لا أحد يهتم بنجاة المهاجرين أو موتهم

جنيف - كشفت الأمم المتحدة الأربعاء في تقرير جديد عن وفاة 72 شخصا شهريا جراء الهجرة غير الشرعية عبورا من القارة الأفريقية إلى أوروبا عبر زوارق الموت، واصفة أسباب الوفاة بأنها متعددة ومنها الانتهاكات القاسية التي يتعرض لها المهاجرون من جهات عدة.
وعلى غرار المعاناة المعهودة التي يمر بها المهاجرون الذين يهرب معظمهم من أوضاع اجتماعية بائسة ومن آتون الحروب، فإن وضعهم أصبح أكثر تعقيدا خاصة في ظل تواصل تفشي فايروس كورونا، حيث لا يلقى الناجون من الموت الرعاية الكافية للتوقي من الوباء.
وأوضح التقرير الأممي الجديد أنه فيما ينصب التركيز الأكبر على فقدان آلاف الأشخاص في البحر أثناء محاولتهم العبور من أفريقيا إلى أوروبا، فإنّ الطرق التي يسلكها المهاجرون من غرب وشرق أفريقيا صوب البحر المتوسط يمكن أن تكون محفوفة بالقدر نفسه من المخاطر.
ونشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجلس الدنماركي للاجئين التقرير المشترك الذي جاء تحت عنوان “في هذه الرحلة لا أحد يهتم إذ بقيت حيا أو مُت”.
وقدم التقرير وقائع مروعة واجهها الكثير من اللاجئين عبر الطريق، محملا المسؤولية إلى عدة أطراف لا تعير اهتماما لحقوق الإنسان ومنها جهات حكومية وميليشيات وعصابات متورطة في الدفع بالمهاجرين إلى الموت.
وبحسب التقرير تعرض معظم المهاجرين الذين خاضوا رحلة الموت إلى قسوة ووحشية لا توصف على أيدي المهربين والمتاجرين بالبشر وعناصر الميليشيات وأحيانا موظفي جهات حكومية.
وأشار التقرير إلى أنّ في عامي 2018 و2019 وحدهما قضى 1750 شخصا على الأقل ما يشكّل معدل 72 شخصا شهريا أو أكثر من وفاتين يوميا، “ما يجعله أحد أكثر الطرق فتكا باللاجئين والمهاجرين في العالم”.
وقال فيليبو غراندي المفوض السامي لشؤون اللاجئين في بيان رافق إصدار التقرير “لفترة طويلة، ظلت الانتهاكات الشنيعة التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون على هذه الطرق البرية غير معروفة إلى حد كبير”.
وتابع أنّ التقرير يوثّق “حالات قتل وعنف واسعة النطاق من النوع الأكثر وحشية ارتكبت ضد أشخاص بائسين فارين من الحروب والعنف والاضطهاد”.
وذكر التقرير الأممي أن نحو ثلث من قضوا عبر هذه الطرق البرية كانوا يحاولون عبور الصحراء الكبرى. ولقى آخرون حتفهم في جنوب ليبيا التي تمزقها الحرب، فيما يعبر آخرون طريقا آخر داميا بأفريقيا الوسطى ومالي اللتين تعصف بهما نزاعات دموية.
وأكد أنه غالبا ما يعاني من يبقون على قيد الحياة من صدمة شديدة. وخلص التقرير إلى أن هذا ينطبق بشكل خاص على الكثيرين الذين يمرون عبر ليبيا، حيث تنتشر أعمال القتل العشوائي والتعذيب والعمل القسري والضرب على نطاق واسع.
التقرير يفضح جهات كثيرة ويوثق حالات قتل وعنف واغتصاب ارتكبت ضد يائسين فروا من الحروب والفقر
وقد تقطعت السبل بعشرات الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء، الذين غالبا ما يكونون من أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا آملين في عبور البحر المتوسط، من ليبيا التي تعصف بها الفوضى، وهي الآن طريق رئيسي للهجرة غير القانونية إلى أوروبا.
وقبل وصلهم إلى أوروبا أو الموت غرقا، عادة ما يتعرض المهاجرون الذي يحاولون عبور البحر المتوسط إلى عمليات توقيفات من قبل خفر السواحل الليبيين.
وذكر التقرير أنّ أكثر من 6200 لاجئ أجبروا على البقاء في ليبيا حتى الآن خلال هذا العام وحده، مؤكدا أن العديد منهم محتجزون في “ظروف مروعة”.
ووجد التقرير أن النساء والفتيات، وأيضا الرجال والأطفال الصغار، يواجهون مخاطر عالية للاغتصاب وغيره من الاعتداءات الجنسية على طول الطرق المختلفة، ولاسيما عند نقاط التفتيش، وفي المناطق الحدودية وأثناء المعابر الصحراوية. وشكّل المهربون الجناة الرئيسيين على طرق الهجرة في شمال وشرق أفريقيا، فيما كانت الشرطة وقوات الأمن في غرب أفريقيا مسؤولة عن ربع الاعتداءات الجنسية التي تم الإبلاغ عنها.
وأكّد أن حوالي ثلث الذين أفادوا بأنهم شهدوا أو نجوا من عنف جنسي أنّ الانتهاكات وقعت في أكثر من مكان.
وقال غراندي “هناك حاجة إلى قيادة قوية وعمل منسق من قبل دول المنطقة بدعم من المجتمع الدولي لإنهاء هذه الوحشية وحماية الضحايا ومقاضاة المجرمين المسؤولين عنها“.
ودفعت الأوضاع الاجتماعية المأزومة في الدول الأفريقية منذ ظهور وباء كوفيد – 19 إلى تضاعف عدد الرحلات غير الشرعية نحو أوروبا، ما جعل الكثيرين منهم يصابون بكورونا جراء كثرة أعداد المهاجرين الذين يمتطون مركبا واحدا للعبور نحو أوروبا.
وفي هذا الصدد، ذكرت وزارة الصحة في مالطا الثلاثاء أن 65 من مجموعة تضم 94 شخصا تم إنقاذهم في البحر ونُقلوا إلى أراضيها الاثنين مصابين بفايروس كورونا.
وهذه أكبر مجموعة منفردة من الحالات الإيجابية التي يجري رصدها على الجزيرة الواقعة في البحر المتوسط منذ ظهور أول حالة فيها في السابع من مارس.
وقالت الوزارة إن 85 من المهاجرين خضعوا للفحص حتى الآن، بينما ينتظر تسعة الاختبارات. ولم تقدم المزيد من المعلومات عن حالتهم الصحية ولا عن جنسياتهم، غير أن قاربهم يُعتقد بأنه أبحر من ليبيا.
وأضافت الوزارة “المهاجرون الذين يصلون في قوارب يخضعون على الفور للحجر الصحي لمدة 14 يوما وللفحص. وسيستمر عزل المهاجرين الذين تثبت إصابتهم وستظل البقية قيد الحجر الصحي والمتابعة”.
ومضت تقول “هذه المجموعة وصلت إلى مالطا معا وخالطت عددا قليلا جدا من الناس قبل خضوعها للفحص”، لتهون بذلك من احتمال انتقال العدوى لسكان محليين.
وكان المهاجرون قد بعثوا بنداء استغاثة من زورقهم المكتظ الأحد لكن الأمر استغرق أكثر من 30 ساعة قبل أن يصل إليهم المنقذون.
وتتهم منظمات غير حكومية مالطا وإيطاليا بتعمد إبطاء مهمات الإنقاذ بهدف إثناء الناس عن محاولة اجتياز البحر أملا في حياة أفضل في أوروبا.