لا أحد يقبل مهمة خلافة حماس في قطاع غزة

مصر تؤكد رفضها لوجود قوات الناتو والقوات الإسرائيلية في غزة كما ترفض اقتراح الولايات المتحدة بشأن إدارة القطاع بصفة مؤقتة.
الأحد 2023/11/12
من سيقدر على الحكم وسط الدمار

القاهرة- مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسبوعها السادس، لا يزال الحديث عن نهاية للجولة الأعنف من التصعيد مجرد تقارير تنقل عن أطراف الصراع سرعان ما تناقضها تقارير أخرى تشير إلى استمرارها لفترة ليست بالقصيرة.

ويرى مراقبون أن حسابات الرد الإسرائيلي على الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تتداخل فيها عدة عوامل، لاسيما في ظل رغبة الحكومة الإسرائيلية في أن يكون الرد مختلفا عن أي جولة تصعيد سابقة بما يتماشى مع حجم الصفعة التي تلقتها إسرائيل. فلم يخف المسؤولون الإسرائيليون منذ اللحظة الأولى رغبتهم في القضاء تماما على حماس وإخراجها من المعادلة بصورة نهائية بعد الخسائر غير المسبوقة التي ألحقتها بهم الحركة في 7 أكتوبر.

ولما كانت الغاية تتطلب توغلا بريا في القطاع، الذي انسحبت منه إسرائيل عام 2005، للوصول إلى معاقل حماس والتأكد من تدمير شبكة الأنفاق التابعة لها، أثارت هذه المسألة جدلا كبيرا داخل دائرة صنع القرار في إسرائيل وحتى لدى الإدارة الأميركية، الداعم الأكبر لتل أبيب.

◙ كلما طال أمد الحرب، زاد احتمال تعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة الشدة لإنهاء العملية، ربما قبل تحقيق الهدف العسكري

وبينما أعلنت الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لهجمات 7 أكتوبر دعمها المطلق لإسرائيل في كل ما تتخذه من إجراءات “دفاعا عن النفس”، نبهت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حكومة بنيامين نتنياهو أكثر من مرة إلى ضرورة أن يكون لديها تصور واضح لمرحلة ما بعد الاجتياح البري وكيف سيكون الوضع في غزة ما بعد حماس.

وتجلت ضبابية الرؤية والتناقضات في هذه الجزئية أيضا، ففي بادئ الأمر، كان التأكيد الإسرائيلي حاضرا بشأن عدم وجود نية لإعادة احتلال القطاع وأن ثمة مهمة محددة سيقوم بها الجيش الإسرائيلي هناك.

لكن نتنياهو خرج من جديد خلال اليومين الماضيين ليثير جدلا بتصريح كشف فيه عن نية للبقاء لفترة “غير محددة” في غزة حتى بعد انتهاء الحرب.

وفي مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الإخبارية الأميركية، قال نتنياهو “لا نسعى لحكم غزة، لا نسعى للاحتلال”، مشددا على اعتزام إسرائيل تدمير حماس.

وأضاف “سنواصل حتى نمحو حماس. لا شيء سيوقف ذلك”، دون أن يحدد مدى زمنيا لتحقيق الهدف. وتابع “وضعت أهدافا. لم أضع جدولا زمنيا لأنكم تعرفون أن الأمر ربما يستغرق وقتا أطول، أتمنى أن يأخذ وقتا قليلا”.

◙ ويليام بيرنز ناقش مع الرئيس السيسي مقترح الولايات المتحدة بشأن إدارة مصر الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة
ويليام بيرنز ناقش مع الرئيس السيسي مقترح الولايات المتحدة بشأن إدارة مصر الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة

وتأتي التصريحات بعد أيام من قول نتنياهو نفسه خلال مقابلة مع شبكة “أي بي سي نيوز” إن إسرائيل ستتولى “المسؤولية الكاملة عن الأمن” في قطاع غزة لفترة غير محددة.

وتتزامن المواقف والتصريحات الملتبسة مع تحركات أميركية لمناقشة المرحلة المقبلة ومستقبل القطاع الذي مزقته الحرب، والذي كشف مكتب الإعلام الحكومي في غزة الجمعة أن إسرائيل أمطرته بنحو 32 ألف طن من المتفجرات منذ 7 أكتوبر الماضي، ما خلف دمارا “غير مسبوق وأكثر من 50 في المئة من الوحدات السكنية تضررت جراء غارات وقصف الاحتلال في حين هدمت كليا 40 ألف وحدة”.

وكشف المكتب عن أن التقديرات الأولية للأضرار التي لحقت بالمباني والأبراج السكنية في غزة هي مليارا دولار، بينما قدرت أضرار البنية التحتية بنحو مليار دولار.

ويرى مراقبون أنه حتى الآن وعلى الرغم من مقتل حوالي 12 ألف فلسطيني وجرح وفقد عشرات الآلاف الآخرين، يبدو هدف القضاء تماما على حماس أمرا بعيد المنال، وأنه ليس من مصلحة إسرائيل الإغراق في محاولات إدراك هذه الغاية.

وبالفعل طرحت العديد من الأفكار بشأن إسناد المسؤولية عن أمن قطاع غزة لدول في المنطقة وعلى رأسها مصر. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مسؤولين مصريين بارزين أن “الولايات المتحدة اقترحت على مصر إدارة الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة”، إلا أن القاهرة رفضت.

وأوضحت الصحيفة أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ويليام بيرنز ناقش هذا الطرح مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل “حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي المسؤولية الكاملة بعد هزيمة حماس”.

كما نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مصرية أن القاهرة ترفض كذلك فكرة وجود قوات لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو أي قوات أجنبية داخل غزة بأي شكل أو تحت أي مسمى، وكذلك رفضها للوجود الإسرائيلي في القطاع.

◙ هدف القضاء تماما على حماس أمر بعيد المنال، وليس من مصلحة إسرائيل الإغراق في محاولات إدراك هذه الغاية

ورأت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية أن الطريقة الوحيدة المؤكدة لهزيمة حماس تتلخص في استمرار العملية البرية والاحتلال طويل الأمد “وهو ما يتطلب من قوات الدفاع الإسرائيلية أن تتحرك ببطء وبشكل منهجي عبر المساحات المفتوحة والمناطق الحضرية للقبض على مقاتلي حماس وقادتها أو قتلهم”.

وتابعت الصحيفة “هذا من شأنه أن يعرض حياة الإسرائيليين للخطر، وهو الخطر الذي يميل نتنياهو إلى تجنبه، لأنه يؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا الفلسطينيين، من المدنيين والمسلحين على حد السواء. وكلما طال أمد مثل هذه العملية، زاد احتمال تعرض إسرائيل لضغوط دولية متزايدة الشدة لإنهاء العملية، ربما قبل تحقيق الهدف العسكري”.

ويضاف ذلك إلى ضغوط ودعوات داخل إسرائيل لعزل نتنياهو ومحاكمته لاتهامه بالفشل في الدفاع عن أمن المواطنين الإسرائيليين أو حتى وجود تصور واضح لتأمين الإفراج عن الأسرى والمحتجزين في غزة، وهو ما قد يفسر لجوء إسرائيل إلى القوة المفرطة في محاولة لإنجاز المهمة الصعبة في أسرع وقت.

ويقول الكاتب محمد راشد في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية إنه أمام هذه المعطيات تظل سيناريوهات نهاية هذه الجولة الخطيرة من التصعيد في الشرق الأوسط مفتوحة على كل الاحتمالات وسط مصير غامض ينتظر مستقبل قطاع غزة الذي تحول إلى “جحيم على الأرض” وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

6