لا إسرائيل جادة بتحريك ملف الأسرى ولا حماس

تضع كل من الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس شروطا مشددة من فترة إلى أخرى بشأن صفقة تبادل الأسرى المؤجلة بينهما، وهو ما عكس انطباعا بأنهما غير جادتين في تحريك هذا الملف وأن كل واحدة منهما تفكر في مصالحها السياسية لا في الأسرى القابعين في السجون. فمصلحة حماس تكمن في إطالة أمد المفاوضات لتظهر كحريصة على الشعب الفلسطيني وحقوقه وتظهر إسرائيل كطرف ضعيف في مواجهتها، أما حكومة نفتالي بينيت فترفض الرضوخ لشروط حماس كي لا تتعرض لمضايقات سياسية.
القاهرة – تستمتع كل من إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية بالحديث المتواتر حول عقد صفقة لتبادل الأسرى، وما يؤكد قبول كليهما بصيغة الصعود والهبوط أن الصفقة المنتظرة ضربت لها توقيتات عدة ولم تنفذ.
وتحولت الصفقة إلى أشبه بعملية سياسية تجد الأطراف المعنية فيها فرصة للحديث عنها، وأوحت التكهنات المصاحبة لها بأن هناك حراكا، وحلت الصفقة الموعودة بين إسرائيل وحماس مكان الحديث عن عملية التسوية برمتها، ففي النهاية يوجد ارتياح بالضجيج الذي يخيم على الصفقة لأن الصمت قد يفجّر أزمات أشد سخونة.
ووضع رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية بحركة حماس خليل الحية الكرة في ملعب إسرائيل عندما قال في تصريحات إعلامية الأربعاء “لا جدية لدى إسرائيل بتحريك ملف تبادل الأسرى.. ستواصل العمل بكل جهد لتحرير الأسرى بكل السبل”.
ولم يفسر الحية معنى “بكل السبل” لكن المتابعين لخطاب حماس مؤخرا يعرفون أنه يتسق مع إشارات صدرت من قادتها بأنها تستعد لتصعيد عسكري جديد، أملا في تحريك المياه السياسية في صفقة الأسرى أو غيرها من الصفقات، ظنا منها أن الحكومة الإسرائيلية وبعض القوى الإقليمية والدولية لن تتحمل جولة جديدة من التصعيد.

وتحتفظ حركة حماس بأربعة إسرائيليين، هما الجنديان شاؤول آرون وهدار غولدن، وتم أسرهما في حرب صيف 2014، وتقول إسرائيل إنهما جثتان، وأباراهام منغستو وهاشم بدوي السيد، دخلا إلى غزة في وقتين مختلفين ويحملان الجنسية الإسرائيلية.
وعرضت حماس في وقت سابق صفقة تقوم على تبادل أسرى ومعلومات حول الجنود المحتجزين لديها، ثم صفقة أوسع تشمل الجنود وقائمة الأسرى الكبار المطلوب إطلاق سراحهم، أو إنجاز الأمر في صفقة شاملة ودفعة واحدة.
وتأتي إحدى العقبات التي تحول دون إتمام الصفقة من رفض إسرائيل الإفراج عن أشخاص تقول إن “أياديهم ملطخة بالدماء”، أي من ارتكبوا عنفا ضدها، وتعتبرهم حماس لهم الأولوية، كما تريد استبعاد شخصيات مرموقة، مثل مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح وأحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وتريد إسرائيل التوقيع على صفقة شاملة تحوي أبعادا سياسية واقتصادية مع حماس لها علاقة بترتيب الأوضاع عموما في قطاع غزة، وتدخل فيها ملفات تخفيف الحصار وفتح الطريق أمام إعادة الإعمار والتوصل إلى هدنة طويلة المدى.
وتحاول الحكومة الإسرائيلية الظهور بأنها غير راضخة لحماس، حتى لا يقال إن رئيس الحكومة نفتالي بينيت خرج خاسرا من الصفقة ويتعرض لمضايقات سياسية من القوى المعارضة تفقده الهامش الضئيل الذي يدعم استمرار حزبه على رئاستها.
وتسعى حماس لعقد صفقة تفوق تلك التي عقدتها منذ عشرة أعوام وأدت إلى الإفراج عن 1027 أسيرا مقابل جندي واحد، هو جلعاد شاليط، بينما تؤكد الحكومة الإسرائيلية الحالية صعوبة تكرارها، ومن الضروري وضع ضوابط صارمة.
وذهبت تصريحات بينيت إلى معارضته لمطالب حماس الخاصة بالإفراج عن المئات، لتفويت الفرصة على المعاني الرمزية التي ينطوي عليها عدد الأسرى ونوعيتهم، فكلما تطابقت الصفقة مع أهداف حماس حصدت مكاسب كبيرة.
وأثار الرقم الذي أشار إليه رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار بعد حرب غزة في مايو الماضي (1111) إلى ارتفاع طموح حماس ليصل عدد المحررين إلى هذا الرقم الذي يفيد برغبتها في أن تفوق الصفقة عدد المفرج عنهم في صفقة شاليط.
وبدا السنوار ممعنا في الثقة وقت أن طالب بمحاسبة الحركة وجناحها العسكري على هذا الرقم إذا لم يتحقق، ما يمثل عقبة في حد ذاته أمام الصفقة المتوقعة، حيث ترفض إسرائيل هذا الرقم الكبير، وهو ما يعتبره البعض دلالة على أن حماس لا تريد عقد الصفقة فعلا، أو تريدها بمواصفات خاصة وتحرج بها الحكومة الإسرائيلية.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ”العرب” أن الصفقة مرت بمراحل مختلفة قبل أن تصل إلى حالة الجمود الحالية، حيث قبلت إسرائيل في بداية الأمر بالحصول على تسجيل مصور لأسراها لدى حماس مقابل الإفراج عن 350 أسيراً، وقبل أن يجري التنفيذ رأت ضرورة أن تتم الصفقة مرة واحدة بعد تشكيل الحكومة الحالية.
وخلال المفاوضات الأخيرة غير المباشرة التي أجراها الوسيط المصري طالبت حماس بالإفراج عن أسيرين من بين الأربعة مقابل إطلاق سراح 750 من الشيوخ والنساء والأطفال، الأمر الذي رفضته إسرائيل.
وتحفظت في البداية على بعض الأسماء المطروحة وأدخلت تعديلات، لكن إسرائيل رفضت التعامل مع من تخطوا الخمسة والخمسين عاماً باعتبارهم من كبار السن، بينما أصرت حماس قبل أن تطلب الأولى الإفراج عن الأسيرين الأحياء مقابل 500 فلسطيني.
وأوضحت المصادر ذاتها أن بينيت ورئيس الشاباك الحالي رونين بار، خشيا من أن يكون لدى حماس أسرى أحياء آخرون، ويصبح ثمن ذلك مكلفا فيما بعد، وأصرا على أن تكون هناك صفقة شاملة على مرة واحدة.
وأكدت المصادر لـ”العرب” أن الوسيط المصري خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مؤخرا عبّر عن عدم ارتياحه لتعامل إسرائيل مع هذا الملف، وهو أحد الأسباب التي دفعت اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية إلى إلغاء زيارته لإسرائيل التي كانت مقررة قبل نهاية الشهر الماضي.
وهو نفس الموقف المصري تقريبا من حماس حيث مكنها تعامل إسرائيل المتذبذب مع الملف من الهروب إلى الأمام، ووظفت التعثر لصالح زيادة شعبيتها في الشارع الفلسطيني وتتعامل على أنها في موقف قوة ما أسهم في عدم حماسها للصفقة.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية سعيد عكاشة لـ”العرب” إن نجاح الصفقة يتطلب رغبة مشتركة من الجانبين، وهو أمر يصعب تحققه لأن حماس تضغط وتضع شروطاً من الصعب أن تقبلها إسرائيل.
وأضاف أن الحركة تدرك أن لدى إسرائيل قدرة على إعادة اعتقال الأسرى المُفرج عنهم، وجربت ذلك من قبل بعد صفقة شاليط، واستعراض الحركة السياسي قد يدعم شعبيتها في غزة لكن لن يؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى البعيد.
وتعتقد حماس أن مصلحتها تكمن في إطالة أمد المفاوضات لتظهر كحريصة على الشعب الفلسطيني وحقوقه وتظهر إسرائيل كطرف ضعيف في مواجهتها، في حين أن الواقع يشير إلى وجود تعقيدات تمنع إتمام الصفقة بالشروط التي تضعها الحركة.
وقد وجه نيفتالي بينيت انتقادات لسلفه السابق بنيامين نتنياهو بذريعة تساهله مع حماس وتقديم تنازلات ليست ضرورية، لذلك تدرك الحركة أنها أمام حكومة أكثر تشدداً ترفض أن تقدم تنازلات تؤدي إلى إنجاز صفقة مقبولة لها.
واستبعد عكاشة وجود انقسام داخل إسرائيل بشأن الصفقة، فالمشكلة في أن القواعد التي تضعها حماس غير مقبولة من جميع الأطراف، في وقت تسعى فيه حكومة بينيت لتبدو صورتها قوية أمام الرأي العام وتحافظ على حقوق المواطنين، ما يجعل فرص نجاح الوساطة وفقًا للتطورات الأخيرة تواجه عراقيل لإحداث تغُير في مواقف الطرفين.