لا مكان آمنا يلجأ إليه النازحون في غزة

غزة - "للمرة الثالثة يطلب منا الجيش الإسرائيلي النزوح بشكل فجئي دون حتى أن يترك لنا مجالا لأخذ أغراضنا معنا"، بهذه الكلمات راحت تصرخ حليمة بركة قبيل هربها مع طفلتها الصغيرة من مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة تنفيذا لأمر الجيش الإسرائيلي بالإخلاء فورا. وكانت حليمة قد لجأت إلى منزل أقاربها في المخيم المكتظ بالسكان اللاجئين والنازحين قبل خمسة أيام فقط عقب طردها وعائلتها من بقايا منزلهم في بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وتتساءل حليمة (47 عاما)، وهي امرأة مطلقة وأم لطفلة وحيدة، لوكالة الأنباء الألمانية بينما كانت تحث خطاها في طريق مدمر "ماذا يريدون (الجيش الإسرائيلي) منا؟ أين نذهب؟ وكيف ننجو؟ وإلى متى سنبقى نعيش في ظل هذه الظروف المأساوية؟". وكانت حليمة أجبرت على النزوح أكثر من عشر مرات منذ بدء الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي. فيما فقدت منزلها في قصف إسرائيلي سابق استهدف الحي الذي تسكن فيه.
ولكن هذه المرة تشتكي المرأة المكلومة من أنها تركت في العراء دون حتى أن تجد مكانا تلجأ إليه بعد ساعات من السير على قدميها مع طفلتها. وتقول "من شدة التعب والإرهاق جلست على قارعة الطريق مع طفلتي لننام ونحن جالستين". وكان الجيش الإسرائيلي قد طالب مساء الأحد سكان مناطق وسط قطاع غزة بالإخلاء الفوري، في أعقاب إطلاق قذائف صاروخية تجاه إسرائيل.
◙ الدعوة إلى إخلاء المناطق الشرقية للبريج تأتي بعد مرور أيام قليلة على إخلاء المناطق الشرقية من مدينة خان يونس
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في بيان نشره عبر منصة إكس إنه “في أعقاب إطلاق قذائف صاروخية من قبل المنظمات الإرهابية من بين السكان في منطقة البريج والشهداء سوف يعمل جيش الدفاع بقوة ضد العناصر الإرهابية التي تنشط هناك”. وأضاف أن “الجيش يدعو السكان المتواجدين في منطقة البريج والشهداء في بلوكات 660، 661، 2220 – 2225، 2348 إلى الإخلاء فورًا من أجل سلامتهم إلى المنطقة الإنسانية المستحدثة في المواصي”.
حليمة هي من بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين اضطروا إلى النزوح (غالبيتهم لأكثر من 10 مرات) بعدما أبلغهم الجيش بأنهم يجب أن يغادروا أماكن سكناهم قبل استهداف عناصر ومقاتلين فلسطينيين في حماس والفصائل المقاومة. ويأتي إخلاء المناطق الشرقية للبريج بعد مرور أيام قليلة على طلب الجيش من سكان المناطق الشرقية لمدينة خان يونس الإخلاء فورا، ما دعا منظمات أممية إلى التعبير عن مخاوفها من تضاعف الأزمات الإنسانية بين النازحين.
وكما هو الحال في نزوح خان يونس، اكتظت الشوارع الرئيسية والفرعية في البريج بسيل من العائلات، من بينها رجال ونساء وأطفال خرجوا من منازلهم تحت الهجمات بحثا عن مكان آمن، وفق شهود عيان محليين. ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة إلى محمد أبوالهيجا (25 عاما) من معسكر جباليا للاجئين والذي نزح إلى الجنوب منذ أكثر من ثمانية أشهر، حيث فقد 15 من أفراد عائلته في قصف منطقة المواصي في 13 يوليو الماضي. وعلى الرغم من أن الحظ حالف أبوالهيجا ونجا من موت محقق في حال كان متواجدا في الخيمة مع عائلته في الخيمة إلا أنه “يتمنى الموت في كل لحظة على الأقل ليذهب إلى عائلته في العالم الآخر”، كما يقول.
وبحسرة يقول “نحن نهرب من مكان إلى مكان مع ما تبقى معنا من أحباب إلا أنه لا مكان آمنا في قطاع غزة… الموت يحاصرنا في كل مكان”. ومن جانبه اتهم مصطفى إبراهيم (خبير حقوقي) إسرائيل بأنها تستعمل أسلوب العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في محاولة للضغط على حماس وفصائل المقاومة سياسيا. ويضيف إبراهيم “هذا العقاب الجماعي هدفه بشكل أساسي هو إهانة جميع الفلسطينيين في قطاع غزة وأن يتم إقناعهم بأنه لا يوجد أي مكان آمن في القطاع سواء كان في زمن الحرب أو حتى بعدها وبأن إسرائيل هي فقط من يمكنها أن توفر الأمان لهم (إن أرادت)”.
وأوضح إبراهيم أن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ومؤسسات الدولة الفلسطينية سوف تلاحق إسرائيل قانونيا على المستوى الدولي لتتم معاقبتها رسميا على الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية في قطاع غزة. ومن جهة أخرى قال المرصد الأورومتوسطي في بيان سابق بأن “سياسة النزوح الإجباري تنتهك أكثر قواعد القانون الدولي رسوخًا وإلزامًا، العرفية منها والمكتوبة، إلى الحد الذي يصل إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بالإضافة إلى جريمة الإبادة الجماعية”.
وأكد المرصد أن استهداف إسرائيل بشكل منهجي وواسع النطاق الأعيان المدنية، لاسيما الثقافية والدينية منها، وإيقاع أعداد كبيرة من الضحايا وإلحاق الدمار والخسائر المادية كشكل من أشكال الانتقام والعقاب الجماعي، يعد مخالفًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف (1949)، ويرقى إلى جرائم حرب طبقًا لميثاق روما الناظم للمحكمة الجنائية الدولية.
وذكر أن إسرائيل انتهكت بشكل صارخ التزاماتها إزاء أحكام القانون الدولي الإنساني التي تقضي بحظر الإضرار بالممتلكات “كوسيلة وقائية” ومنع تدمير الممتلكات لتحقيق الردع حتى في حالات الضرورة العسكرية. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تخوض إسرائيل حربا ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلفت دمارا واسعا وأزمة إنسانية، بعد أن شنت حماس هجوما مباغتا على عدد من القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود مع القطاع أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي.