لا مفاجآت بعد انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون

تتبع السعودية رؤية جديدة تقوم على إستراتيجية تنويع الشركاء بانفتاحها شرقا على فضائها الآسيوي، دون التخلي عن تحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة. وكشفت التغيرات الأخيرة أن واشنطن باتت عاجزة عن إبعاد الرياض عن نفوذ بكين التي لطالما كانت شريكا اقتصاديا كبيرا للمملكة، لكنها شريك يحترم سياستها الداخلية ولا يمارس عليها أي نوع من الضغوط كتلك التي تمارسها الولايات المتحدة.
واشنطن - تراقب الولايات المتحدة بحذر تعزيز الصين نفوذها وشراكتها مع المملكة العربية السعودية، أكبر حليف لها في منطقة الخليج، رغم أنها قللت من أهمية انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تعتبر إحدى الهيئات التي تقودها بكين وموسكو، لكسر الهيمنة الغربية سياسيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا.
والأسبوع الماضي أعلنت السعودية موافقة مجلس وزرائها على قرار الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفة “شريك حوار”.
ويرى المحلل سايمون واتكينز في تحليل لموقع أويل برايس الأميركي أن كل هذا مثّل أبرز دلالة على أن أي جهود أميركية لإبقاء الرياض خارج دائرة النفوذ الصيني – الروسي لم تعد مجدية.
وتعد منظمة شنغهاي للتعاون أكبر منظمة إقليمية سياسية واقتصادية ودفاعية في العالم من حيث النطاق الجغرافي والسكان. فهي تغطي 60 في المئة من المنطقة الأوروبية – الآسيوية (أكبر كتلة برية في العالم)، و40 في المئة من سكان العالم، وأكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتتبنى منظمة شنغهاي للتعاون فكرة “العالم متعدد الأقطاب” الذي تتوقع الصين الهيمنة عليه بحلول 2030. وشهدت فترة نهاية ديسمبر 2021/بداية يناير 2022 اجتماعات في بكين، بين كبار المسؤولين في الحكومة الصينية ووزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، تهدف إلى إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وصياغة خطة “تعاون إستراتيجي أعمق في منطقة تُظهر فيها الهيمنة الأميركية علامات تراجع”.
وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن “منظمة شنغهاي للتعاون تعمل على إنشاء نظام عالمي عقلاني وعادل… وتوفر لنا فرصة فريدة للمشاركة في عملية تشكيل نموذج أساسي جديد من التكامل الجغرافي السياسي”.
كما تعمل المنظمة على توفير التمويل والشبكات المصرفية لدولها الأعضاء وتعزيز تعاونها العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية وأنشطة مكافحة الإرهاب فيما بينها.
وتقدمت الولايات المتحدة نفسها بطلب للحصول على “صفة مراقب” في منظمة شنغهاي خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنها لاقت الرفض في 2005.
ويرى محللون أن التقارب السياسي والاقتصادي بين بكين والرياض تمت هندسته في ديسمبر الماضي، ويتم تنفيذه خطوة بخطوة، خاصة وأن الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، ومصالحهما ممتدة.
كما أن استثمار السعودية لمليارات الدولارات في السوق الصينية يمكن أن يسرّع انضمامها إلى منظمة شنغهاي واللحاق بإيران، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الغريمين الهند وباكستان، ما من شأنه تعزيز أمن الطاقة في منطقة الخليج وفتح مجالات أوسع للتعاون، وإعادة بناء عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن الهيمنة الأميركية.
منظمة شنغهاي للتعاون تعد أكبر منظمة إقليمية سياسية واقتصادية ودفاعية في العالم من حيث النطاق الجغرافي والسكان
وتدفع الضغوط الأميركية على السعودية، بسبب ملفي حقوق الإنسان وطلب زيادة إنتاج النفط، الرياض أكثر نحو تعزيز علاقاتها مع الصين التي لا تتدخل في قضاياها الداخلية. لكن بكين حريصة على إقناع السعودية بتسعير البترول باليوان الصيني في بورصة شنغهاي، بدل الدولار، والرياض لا تمانع في تسعير جزء من صادراتها النفطية باليوان، خاصة وأن الصين شريكها التجاري الأول.
ويقول المحلل واتكينز إنه لا ينبغي أن يتفاجأ أي شخص كان يراقب التطورات في المملكة منذ صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال 2015 بهذه الخطوة الأخيرة التي اتخذتها السعودية بعيدا عن الولايات المتحدة وفي اتجاه المحور الصيني – الروسي.
ولم يكن الأمير محمد بن سلمان حينها ولي العهد المعين، حيث كان هذا منصب محمد بن نايف. وكان بن سلمان نائبا لولي العهد. وكانت الفترة التي قضاها وزيرا للدفاع صعبة، مع التصعيد الدراماتيكي للحرب ضد الحوثيين في اليمن. ودفع هذا دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية إلى تسريب تقرير تقييم داخلي مختصر لمحمد بن سلمان إلى العديد من أعضاء الصحافة الموثوق بهم. وحدد أن المملكة العربية السعودية تبنّت في عهد بن سلمان سياسة تدخل تتسم بالاندفاع والتسرع.
جاء الأمير محمد بن سلمان بفكرة اعتقد أنها ستستميل كبار السعوديين الذين دعموا منافسه حتى يتسنى له نيل منصب ولي العهد. تمثلت تلك الفكرة في طرح عام أولي لحصة في أرامكو السعودية.
التقارب السياسي والاقتصادي بين بكين والرياض تمت هندسته في ديسمبر الماضي، ويتم تنفيذه خطوة بخطوة
ويرى واتكينز أنه كان للفكرة نظريا العديد من العوامل الإيجابية التي تفيد الأمير محمد بن سلمان. أولا، كانت تمكّن من جمع الكثير من الأموال التي احتاجتها المملكة لتعويض الأثر الاقتصادي الكارثي الذي خلفته حرب أسعار النفط 2014 – 2016. ثانيا، ربما كان هذا أكبر طرح عام أولي على الإطلاق، بما يعزز سمعة السعودية واتساع أسواقها المالية وعمقها. ثالثا، يمكن ضخّ الأموال الجديدة في خطة “رؤية 2030” التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد على صادرات النفط والغاز.
عرض الأمير محمد بن سلمان الفكرة على أبرز الشخصيات السعودية بناءً على أهداف معيارية محددة. أولا، يشمل التعويم 5 في المئة من الشركة. ثانيا، يؤدي هذا إلى جمع ما لا يقل عن 100 مليار دولار، مما سيجعل قيمة الشركة بأكملها تصل إلى نحو 2 تريليون دولار. ثالثا، يكون الإدراج في سوق الأوراق المالية المحلية وفي واحدة على الأقل من أكبر أسواق السندات في العالم. وكان ولي العهد يفكّر في بورصة نيويورك وبورصة لندن. لكن لم يتحقق أي هدف من هذه الأهداف مع تحديد المعلومات عن أرامكو السعودية للمستثمرين الدوليين بأنها عبء على الصعيدين المالي والسياسي.
تدخلت الصين في تلك المرحلة بعرض لإنقاذ الأمير محمد بن سلمان، وهو ما يعتبر واتكينز أنه لم ينسه أبدا على ما يبدو. وكان العرض هو أنها ستشتري الحصة البالغة 5 في المئة بالكامل مقابل الـ100 مليون دولار المطلوبة في طرح خاص، مما يعني عدم الإعلان عن أي تفاصيل محرجة حول الصفقة، بما في ذلك لأبرز الشخصيات السعودية التي عارضت الأمر. ورغم رفض العرض لعدم رغبة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في عزل الولايات المتحدة
الضغوط الأميركية على السعودية بسبب ملفي حقوق الإنسان وطلب زيادة إنتاج النفط تدفع الرياض أكثر نحو تعزيز علاقاتها مع الصين
أكثر مما حدث بسبب إطلاق حرب أسعار النفط 2014 – 2016 بهدف تدمير قطاع النفط الصخري الأميركي الناشئ آنذاك، توطدت العلاقة بين الرياض وبكين منذ ذلك الحين.
وقبل أقل من سنة من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، كانت المملكة متحالفة بالفعل مع الصين إلى درجة حضور الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية أمين الناصر منتدى التنمية الصيني السنوي الذي استضافته بكين وقوله إن “ضمان الأمن المستمر لاحتياجات الصين من الطاقة يبقى أولويتنا القصوى، ليس فقط للسنوات الخمس المقبلة ولكن للسنوات الخمسين المقبلة وما بعدها”.
وبعد بضعة أشهر فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا أعلن النائب التنفيذي للرئيس للتكرير والكيميائيات والتسويق في أرامكو محمد القحطاني عن مشروع شامل للشركة السعودية في شاندونغ الصينية.
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه العلاقة تتعزز، كانت العلاقة بين السعودية وروسيا تتحسن أيضا. ومع نهاية حرب أسعار النفط، أعاد قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة تنظيم نفسه ضمن آلية لإنتاج النفط تمكنها من الإبقاء على أسعار منخفضة تصل إلى 35 دولارا للبرميل من خام برنت إذا لزم الأمر.
وكان سعر النفط الذي يحقق التعادل لميزانية السعودية في ذلك الوقت أعلى من 84 دولارا للبرميل ولم توجد طريقة تمكنها من منافسة الولايات المتحدة. وكانت المملكة في أمس الحاجة إلى رفع أسعار النفط مرة أخرى لإصلاح ميزانيتها ولكنها لم تكن قادرة على ذلك بسبب حرب أسعار النفط الكارثية التي قوضت مصداقيتها أمام أعضاء أوبك الآخرين وفي سوق النفط العالمية. وكانت روسيا قد تدخلت في تلك المرحلة لدعم تخفيضات إنتاج النفط في أوبك خلال أواخر 2016 بهدف إعادة أسعار النفط إلى المستويات التي سمحت لأعضاء أوبك بالشروع في إصلاح أوضاعهم المالية المتدهورة. واستمر هذا الدعم منذ ذلك الحين وأسس مجموعة “أوبك+”.
تعرف روسيا والصين كيفية الاستفادة من هذه العلاقات، كما كانتا تفعلان في الشرق الأوسط منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران في 2018، وسوريا في 2019، وأفغانستان والعراق في 2021.
ووضعت هذه العوامل مشتركة الصين في موقع مكنها من التوسط في صفقة تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية التي تقود العالم الإسلامي السني وإيران التي تقود العالم الإسلامي الشيعي. ولاحظ المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي بإيجاز في تلك الفترة أن الصفقة بين إيران والسعودية “لا تتعلق بالصين”، لكن توقعاته لم تكن سليمة. لم يكن الأمر يتعلق في الحقيقة بالولايات المتحدة.
ورغم ذلك، لا تريد السعودية الذهاب بعيدا في خصومتها مع الولايات المتحدة، التي تزودها بنحو 78 في المئة من واردات السلاح الذي يحتاج دوما إلى قطع غيار وصيانة أميركية، ولا يمكن للصين أن تملأ هذا الفراغ بسهولة.