لا حرية في اللباس للنساء والشباب في تركيا ما بعد محاولة الانقلاب

لا يكاد الجدل في قضايا حرية اللباس بتركيا ينتهي حتى يعود للطرح من جديد، ولم تعد مسائل حرية اللباس خاصة بالمرأة بل إنها جمعت في الآونة الأخيرة الشباب والأقليات مع النساء، وقد خرجت مجموعة من النساء في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بحقهن في اختيار ملابسهن، وأوقفت الشرطة التركية العديد من الشباب بسبب قميص يحمل عبارة بطل، ما يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل المجتمع التركي؛ إن كان يسير نحو كسب المزيد من الحريات والحقوق أم إنه يتجه نحو الانغلاق في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
الأربعاء 2017/08/02
لن تسكتونا… سننتصر بالمقاومة

أنقرة – يبتعد المجتمع التركي تدريجيا عن ميزاته كمجتمع علماني يتقبل الاختلاف ويحترم حريات الجميع منذ وصول الحزب الإسلامي الحاكم للسلطة. وفي السنوات الأخيرة تواترت الاحتجاجات المنادية بالحريات والحقوق ولا سيما من جانب النساء حول كل ما يهم حضورهن في الفضاء العام.

ونظمت المئات من النساء، خلال الأيام القليلة الماضية مسيرات في شوارع مدينة إسطنبول للمطالبة باحترام حقهن في اختيار ملابسهن وللاحتجاج على ما يواجهنه من عنف ومشاعر عدائية من جانب رجال يطالبونهن بأن يرتدين ملابس أكثر احتشاما.

وحملت النساء شعار “لا تعبثوا بملابسي” حيث ردّدن هتافات منادية بحرية اللباس ونبذ العنف، كما رفعت المحتجات سراويل قصيرة معلقة على مشاجب كأمثلة لنوع الملابس التي يقول بعض الرجال إنهم يعتبرونها غير مقبولة.

وهتفت النساء “لن نطيعكم.. لن تسكتونا.. لن تخيفونا… سننتصر بالمقاومة”، ورفعن أيضا ملصقات وأعلاما خاصة بالمثليين. ونددت النساء المشاركات في الاحتجاجات كذلك بالتحرش اللفظي والجسدي الذي أصبح يتكرر بشكل متزايد في الشوارع التركية بسبب الملابس التي لا تروق لفئة معينة من الرجال والتي يطلقون عليها صفة “غير المحتشمة”.

وارتدت المشاركات مجموعة متنوعة من الملابس، كانت غالبيتها تنورات قصيرة بينما ارتدى عدد قليل منهن الحجاب حيث شاركت في المسيرة، أيضا، بضع نساء احتججن على انتقادات وجهت إليهن لاختيارهن ارتداء الحجاب، وكتبن على لافتات رفعت خلال المسيرة “لا تتدخلوا في حجابي أو ملابسي أو سروالي القصير”.

ولم تقف المطالبة عند الحق في اختيار اللباس والتنديد بالعنف عند السيدات بل ازداد عدد المحتجين بانضمام بضع مئات من المثليين والمتحولين جنسيا إلى المسيرات بعد أن حظرت السلطات مسيرة لهم في مدينة إسطنبول في أواخر يونيو الماضي.

قميص البطل حمل بعدا رمزيا في تركيا بعد أن ارتداه أحد المتهمين بمحاولة اغتيال أردوغان في خضم أحداث الانقلاب

ويجمع كل من المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية والعديد من منتقدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته على أنه لم يظهر أيّ اهتمام يذكر بتوسيع حقوق الأقليات والمثليين والنساء. في الوقت الذي تم التخفيف فيه من القيود المفروضة على ارتداء الحجاب ما شجع المزيد من النساء على الإقبال عليه.

ومن بين المضايقات وحوادث الاعتداء التي تعرضت إليها النساء والتي دفعتهن إلى النزول إلى الشوارع أن الحكومة لا توفر لهن الضمانات الكافية والحماية اللازمة التي تكفل حرياتهن في اختيار اللباس وفي غيره من الحقوق.

وتعرضت شابة تركية للاعتداء من قبل رجل في حافلة بمدينة إسطنبول، لارتدائها سروالا قصيرا في شهر يونيو الماضي، حيث أظهر مقطع الفيديو الذي صور تفاصيل الحادثة الرجل وهو يضرب الفتاة أسينا ميليسا سلجام، بينما كان السائق يشاهد الواقعة في صمت.

وفي نفس سياق التضييق على الحريات، ولكن هذه المرة من جانب السلطات التركية مباشرة، فقد أثار قميص دونت عليه كلمة بطل باللغة الإنكليزية “هيرو” موجة من الجدل بعد أن أقدمت الشرطة التركية على اعتقال كل من يرتديه بدعوى أنه يرمز إلى تأييد محاولة الانقلاب الفاشل أو أنه يدل على دعم مرتديه لجماعة فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشل في العام الماضي.

وحمل هذا القميص بعدا رمزيا في تركيا بعد أن ارتداه أحد المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان في خضم أحداث الانقلاب العسكري عند حضوره بقاعة المحكمة بجنوب غرب تركيا في منتصف يوليو الماضي ما أدى إلى وقوع فوضى داخل قاعة المحاكمة، وتم تأجيل الجلسة.

وبحسب السلطات التركية فإن شقيقة جوخان غوكلو، وهو جندي سابق متهم بارتباطه بمحاولة اغتيال الرئيس طيب رجب أردوغان، التي أرسلت له القميص تخضع بدورها للتحقيق من قبل مكتب الادّعاء إلى جانب الوكالات الحكومية المسؤولة عن إدارة السجن.

وتبعت هذه الحادثة حملة اعتقالات لمرتدي هذا القميص في عدد من المدن التركية وبحسب مصادر إعلامية فقد وصل عدد الموقوفين إلى قرابة العشرين شخصا حيث ترى السلطات التركية في ارتدائه دعما مبطنا للداعية فتح الله غولن.

وطالب أردوغان تبعا لذلك بفرض لباس موحد على الأفراد الخاضعين للمحاكمة في قضية محاولة الانقلاب، لافتا إلى اللباس البرتقالي الخاص بمعتقلي قاعدة غوانتنامو العسكرية الأميركية.

ورغم أن أغلب الموقوفين يفيدون بأن لا علاقة لهم بمحاولة الانقلاب ولا بالداعية فتح الله غولن وبأن إعجابهم بالقميص هو ما جعلهم يختارونه وأنهم يجهلون الجدل الدائر حوله وتبعات ارتدائه ذلك أن أغلبهم من الطلاب والعمال وكان آخرهم نادلا بفندق، في مدينة أنطاليا الساحلية إلا أن مصير بعضهم مجهول.

وأعلن وزير العدل التركي بكر بوزداغ عن قاعدة جديدة تحظر على المشتبه فيهم المثول أمام المحكمة بملابس عليها أي كتابة. وقال بوزداغ “لن يُسمح للناس بارتداء أي شيء عليه صورة أو علامة أو نص أو أي نوع من الرسائل من الآن فصاعدا”.

واضطرت سلسلة متاجر الملابس التي تبيع قميص البطل في مراكز التسوق التركية إلى إيقاف بيعه بحسب صحيفة جمهورييت التركية، حيث سمي القميص من جانب السلطات التركية ومؤيدي أردوغان بقميص “الانقلاب”.

ولا يهم إن كان مرتدو القميص من مؤيدي فتح الله غولن وحركته أو من أنصار الانقلاب فعلا في نظر السلطات التركية بقدر أهمية بسط النفوذ ونشر الخوف والرعب لدى جل من يعارض أردوغان وحكومته أو يخمن في ذلك أو حتى يفعل ما يمكن أن يقرأ على أنه معارضة، وهو ما يجعل هيستيريا الإيقافات والاعتقالات مستمرة جرّاء محاولة الانقلاب الفاشلة التي مازال المجتمع التركي يدفع ثمنها على حساب حقوقه وحرياته.

12