لبنانيات يكسرن الحاجز النفسي للعمل خادمات في البيوت

أجبرت الأزمة الاقتصادية الحادة وإجراءات الإغلاق بسبب فايروس كورونا اللبنانيين على طرد الخادمات الأجنبيات بعد العجز عن دفع مرتباتهن، وهو ما اضطر بعض اللبنانيات للعمل كمساعدات منزليات محلهن، كما أنه فتح آفاق عمل جديدة للنازحات السوريات.
النبطية (لبنان)- تقصد الشابة ليلى أبوعمر منذ ساعات الصباح الباكر منزل جارتها في الحي الغربي من مدينة النبطية (جنوب لبنان) لتعمل يوميا لمدة 6 ساعات كمساعدة منزلية.
وترددت أبوعمر (21 عاما) كثيرا قبل أن تقدم على هذه الخطوة التي لم تكن واردة في حساباتها يوما.
ووفقا لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، قالت أبوعمر بينما كانت تحاول حبس دموعها “رغما عني أعمل في مهنة غير مناسبة لي”، مؤكدة أن “اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية وارتفاع الأسعار الجنوني وإقفال الآلاف من الشركات والمؤسسات وانحدار أمورنا المعيشية دفعني لهذا الخيار”.
وشددت الفتاة العشرينية على أن وظيفة المساعدة المنزلية كانت حتى الأمس القريب تقتصر على الفتيات الأجنبيات. ويشهد لبنان انهيارا اقتصاديا متسارعا هو الأسوأ منذ عقود.
ويتزامن مع شحّ في الدولار وقيود مصرفية مشددة على سحبه، ما جعل شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يستقدمون عمالا أجانب للخدمة المنزلية أو لمؤسساتهم، عاجزين عن دفع الرواتب بالدولار. وبات بعضهم يدفع بالليرة اللبنانية التي تدهورت قيمتها وبات تحويلها إلى الدولار عملية خاسرة للعمال الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم.
وبحسب ناشطين ومجموعات مدافعة عن حقوق العمال الأجانب، تكررت منذ مطلع العام الحالي ظاهرة تسريح الخادمات أو إعادتهن إلى المكاتب التي استقدمتهن مع العجز عن دفع رواتبهن حتى بالعملة المحلية، خاصة بعد فقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين عملهم أو لجزء من رواتبهم.
وبدأ لبنان منذ مايو الماضي تسيير رحلات “عودة طوعية” للعمال الأجانب المتضررين جراء الأزمة إلى بلدانهم بالتنسيق مع السفارات. ونقلت أولى الرحلات رعايا إثيوبيين
ومصريين.
وأوضحت جهينة عليان، التي تعمل في مجال توفير فرص العمل للفتيات والسيدات اللواتي يرغبن في العمل كمساعدات منزليات، أن فرص العمل في المنازل لمواطنات لبنانيات كمساعدات منزليات توفرت بعدما تخلت الكثير من الأسر اللبنانية عن المساعدات الأجنبيات بسبب تقاضيهن لأجورهن بالدولار الأميركي الذي بلغ سعر صرفه مقابل الليرة اللبنانية مستويات قياسية.
وكشفت عليان (24عاما)، الحائزة على إجازة في العلوم الاجتماعية، أن راتب المساعدة المنزلية الشهري يتراوح بين 200 و250 دولارا أميركيا ما يعادل نحو مليوني ليرة لبنانية بعد بلوغ سعر صرف الدولار إلى حدود 8 آلاف ليرة في السوق السوداء.
وأدى هذا الارتفاع إضافة إلى عجز المواطن اللبناني عن تأمين الدولار الأميركي في المصارف بالسعر الرسمي المحدد بـ1515 ليرة لبنانية إلى قيام الكثير بإنهاء عقود عمل المساعدات المنزليات الأجنبيات.
وقالت الفتاة الثلاثينية جميلة الصغير إنها تعمل مساعدة منزلية في مدينة مرجعيون، مؤكدة “تجاوزت كل الحواجز النفسية والاجتماعية من أجل لقمة العيش الحلال لعائلتي”. وأضافت “أعمل 5 أيام أسبوعيا كمساعدة منزلية وقد اعتدت على هذا النمط من العمل، علما أني توجهت إليه بعدما ضاقت بنا سبل الحياة”.
وفاقمت الأزمة الاقتصاديّة ثم إجراءات الإغلاق التي اتُخذت لمنع انتشار فايروس كورونا المستجدّ من معاناة اللبنانيين والعمال الأجانب على حدّ سواء.
وتابعت الصغير “في ظل الأزمة الاقتصادية وتفشي فايروس كورونا، طرد زوجي من عمله في مصنع للحلويات بعدما كان يتقاضى مليون ليرة كراتب شهري.. أمام صعوبة الوضع الاقتصادي والغلاء المتفاقم في أسعار مختلف السلع لم يعد أمامي سوى العمل في المنازل لتأمين جانب من متطلبات عائلتي المؤلفة من 5 أفراد”.
وأفادت سليمة راشد، وهي أم لخمسة أطفال، أن زوجها طرد من عمله في محل للألبسة الرجالية، حيث كان يتقاضى مليون و200 ألف ليرة لبنانية.
وأكدت راشد “أجيد العمل في المنازل وأمضي 6 ساعات يوميا في تنظيف وترتيب المطابخ والغرف وفي غسل الثياب وجلي الصحون والأواني مقابل 7 آلاف ليرة لبنانية لكل ساعة عمل”. وأشارت إلى أن “العمل متوفر بكثرة وأجد نفسي عاجزة على تلبية كل الزبائن ذلك أن الطلب على المساعدات اللبنانيات يفوق العرض”.
أما فاطمة فحص، والتي تقطن في شقة عند المدخل الشرقي لبلدة كفررمان، “لقد تخليت كما الكثير عن المساعدة المنزلية الأجنبية بعد تفاقم الأزمة الحياتية وفقدان الدولار من السوق وارتفاعه الجنوني”.
وأضافت فحص “لقد استسلمت إلى الواقع المعيشي الجديد، حيث بات راتب زوجي العامل في شركة بناء يساوي 250 دولارا أميركيا بفقدان حوالي 70 في المئة من قيمته تبعا لهبوط قيمة العملة الوطنية”.
وقالت “تعاونني مساعدة منزلية 3 مرات في الأسبوع بأجر لا يتعدى 100 ألف ليرة لبنانية وهو مبلغ مقبول في ظل الظروف التي يمر بها البلد”، لافتة إلى أن “التخلي عن المساعدة المنزلية الأجنبية خطوة لا بد منها مع تفاقم الوضع المعيشي”.
العديد من مكاتب استقدام الخادمات الأجنبيات اضطرت إلى إقفال أبوابها، وما بقي يعمل منها تدنت أعماله إلى أدنى المستويات
ووسط هذا الوضع اضطرت العديد من مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في المساعدة المنزلية إلى إقفال أبوابها، وما بقي يعمل منها تدنت أعماله إلى مستويات لم تشهدها من قبل.
وقال زياد سريوي، وهو مدير أحد مكاتب استقدام الخادمات الأجنبيات في المساعدة المنزلية بمدينة مرجعيون، إن “الطلب تقلص بنسبة 90 في المئة على العاملات ولم يعد بمقدورنا سداد بدل إيجار المكتب ومرتبات العاملين فيه”.
وتابع سريوي “ما حصل كان ضربة قاسية وقاتلة لهذا القطاع، والاستغناء عن المساعدة المنزلية الأجنبية جاء لصالح اللبنانيات والنازحات السوريات اللواتي دخلن بقوة للعمل في هذا المجال”.
وكان عدد العاملات المنزليات في لبنان قد وصل إلى نحو 200 ألف تقريبا بحسب وزارة العمل بينهم أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل تتحدر غالبيتهن العظمى من إثيوبيا والفلبين وبنغلاديش وسريلانكا ودول أفريقية أخرى وتقدر تحويلاتهن السنوية إلى بلادانهم بنحو 400 مليون دولار أميركي.
ويواجه لبنان أزمات متعددة ومتشابكة اقتصادية ومالية ومعيشية أدت إلى تزايد الفقر والبطالة والتضخم المالي وانهيار العملة الوطنية، وترافق ذلك مع ارتفاع الإصابات بكورونا وكارثة انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع 191 ضحية و6 آلاف و500 جريح وأضرار مادية ضخمة قدرت بنحو 15 مليار دولار أميركي.