع في لبنان والعبور إلى سوريا”.

وأضافت في مؤتمر صحفي في جنيف عبر رابط فيديو من العاصمة الأردنية عمّان أن “هذا هو الطريق الوحيد المتاح أمام هؤلاء الأشخاص للهروب من لبنان”.

ولفتت أمين إلى أن الغارة على جوسية وقعت على بعد 500 متر من مكاتب الهجرة، دون إعطاء إنذار مسبق.

وهذا هو المعبر الثاني الذي يستهدفه الجيش الإسرائيلي هذا الشهر. وكان قد أغار في وقت سابق على معبر المصنع الواقع إلى الجنوب، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة.

وحذرت أمين من أن “هذا يعني أن على الناس أن يفكروا مرتين قبل محاولة عبور الحدود ومدى أمان الطريق الذي يسلكونه”.

ووفقا للأرقام الرسمية اللبنانية، فرّ أكثر من 500 ألف شخص إلى سوريا. وقالت أمين إن نحو 70 في المئة من النازحين عبر الحدود كانوا سوريين، والبقية بمعظمهم من اللبنانيين.

وأضافت “معاناة هؤلاء الأشخاص الذين يعبرون لا تنتهي عند الحدود. ومن المؤسف أن هناك كارثة إنسانية طارئة أخرى تتكشف في الوجهات النهائية التي يعبر إليها هؤلاء الأشخاص”.

وتابعت أمين أن أكثر من 90 في المئة من السكان السوريين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، واصفة الوضع بأنه “كارثي”.

وأشارت إلى أن العديد من النازحين بسبب الحرب ليس لديهم منازل يعودون إليها، بعدما دمر القصف الإسرائيلي قرى وبلدات ومدنا حدودية مثل صور.

6