لا سلام دائما بين إسرائيل وفلسطين دون سياسة جديدة لتحييد التهديد الإيراني

طهران تعطل ظهور نظام إقليمي جديد والذهاب نحو تسوية للصراع.
الثلاثاء 2024/11/26
جيل جديد متعطش للسلام

من خلال نفوذها الخبيث في المنطقة وعبر دعمها لمجموعة من الوكلاء تعطل طهران ظهور نظام إقليمي جديد قد يأتي بتسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أو يجمده لأجل طويل الأمد على الأقل.

القدس - يرى محللون أنه لا يمكن بناء سلام دائم بين إسرائيل وفلسطين دون سياسة جديدة لتحييد التهديد الإيراني والنفوذ الخبيث الذي تمارسه طهران في المنطقة.

ويقول السير جون جينكينز، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تقرير نشره معهد تشاتم هاوس إنه ربما يتصور بعض الناس أن حرب غزة كانت كلها من أجل فلسطين. لكن الأحداث الدرامية تشير إلى أن الحرب كانت في الحقيقة تدور حول إيران.

ونشأ شرق أوسط جديد على مدى عقدين من الزمان، وكان يكافح من أجل الظهور، وكانت دول الخليج في مقعد القيادة. وتريد هذه الدول نظاما سياسيا مستقرا ومزدهرا.

وترى هذه الدول أن هذا هو الشرط الأساسي للتحول الاقتصادي والاستقرار. ولكن هذا النظام لم يوجد بعد ولا يمكن أن يولد من الصراع. وترى كل من دول الخليج وإسرائيل أن إيران تشكل العقبة الرئيسية. ولابد أن يشكل هذا الواقع أي جهد جديد من أجل السلام في المنطقة.

تهديد حزب الله

القضاء على قادة حماس وحزب الله لن يؤدي بمفرده إلى تحقيق السلام ولا بد من مواجهة النفوذ الخبيث الذي تمارسه

كان حزب الله يشكل دوما تهديدا أشد خطورة لإسرائيل من حماس، ذلك أن قدراته أعظم كثيرا. فهو قادر على تهديد إسرائيل كلها بصواريخه المتطورة على نحو متزايد. وهو في واقع الأمر يسيطر على دولة ذات سيادة، لبنان. وخلفه تقف إيران، التي هددت إسرائيل بالدمار لمدة خمسة وأربعين عاما.

وتبعا لذلك كان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي قضية من الدرجة الثانية. ومع ذلك، اكتسب السرد الوطني الفلسطيني صدى عاطفيا ورمزيا هائلا على مر السنين. والنجاح الحقيقي الوحيد الذي حققه الفلسطينيون هو تدويل قضيتهم، مما يجعل تكاليف الفشل مرتفعة بالنسبة للقوى الكبرى في المنطقة. وبالتالي فإن التسوية الدائمة تشكل شرطا مسبقا ومطلقا للاستقرار الإقليمي.

ويتمنى معظم الزعماء السياسيين العرب أن تختفي هذه القضية. ولكن هذا لن يحدث إلا إذا شعرت إسرائيل بالأمن. كما يتطلب الأمر من المؤسسة السياسية الإسرائيلية أن تقبل أنها بحاجة إلى العيش كدولة غير كاملة بين دول غير كاملة أخرى كجزء من نظام إقليمي غير كامل.

والحقيقة المؤلمة هي أن مثل هذه التسوية لا يمكن تحقيقها ببساطة من خلال وقف إطلاق النار أو المفاوضات مع السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية.

ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بعد أن تتوقف حماس وخاصة حزب الله عن أن تكون تهديدا رئيسيا لإسرائيل، بعد أن أصبحت إيران لا تمتلك القوة اللازمة لتعطيل ظهور نظام إقليمي جديد.

ويعني هذا أن الجمهور الإسرائيلي المتمرد والمنقسم لا بد وأن يقتنع بأن السلام يتطلب تقرير المصير للفلسطينيين، ليس من أجل الفلسطينيين بل من أجل ضمان أمن إسرائيل. وهذا بدوره يتطلب نظاما سياسيا إسرائيليا جديدا يتعارض مع الحقائق السياسية الحالية، وبالتالي سوف يحتاج إلى رعاية دقيقة.

ولا يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين قد تصالحوا مع كل هذا. والواقع أن سعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وقف إطلاق النار كان مضيعة للطاقة. فوقف إطلاق النار الآن، دون حل المشاكل الأكبر، يضمن ببساطة استئناف الصراع في غضون عام أو عامين آخرين.

سياسة جديدة

Thumbnail

تحتاج المنطقة إلى نموذج جديد يركز على طهران ونفوذها الخبيث. ومن الناحية المثالية فإن هذا يعني التغيير في إيران ذاتها. ذلك أن امتداد الصراع الحالي إلى البلاد من شأنه أن يزعزع استقرار النظام، وهو ما تخشاه القيادة في ضوء عدم شعبيتها الهائلة في الداخل.

ولكن نظرا لاستعدادها المؤكد لاستخدام القوة المميتة لسحق المعارضة، فمن غير الحكمة أن نعول على تغيير كبير من الداخل في أي وقت قريب.

وتتمثل الطريقة التي قد يلجأ إليها الفاعلون الخارجيون لتقليص تأثير إيران في تفكيك نفوذها في لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن، وعلى ظهر هذا دعم التوجه نحو تقرير المصير الفلسطيني.

قد يُعرض على إيران مرة أخرى مكان داخل النظام الإقليمي الجديد إذا قررت أن تصبح الجهات الفاعلة البراغماتية

ويتطلب هذا حكومة إسرائيلية مستعدة لذلك حيث لا بد أن يكون هناك عدد كاف من الإسرائيليين يريدون السلام بأنفسهم لجعله عمليا سياسيا.

ويشكل هذا المطلب تحديا كبيرا بعد الصدمة التي أصابت إسرائيل في السابع من أكتوبر، والقضاء على قيادات حماس وحزب الله. وسوف يحتاج الإسرائيليون إلى إقناع أنفسهم بأن حتى النجاحات العسكرية الدرامية لا توفر سوى الوقت، وليس الحل. وأظهر العام الماضي أن الولايات المتحدة وحدها لا تستطيع أن تملي شروط التسوية، إن كانت قادرة على ذلك على الإطلاق. والواقع أن الدول الغربية الأخرى، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، تستطيع أن تلعب دورا داعما. ولكن الحقيقة تظل أن واشنطن وحدها هي القادرة على عقد اجتماع وقيادة جهد جماعي جديد.

ويحتاج ذلك إلى أن تظل الولايات المتحدة وشركاؤها على مقربة من إسرائيل وأن يقدموا لها ضمانات أمنية طويلة الأجل. وهذا يعني مساعدة إسرائيل على تحييد حزب الله وحماس، وكذلك الحوثيين، الذين لا يجوز السماح لهم بأن يصبحوا حزب الله في الجنوب.

وتعتبر دول الخليج شركاء أساسيين في الهدف وهي تشترك مع إسرائيل في نفس المخاوف الأمنية ولكنها سوف تحتاج إلى حوافز أيضا.

وتحتاج الولايات المتحدة أن تعمل على تطوير مجموعة من العروض الثابتة (ربما على غرار وديعة رابين لعام 1993)، والتي تحدد شكل التطبيع مع إسرائيل أو في حالة مصر والأردن سلاما دافئا وليس باردا. وتحتاج السلطة الفلسطينية أيضا إلى إعادة بناء، فهي الأداة الوحيدة المتاحة، سواء كانت فلسطينية أو دولية معترفا بها من خلال اتفاقيات أوسلو، والتي يمكنها إدارة غزة على النحو اللائق بعد الدمار الذي حل بها.

وفي المنطقة، سوف تكون التحالفات الأكثر تنظيما حاسمة: فلا بد من إشراك دول مجلس التعاون الخليجي في علاقة أمنية متسقة وواضحة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاء غربيين آخرين. ومن الممكن أيضا إشراك الدول غير العربية المعنية مثل أذربيجان وتركيا بشكل أفضل.

وفي المجال العسكري، لا بد من توجيه ضربات قوية إلى جماعات مثل الميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في كل مرة يهاجمون فيها الولايات المتحدة وأهدافا أخرى. ولا بد أيضا من مكافحة تهريب الأسلحة والنفط الإيراني بشكل أفضل.

وقد يكون هناك مكان للجزرة وكذلك العصي: فقد يُعرض على إيران مرة أخرى مكان داخل النظام الإقليمي الجديد إذا قررت أن تصبح الجهات الفاعلة البراغماتية التي كادت أن تصبحها في عهد الرئيس السابق هاشم أكبر رفسنجاني.

وفي عام 1973، كان وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر يعتقد أن كل ما يمكن تحقيقه من قِبَل الجهات الفاعلة الخارجية في المنطقة هو غياب الحرب وليس بناء النظام. ولكن جهوده أرست الأساس لاتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978، والتي غيرت بشكل أساسي نظام الأمن الإقليمي نحو الأفضل. وإذا كان هناك وقت للتفكير المتجدد في ما قد ينطوي عليه نظام جديد آخر، فهو الآن.

6