لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
واضح للعيان أننا أصبحنا نعيش في عالم مكشوف. وقد ساهمت تقنيات التّواصل الحديثة في انكشاف الخفايا وانفضاح الأسرار تباعا تباعا، وعلى الأرجح لن يبقى هناك في المستقبل القريب من مجال للتقية والكتمان.
مناسبة القول، تلك الأرقام التي كشف عنها موقع غوغل والتي تؤكد تزايد إقبال المغاربة بنحو غير اعتيادي على المواقع الإباحية (البورنوغرافية) مباشرة بعد الإفطار في شهر الصيام. إنها معطيات تسائل إحدى فرضيات فلسفة الدين الأكثر شيوعا والتي تعتقد بأنّ الوظيفة الأساسية للدين تهذيب الغرائز عبر آليات التّحريم.
والسّؤال الآن، هل استطاعت آليات التّحريم الديني عندنا كبح جماح الغرائز أم أنها أذكتها وأطلقت لها العنان؟
الأمر لا يقتصر على الجنس وإنّما يطال سائر “الشّهوات” الأخرى. ولعل النّهم الكبير بعد الإفطار على وجبات الأكل الدّسمة والأطعمة الثقيلة إلى حد التخمة أحيانا – وهي ملاحظة لا تخطئها العين- يعني أن الامتناع عن شهوة الأكل وشهوة الشرب لعدّة ساعات قد
لا يساعد الإنسان بالضرورة على التحكم في “شهوة البطن”، بل عكس ذلك قد يحدث انفجار مدو للشهوات وعربدة سافرة للغرائز بنحو يصعب تحمله أو التحكم فيه.
فلماذا تنتهي محاولة كبح الشهوات في ساعات النهار إلى انفجارها في ساعات الليل؟ وعموما، لماذا يتسبّب الإفراط في التديّن في دغدغة الغرائز الشّهوانية بنحو مفرط أحيانا؟
لا أذكر من قالها لكنه قالها: إن الشعوب الأكثر تحريما للجنس هي الأكثر هوسا به. ونود أن نفتح قوسا لتوضيح أن إحصائيات غوغل لا تتضمن دولا عربية تحجب المواقع الإباحية بشكل رسمي. وهذا ما يجعلنا محرومين من معطيات إحصائية قد تكون مذهلة ومفيدة في نفس الآن.
عموما، يعكس واقع الأمر أزمة الخطاب الديني السائد والذي يدعو إلى القضية فيتحقّق نقيضها، يدعو إلى الإكثار من الصوم فيزداد النّهم، يدعو إلى توخي العفّة فيزداد التحرّش، يدعو إلى الإفراط في الورع فيزداد العنف، يدعو إلى التزام الطاعة والجماعة فتزداد الفرقة بين الناس وتشتعل الفتنة.
ما سبب ذلك؟ باختصار يكمن الخلل في أن الإكراه، سواء أكان إكراها باسم الدين أم باسم غير الدين، يفسد طبيعة الإنسان ويشل ضميره وينتج أخلاق النفاق والتقية والكتمان، وبهذا النّحو يفقد الشخص القدرة على التحكم في أهوائه وتدبير سلوكه بنحو سليم.
وللخروج من هذا المأزق هناك باب يعرفه الكثيرون ويغفله الكثيرون؛ “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” صدق الله العظيم.