"لا يفهموننا": صرخة جيل ناقم يعبّر عن غضبه بالعنف والجريمة

جرائم القتل والعنف غير المميت تلحق آثارا خطيرة بوظائف الشباب النفسية والاجتماعية.
الأحد 2018/12/23
العنف وسيلة للحوار

معدلات خطيرة تسجلها أرقام العنف والجريمة لدى الشباب على المستوى العالمي، وتزيد في المجتمعات التي يشكّل فيها الشباب نسبة كبيرة من المجتمع مثل الدول العربية، مع غياب دور الجهات المعنية التي تستوعب مشكلاتهم واحتياجاتهم، وابتعاد المجتمع عموما عن لغة الحوار وتفهم الآخر.

تونس - يمثّل عنف الشباب مشكلة عامة عالمية، تبدأ من التنمّر والشجار مرورا بالاعتداءات الجنسية والجسدية إلى الجرائم على اختلاف أنواعها، لكن نسبتها تتفاوت بين بلد وآخر. ولعل المنطقة العربية تحظى بنسبة كبيرة منها نظرا إلى أن شعوبها فتية أولا، ثم إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تسبّبت في نقمة فئة واسعة من الشباب وانقيادهم للعنف.

ويُسجّل، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، كل عام في جميع أنحاء العالم، حدوث نحو 200 ألف جريمة قتل بين الشباب من الفئة العمرية 10-29 سنة، ممّا يمثّل 43 بالمئة من العدد الإجمالي لجرائم القتل التي تحدث سنويا على الصعيد العالمي.

وتتباين معدلات القتل التي تُسجّل بين الشباب، بشكل كبير، بين البلدان وداخلها. غير أنّ الذكور يشكّلون، في كل البلدان، معظم مقترفي جرائم القتل وضحاياها. أمّا معدلات جرائم القتل المُسجّلة بين الإناث فهي أكثر انخفاضا بكثير في كل الأماكن تقريبا. وتقول منظمة الصحة إن معدلات جرائم القتل انخفضت في صفوف الشباب في معظم البلدان بين عامي 2000 و2012، إلا أن مستوى هذا الانخفاض في البلدان مرتفعة الدخل كان أعلى من المستوى المسجّل في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

وهناك، مقابل كل شاب يُقتل، 20 إلى 40 شابا يتعرّضون لإصابات تقتضي دخولهم المستشفى لتلقي العلاج. وتنطوي الإصابات العنيفة غير المميتة على هجمات بالأسلحة النارية، يقلّ عددها بكثير عما يُسجّل في الاعتداءات المميتة، وعلى استعمال أكبر للأيدي والأقدام والسكاكين والعصي.

البداية بالتنمر

تتعرّض نسبة كبيرة من الشباب أيضاً للعنف الجنسي. فقد بلغت 3 بالمئة إلى 24 بالمئة من النساء المشمولات بالدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية في بلدان متعدّدة بشأن صحة المرأة والعنف الممارس ضدّها في البيت، بأنّ أوّل تجربة جنسية عشنها كانت قسرية.

ومن الملاحظ أنّ الشجار والتنمّر من الظواهر الشائعة أيضا بين الشباب. فقد أظهرت دراسة أجريت في 40 بلدا ناميا أنّ معدلات تعرّض الذكور للتنمّر تراوحت بين 8.6 بالمئة إلى 45.2 بالمئة، في حين تراوحت معدلات تعرّض الإناث له بين 4.8 بالمئة و35.8 بالمئة.

العنف ينتشر بين الشباب في الملاعب وفي الحملات الانتخابية بين الأحزاب، في الشارع والأسرة والمؤسسات التربوية

ولا تسهم جرائم القتل وحالات العنف غير المميتة المُسجّلة بين الشباب بقدر وافر في العبء العالمي الناجم عن الوفيات المبكّرة والإصابات والعجز فحسب، بل تلحق آثارا خطيرة أيضاً بوظائف الشخص النفسية والاجتماعية تدوم مدى الحياة في غالب الأحيان. ويمكن أن يؤثّر ذلك على أُسَر الضحايا وأصدقائهم ومجتمعاتهم المحلية.

ويزيد عنف الشباب، بشكل كبير، من التكاليف الصحية وتكاليف خدمات الرعاية والعدالة الجنائية؛ ويتسبّب في خفض الإنتاجية وتراجع قيمة الممتلكات وتفكيك النسيج الاجتماعي عموماً.

ظاهرة متفشية

إذا كانت هذه الإحصاءات تتناول الظاهرة عالميا، فإن الدول العربية تفتقر لأرقام دقيقة حول المشكلة، وتقتصر على القضايا التي تصل إلى أقسام الشرطة، رغم تفشّيها وسط المراهقين والشباب، في حين أن الكثير منها يبقى بعيدا عن أعين القضاء أو المراكز الاجتماعية المختصّة لعدم إبلاغ الضحايا عنها وتستر العائلات على أبنائهم، وبشكل خاص في قضايا العنف ذات الطابع الجنسي.

وأكد المستشار العسكري لرئيس الجمهورية التونسية كمال العكروت أن 48 بالمئة من القابعين في السجون التونسية هم من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة.

كما صرّح العكروت خلال الندوة الدولية لحماية الشباب من الانحراف والإجرام، أن 58 بالمئة من الشباب متهمين بقضايا سرقة و32 بالمئة متورطين في قضايا عنف، بالإضافة إلى مستهلكي الحشيش والمخدرات.

وأوضح أن أهم أسباب ارتفاع نسبة الجريمة والانحراف في تونس تعود إلى حالة التسيب خاصة بعد ثورة 14 يناير 2011.

ويقول متخصّصون في علم الاجتماع أن العنف ينتشر بين الشباب في المجتمع التونسي فهو موجود في الملاعب وفي الحملات الانتخابية بين الأحزاب، في الشارع والأسرة والمؤسسات التربوية وحتى في العيادات الإسعافية.

ويعتبر عزيز مقراني الباحث في علم الاجتماع، أن أسباب العنف والجريمة بين الشباب التونسي بشكل خاص تعود إلى تداعيات الأزمة السياسية والاقتصادية، التي تسبّبت في غياب الحلم لدى الشباب، وإهمال المسؤولين لمشاكل الشباب واحتياجاتهم، فمعظم المناصب الهامة بالدولة بيد كهول وشيوخ لا بيد الشباب، في حين أن الدول المتقدمة نجد أنها تتجه بشكل متزايد نحو ترسيخ السلطة بيد الشباب في المناصب الهامة”.

الإصابات لها تداعيات أخرى غير واضحة
الإصابات لها تداعيات أخرى غير واضحة

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لا يمكن استثناء الأسباب الاجتماعية والبيئة التي ساهمت في زيادة هذا السلوك، فلا توجد لغة للحوار بين مختلف النماذج الاجتماعية، ويظهر جليّا التعصّب للرأي والموقف ويزداد الشرخ اتساعا بين أصحاب النظرة الحداثية، وأولئك المتمسّكين بنظرة تقليدية قد تصل حدّ التطرف، ما جعل العنف هو الخطاب السائد”.

وينصح المختصّون في التربية والخبراء، الآباء والأمهات بتنشئة أبنائهم على احترام الآخر واحترام حقه في الحياة، وكذلك على المحبّة بين أفراد الأسرة الواحدة. ويؤكدون على ضرورة النأي بأبنائهم عن أجواء التوتر والعنف اللفظي والمادي داخل العائلة ومع الأقارب مع توفير الإحاطة والرعاية النفسية في كافة المراحل العمرية. كما ينصح المختصّون بتدريب المراهق على الحوار والقبول بالرأي المخالف في الأسرة وخارجها، لكي لا يلجأ إلى لغة الجسد والعنف.

ويعتبر الكثير من الشباب أن مشكلتهم الأساسية تتمثّل بعدم الاستماع لهم ومحاولة تفهّم احتياجاتهم، فالأهل يمارسون ضغوطا كبيرة بشأن مستقبلهم، وخاصة في ما يتعلق بالدراسة، ويقول الشاب مصطفى المحمود (22) من دمشق، إن طاقات الشباب لا حدود لها، وهناك مجالات أخرى غير الدراسة مثل الموسيقى أو الرياضة أو الفن، لكن لا توجد مجالات في بلادنا لاستيعاب طاقاتهم، مع غياب دور الجهات المعنية، مما يبعث النقمة في نفوس الشباب ويصبح انقيادهم للعنف والجريمة سهلا”.

ساحات القضاء

يتابع المحمود “نحن بحاجة إلى متخصّصين في المؤسسات التربوية للاهتمام بالمشكلات النفسية والاجتماعية للشباب ودراستها، ومحاولة مساعدتهم على تجاوزها قبل أن تتحوّل هذه المشكلات إلى أزمات تهز كيان المجتمع برمّته”.

وتصل إلى ساحات القضاء الكثير من الحالات التي تورّط فيها شباب بجرائم مختلفة، وغالبا ما يكون القاسم المشترك البطالة، إضافة إلى أسباب أخرى تعود للتنشئة الاجتماعية مثل الانتماء إلى أُسَر محدودة الدخل أو مفكّكة ما يسفر عن دفع الأبناء إلى البحث عن الاهتمام المفقود في الشارع، وإهمال الوالدين لدورهم الأساسي في ظل السعي وراء متطلبات الحياة العصرية، وهو أحد سبب استفحال الظاهرة في الوقت الراهن.

وتتعلق نوعية الجرائم التي يرتكبها المراهقون والشباب بالسرقة والمخدرات أو القتل، وهي من القضايا التي تطرح يوميّا في المحاكم، وأصبح تفشي الإجرام في وسط المراهقين والشباب عامة ظاهرة ملفتة في المجتمع، وتعتبر هذه الظاهرة عنوانا لمشكلة فراغ ترافقت مع متغيّرات أخرى على غرار سوء التربية والمشكلات الاجتماعية، مما يدفع الشباب إلى توظيف طاقاتهم في الإجرام.

وكشفت الجهات المختصة في الأردن عن أرقام قالت إنها “صادمة” و”مقلقة”، إذ تشير الأرقام إلى ازدياد نسبة الجريمة في الأردن على اختلاف أنواعها، وخصوصا في السنوات الأخيرة، لا سيما في العامين 2016 و2017.

دور الأسرة والمجتمع مهم للإحاطة بالشباب
دور الأسرة والمجتمع مهم للإحاطة بالشباب

وأكد المختص في علم الاجتماع عبدالله الساكت أن “الثورة المعلوماتية في وسائل نقل وعرض المعلومات، وخاصة وسائل الإعلام غير المسؤولة، ساهمت في الإخلال بمنظومة القيم لدى الشباب من خلال انتشار أفلام العنف والجنس، والترويج للقيم والثقافات الأجنبية دون مراعاة للقيم والأعراف المحلية والدينية”.

ويشير المحامي عادل مهنا إلى أن أغلب الجرائم بين الشباب هي السرقة ثم النصب فالاحتيال وخيانة الأمانة، ومؤخرا بدأت تظهر جرائم القتل ما يجعل الأمر يسير نحو الخطورة، لتدارك ما قد يستفحل في الأعوام المقبلة.

وقال مهنا في تصريح لـ”العرب”، إن العديد من الباحثين أشاروا إلى دور الأسرة والمجتمع، وحتى إلى سلبيات دخول التقنيات الحديثة كأسباب لاستفحال هذه الظاهرة إلا أن القليل منهم بحثوا في الأسباب الشخصية للشباب خصوصا في هذه المرحلة من العمر مثل الأسباب النفسية والصحية كقلة النوم التي تمنع وصول الدم إلى المخ فتجعل الإنسان مرتبكا، إضافة إلى نوعية الغذاء السريع الذي يتناوله أغلب الشباب لأن معظمه دهون وهرمونات ومواد حافظة تؤثر في الجسد والمخ فلا يستطيع الفرد التفكير بشكل سليم.

وأضاف أنه يوجد نمطان أساسيان في مجال الوقاية من الجريمة: أولا الوقاية الاجتماعية: وهذا النوع من الوقاية يركز على العوامل الاجتماعية والاقتصادية المسببة للجريمة وكيفية معالجتها عن طريق التربية السليمة والتعليم والتثقيف وتوفير العمل والسكن وملء أوقات الفراغ للشباب وغيرها من برامج اجتماعية موجهة.

وثانيا: أهمية الوقاية الشخصية التي تنصبّ الجهود فيها على فئات اجتماعية معرّضة للوقوع في الجريمة أو التي تكثر الجريمة في أوساطها أو التركيز على الأنماط الإجرامية المرتفعة في المجتمع. فالشاب الممارسون للسلوك الإجرامي لديهم معتقدات وأفكار معينة تهيئ لهم إرادة السلوك الإجرامي بالإضافة إلى ضرورة توافر الفرصة المناسبة لإحداث هذا السلوك والمقدرة من خلال ضعف الرقابة الأمنية وتوافر عناصر الجريمة.

فيجب أن تكون جهود الوقاية في مجملها متركزة على تقليل الفرص لممارسة السلوك الإجرامي لدى الأشخاص عموما والشباب خصوصا، ويجب أن تنطلق من الجهود الرامية إلى تقزيم الإرادة الإجرامية لدى الأشخاص، بحيث تتلاشى هذه الإرادة منذ البداية.

19