لا أحد يعرف ما هو دور المركز الأميركي لمكافحة الدعاية المضادة

الاستخبارات والكونغرس منقسمان حول مهمة المركز وميزانيته وحجمه.
الأحد 2022/01/16
المجال لا يزال مفتوحا للتدخل في الانتخابات الأميركية

لا يزال الانقسام بين الأميركيين حادا بشأن دور وحجم مركز مكافحة الدعاية المضادة الأميركي الذي قرر الكونغرس إنشاءه بعد تدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية سنة 2016 والتي انتهت بفوز الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب وذلك في محاولة لمكافحة المعلومات المضللة وغيرها لكن إلى حد كتابة هذه السطور لم ير هذا المركز النور ولم تحدد لا ميزانيته ولا دوره الأساسي.

واشنطن - بينما كانت روسيا تعمل على تقويض الانتخابات الأميركية وزرع الفتنة بين الأميركيين قرر الكونغرس إنشاء مركز استخبارات لقيادة الجهود لوقف تدخل الخصوم الأجانب. ولكن بعد مرور عامين، لا يزال هذا المركز غير موجود.

ويتفق الخبراء المخابرات ومسؤوليها على نطاق واسع على أن المركز المقترح فكرة جيدة. ويرون أن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية متماسكة لمحاربة عمليات التأثير، مع عدم وجود تنسيق كاف بين وكالات الأمن القومي.

مهمة المركز

يواصل خصوم الولايات المتحدة، الذين حاولوا التدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرتين، إغراق الأميركيين بالمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة في وقت يشكل خطرًا على الديمقراطية في الولايات المتحدة وحول العالم.

سوزان سبولدينغ: المعلومات المضللة تهدد الأمن القومي ويجب التعامل معها بسرعة

لكن مجتمع الاستخبارات والكونغرس لا يزالان منقسمين حول مهمة المركز وميزانيته وحجمه، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين. كما أن مهمة قيادته لم تتضح بعد، فقد تحدد شخص هذا العام كمدير محتمل له لكن تم تعيينه في مكان آخر ومن المحتمل ألا يفتح المركز في أي وقت قريبًا.

وقال ديفيد سالفو، نائب مدير التحالف من أجل تأمين الديمقراطية ونائب مديره وزميل أول في صندوق مارشال الألماني “إنها هدية لروسيا والصين وآخرين ممن تتوجه أنظارهم إلى انتخابات التجديد النصفي وإلى الحملات المستمرة لزعزعة استقرار المجتمع الأميركي”.

وكان كبير مسؤولي المخابرات في البلاد قد دافع عن المركز قبل توليه منصب الاستخبارات. وشارك مدير الاستخبارات الوطنية أفريل هينز العام الماضي في رئاسة فريق عمل تابع لصندوق مارشال الألماني يدعمه. وقالت المتحدثة نيكول دي هاي في بيان إن مكتب المدير “يركز على إنشاء مركز لتسهيل ودمج جهود مجتمع الاستخبارات لمعالجة النفوذ الاجنبي الخبيث”.

لكنّ بعض المشرّعين قلقون بشأن زيادة توسيع مهمة مكتب مدير الاستخبارات الوطنية. فقد كان تصور المكتب في الأصل كهيئة تنسيق صغيرة لمعالجة إخفاقات تبادل المعلومات الاستخباراتية التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويتبعه العديد من المراكز التي يقول المنتقدون إنها محاولات حسنة النية لحل المشكلات ولكنها تنتهي بالتسبب في ازدواجية غير ضرورية.

وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مارك وورنر، إنه بينما يدعم المركز، كانت هناك “أسئلة مشروعة حول الحجم الذي يجب أن تكون عليه مثل هذه المنظمة وحتى حول المكان الذي يمكن أن تنسق فيه” مع الجهود الحكومية الحالية لمكافحة التدخل الأجنبي.

مارك وورنر: هناك أسئلة حول الحجم الذي يجب أن يكون عليه مثل هذا المركز

وتابع الديموقراطي عن فرجينيا في بيان “نريد أن نتأكد من أن هذا المركز يعزز تلك الجهود بدلاً من تكرارها أو إغراقها في بيروقراطية غير ضرورية. ليس لديّ أي شك حقيقي في أننا سنقف في النهاية في مركز الصدارة في المستقبل القريب نسبيًا، لكننا نحتاج إلى التأكد من أننا سنفعل ذلك بشكل سليم”. ومن غير الواضح من سيقود المركز. كما توجد وظيفة شاغرة لمدير تنفيذي جديد للتهديدات الانتخابية بعد أن أنهى المدير التنفيذي السابق شيلبي بيرسون فترة ولايته وعاد إلى منصب استخباراتي آخر. وكان بيرسون في دائرة الضوء العام الماضي بعد أن قدم للمشرعين إحاطة مغلقة بشأن جهود روسيا للتدخل في انتخابات 2020 لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب. وأثار ذلك غضب ترامب، الذي وبّخ مدير المخابرات الوطنية آنذاك.

تهديد الأمن القومي

لطالما حذر خبراء الديمقراطية من أن ما تصفه الحكومة بـ”التأثير الخبيث” هو تهديد للأمن القومي. وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في جعل المعلومات المضللة تكتيكًا رخيصًا وقويًا للخصوم الذين يمكنهم الترويج للقصص ومقاطع الفيديو والصور الكاذبة أو المعدلة وتضخيم الأكاذيب المتداولة بالفعل بين الأميركيين للترويج لمصالحهم الخاصة وخلق الفوضى.

واتهمت الولايات المتحدة وسلطات غربية أخرى روسيا بنشر معلومات مضللة حول فايروس كورونا واللقاحات، وسرقة البيانات من خوادم الانتخابات المحلية والولائية، والترويج لقصص كاذبة تهدف إلى استغلال الانقسامات حول العرق والحقوق المدنية. ووجدت وكالات الاستخبارات أن روسيا استخدمت عمليات التأثير للتدخل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016 لصالح حملة ترامب وأجرت عمليات لصالح الرئيس السابق في 2020.

وقيّمت الولايات المتحدة أن الصين لم تتدخل في نهاية المطاف في انتخابات 2020، لكن بكين اتُهمت بالترويج لنظريات خاطئة حول جائحة كوفيد – 19 ومحاولة التأثير على الشركات وجميع مستويات الحكومة.

واتُهمت إيران برعاية رسائل بريد إلكتروني يبدو أنها تحاول ترهيب الناخبين من ذوي الميول الديمقراطية بالإضافة إلى إجراءات أخرى كانت تهدف إلى تقويض الدعم لترامب وتقويض الإيمان بالديمقراطية الأميركية. ويقول الخبراء إن المركز الجديد يمكنه تحذير الأميركيين من التدخل وتقديم معلومات أفضل لصانعي السياسة.

كما قالت جيسيكا برانت الخبيرة في التدخل الأجنبي والمعلومات المضللة في معهد بروكينغز “نحن غير منظمين بطريقة نبني فيها صورة تهديد متماسكة”.

لكن هناك مخاطر في مجتمع الاستخبارات الذي يكثف مراقبته لما يراه الأميركيون ويقرؤونه. وجاء اتهام مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي بالتجسس بشكل غير قانوني على الأميركيين. وهذا ما يساهم في عدم ثقة العديد من الأميركيين في مجتمع الاستخبارات، كما تفعل هجمات ترامب على المتخصصين في الاستخبارات وما اعتبره “الدولة العميقة”.

ويشير المعارضون إلى أن للولايات المتحدة أيضًا تاريخًا من التدخل السري في البلدان الأخرى وساعدت في الإطاحة بالحكومات التي يُنظر إليها على أنها معادية لأميركا. كما زعم عمود نشره موقع روسيا اليوم المدعوم من الكرملين أن المركز المقترح “مجرد غطاء رسمي لتدخل المخابرات الأميركية في السياسة الداخلية”.

خبراء المخابرات ومسؤوليها يرون أن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية متماسكة لمحاربة عمليات التأثير

ويخاطر مجتمع الاستخبارات أيضًا بأن يُنظر إليه على أنه سياسي أو ينتهك حقوق التعديل الأول إذا أخذ نفس الأكاذيب التي نشرها الأميركيون ووصفها بأنها تدخل أجنبي عندما ينشرها أحد الخصوم. وقال سالفو “سيتعين على المركز اكتشاف هذا التحدي الهائل لنقل التهديدات إلى الانتخابات والديمقراطية الأميركية، في وقت يبدو أن هناك حقيقتين مختلفتين تمامًا”.

وأذن الكونغرس ببعث المركز في أواخر 2019 ووجه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية لإنشائه. ويقول العديد من الأشخاص الذين عملوا في شؤون المخابرات في ذلك الوقت، والذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لوصف المناقشات السرية، إنهم لم يعرفوا بخصوص أيّ جهد من قبل ترامب وإدارته لوقف المركز. بدلاً من ذلك، اختلف القادة داخل مكتب مدير الاستخبارات الوطنية حول كيفية هيكلة المركز الجديد أو ما إذا كان يجب أن يكون “مركزًا افتراضيًا” دون مكتب.

ووفقًا لأحد الأشخاص عرض ويليام إيفانينا الرئيس السابق لمركز مكافحة التجسس التابع لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية أخذ مركز التأثير الخبيث تحت سلطته، لكن المكتب في النهاية لم يتبنّ هذا الخيار. وامتنع إيفانينا عن التعليق. وبعد أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه قدّم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية خطة لمركز صغير يضم بضع عشرات من الموظفين إلى لجنتي الاستخبارات والاعتمادات في مجلسي النواب والشيوخ. ولكن حتى عندما طلب الكونغرس إنشاء المركز فقد أعرب نواب رئيسيون من كلا الحزبين عن مخاوفهم بشأن الخطة.

وفشل اقتراح لتمويل المركز هذا الصيف ومن غير المرجح أن يكتمل بينما تعمل الحكومة بتمويل مؤقت. قد يتم تضمين المركز الآن إذا تمت الموافقة على خطة إنفاق كاملة في أوائل 2022. ودعت سوزان سبولدينغ خبيرة الأمن الانتخابي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حكومة الولايات المتحدة إلى التحرك بسرعة، وقالت “ليس الوقت في صالحنا. تهدد المعلومات المضللة الأمن القومي ويجب التعامل معها على وجه السرعة”.

7