لا أثر للأميركيين من أصل فلسطيني في خطب الانتخابات

واشنطن - أحبط تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع الحرب بين إسرائيل وحماس سامية الصيد. لكنها وجدت في ترشح نائبة الرئيس كامالا هاريس واختيارها نائبها بصيص أمل صغير. وقالت إن هذا الأمل تلاشى خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الشهر الماضي، حيث لم يصعد أيّ متحدث أميركي فلسطيني على المسرح خلال الحدث. وأمدّها الاستماع إلى هاريس بإحساس أن المرشحة الديمقراطية ستواصل السياسات الأميركية التي أغضبت الكثيرين في المعسكر المناهض للحرب.
وقالت الصيد، وهي عضو في منظمة مجتمعية في نيو مكسيكو “لم أستطع التنفس لأنني شعرت بأنني غير مرئية وممحوة من المشهد”. وكانت ستحتفل بصعود امرأة ملونة وترشحها عن الحزب الذي تدعمه في ظل ظروف مختلفة. لكنها تتألم من الخيارات الانتخابية التي تجد نفسها أمامها اليوم.
وكان العديد من الفلسطينيين الأميركيين يواجهون على مدى أشهر الضربة المزدوجة المتمثلة في ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين والمعاناة في غزة ودعم حكومتهم لإسرائيل في الحرب. وانضموا إلى الحلفاء المؤيدين للفلسطينيين، وحزنوا ونظموا وضغطوا واحتجوا بينما بُثّت عمليات القتل والدمار على شاشاتهم ومست مشاهدها عائلاتهم. ويواجهون اليوم قرارات التصويت الصعبة والشخصية، بما في ذلك في الولايات الحاسمة.
وقالت الصيد إن الفترة تعدّ صعبة للشباب الفلسطينيين والأميركيين الفلسطينيين. وأكدت انتشار الألم في صفوفهم. وقالت إنه غياب التغيير الفعال، ما يعني أن التصويت لهاريس سيشبه “ضربة في القلب”. وترغب الصيد، وهي ديمقراطية ونسوية، في المساعدة في منع رئاسة دونالد ترامب مرة أخرى والبقاء بين الديمقراطيين “لتحميلهم المسؤولية”. وأضافت “إنه حقا مكان يصعب التواجد فيه”.
وليست الصيد الوحيدة التي تعيش هذه التجربة. وكان سفك الدماء في غزة يطارد غادة النجار في جورجيا. وقالت إن الحرب أودت بحياة أكثر من 100 من أفراد عائلتها الممتدة في غزة، حيث ولد أبواها. ورأت النجار فرصا أضاعها الديمقراطيون في التواصل مع الناخبين مثلها. وشعرت بانفصال بين السياسات الأميركية وتأكيد هاريس أنها والرئيس جو بايدن يعملان على تحقيق وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن.
◙ الطلب على تغيير السياسة لا يزال قائما وسجّل "غير الملتزمين" على الصعيد الوطني مئات الآلاف من الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي
وقالت النجار التي نظمت حملة لصالح بايدن في2020 "لن يتوقف هذا دون وقف الدعم المالي الأميركي والدعم العسكري لإسرائيل. أنا مواطنة أميركية. أنا دافعة ضرائب.. وأشعر بالخيانة والإهمال". وستواصل البحث عن تغييرات في السياسة، ولكنها قد تترك ورقة الاقتراع فارغة. وقالت إن هاريس يجب أن تجتهد لتكسب صوتها.
وقالت هاريس، في خطابها في اللجنة الوطنية الديمقراطية، إنها وبايدن يعملان على إنهاء الحرب بحيث “تكون إسرائيل آمنة، ويتم إطلاق سراح الرهائن، وتنتهي المعاناة في غزة، ويمكن للشعب الفلسطيني أن يتمتع بحقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير". وأكدت أنها “ستضمن دائما أن لإسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها”، بينما وصفت المعاناة في غزة بالـ”محزنة”.
ويعتبر بعض الذين عارضوا بايدن بسبب الحرب خطابها الأخير حول معاناة الفلسطينيين متعاطفا. لكن غياب كل تحول ملموس في السياسة أحبط العديد من أولئك الذين يريدون رؤية نهاية للحرب. وحث نشطاء يطالبون بوقف دائم لإطلاق النار على فرض حظر على الأسلحة الأميركية لإسرائيل التي أسفرت حملتها العسكرية في غزة عن مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني وفقا لمسؤولي الصحة في غزة.
واندلعت الحرب بسبب هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل الذي قتل فيه مسلحون بقيادة حماس حوالي 1200 شخص واحتجزوا حوالي 250 رهينة. وقالت ليلى العبيد، وهي فلسطينية – أميركية ومديرة مشاركة للحركة الوطنية غير الملتزمة، إن الطلب على تغيير السياسة لا يزال قائما. وسجّل “غير الملتزمين” على الصعيد الوطني مئات الآلاف من الأصوات في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
وأضافت ليلى أن هاريس وفريقها تلقوا دعوة للاجتماع قبل 15 سبتمبر مع قادة الحركة “غير الملتزمين” من الولايات الحاسمة الرئيسية ومع عائلات فلسطينية قُتل أقاربها في غزة. وقالت إنه بعد ذلك التاريخ “سنحتاج إلى اتخاذ القرار إذا كان بإمكاننا بالفعل تعبئة قاعدتنا” للتصويت لصالح هاريس. وأضافت أنه “لا يمكننا التأييد” دون تغيير السياسة، وسنواصل بدلا من ذلك الحديث عن “مخاطر” رئاسة دونالد ترامب، تاركين الناخبين يصوتون حسب ضمائرهم.
ويأخذ بعض النشطاء الآخرين المناهضين للحرب الأمر إلى أبعد من ذلك، ويدعون إلى حجب الأصوات عن هاريس في غياب التغيير. وقالت العبيد “تُسلّط ضغوط لمعاقبة الحزب الديمقراطي. يكمن موقفنا في الاستمرار في شغل مساحة داخل الحزب الديمقراطي”، والضغط من أجل التغيير من الداخل.
وبرزت بعض التوترات في مسيرة أغسطس في ميشيغان حين قاطع المتظاهرون المناهضون للحرب هاريس. وقالت هاريس في البداية إن صوت الجميع مهم. ثم اتخذت لهجة أكثر حدة مع استمرار الصراخ وهتاف المتظاهرين بأنهم “لن يصوتوا للإبادة الجماعية”. وقالت “إذا كنتم تريدون أن يفوز دونالد ترامب، فقولوا ذلك”.
وترفض ندى الحانوتي، نائبة المدير الوطني للتنظيم في مجموعة “إمغايج أكشن” غير الربحية التي تركز على تشجيع إقبال الناخبين المسلمين، حجة البعض بأن الناخبين الديمقراطيين التقليديين الذين يحجبون الأصوات عن هاريس يساعدون ترامب في الواقع. وقالت إن المسؤولية يجب أن تقع على هاريس وحزبها. وأضافت “أصبحت هوية الفلسطيني الأميركي صراعا اليوم. لا أريد رئاسة ترامب، لكن الحزب الديمقراطي يحتاج إلى الفوز بأصواتنا في الوقت نفسه”.
وقالت إنها شعرت بالاستياء إزاء غياب أيّ متحدث فلسطيني على منصة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، لكنها شعرت بالتأثّر لمّا جعل النشطاء “غير الملتزمين” من قضية الفلسطينيين موضوعا للنقاش في المؤتمر. ومُنح النشطاء مساحة لعقد منتدى لمناقشة محنة الفلسطينيين في غزة. وصرحت “ما زلنا في المجتمع في حاجة إلى مواصلة الضغط على هاريس بشأن شرط المساعدات ووقف إطلاق النار. فلم تنته المعركة بعد”.
وقالت إنها لم تشهد أبدا حزنا مثل الذي عاشته خلال العام الماضي. وترى في فتيات غزة جدتها الراحلة التي كانت تبلغ من العمر 10 سنوات حين نزحت من منزلها خلال حرب 1948 وعاشت في مخيم للاجئين في سوريا، وكانت تحلم بالعودة إلى ديارها. وأضافت “يمزقني هذا تماما”. وتحاول توجيه ألمها للضغط على المسؤولين المنتخبين وتشجيع أفراد المجتمع على التصويت. وتشهد ما قالت إنه زيادة في اللامبالاة، حيث يشعر الكثيرون أن تصويتهم لن يكون مهمّا. وتابعت “تكمن مهمتنا في جعل مجتمعنا المسلم يصوّت لأن قوتنا تكمن في الاتحاد”.
وعملت إمغايج (التي أيدت لجنة عملها السياسي بعد ذلك بايدن) ومجموعات أخرى على زيادة إقبال الأميركيين المسلمين، وخاصة في الولايات المهمة، على المشاركة في انتخابات 2020. ولئن كان عدد المسلمين صغيرا بين الأميركيين، فإن النشطاء يأملون في أن يمكّن تنشيط المزيد منهم في الولايات التي تقيم فيها أعداد أكبر، مثل ميشيغان، من إحداث فرق بمعية الأعراق المتقاربة، وإظهار قوة المجتمع السياسية.
ويريد بعض الناخبين توجيه رسالة للمرشحين. وقال عمر أبوعطية، طالب الصيدلة في جامعة روتجرز في نيو جيرسي، “لقد منحت مجموعتنا أصواتها بثمن بخس. وعندما ندرك أن أصواتنا يمكن أن تكون أداة للمساومة سوف نكتسب المزيد من السلطة”. وأما أبوعطية الذي وُلدت أمه في غزة فإن المطروح هو الإعداد للتصويت لطرف ثالث “لإظهار الوزن العددي الذي أصبحت تمتلكه الجماعة حاليا والذي ويؤهلها لكي تكون طرفا ينبغي أخذه بعين الاعتبار مستقبلا”.
وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في فبراير أن المسلمين الأميركيين يبقون أكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني من العديد من الأميركيين الآخرين وأن 6 في المئة فقط من الراشدين الأميركيين المسلمين يرون أن الولايات المتحدة تحقق التوازن الصحيح بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويتعاطف حوالي ثلثي الناخبين المسلمين المسجلين مع الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه.
◙ استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في فبراير يظهر أن المسلمين الأميركيين يبقون أكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني من العديد من الأميركيين الآخرين
لكنّ المسلمين في الولايات المتحدة، المتنوعين عرقيا وإثنيا، ليسوا متجانسين في سلوكهم السياسي. ودعّم البعض هاريس علنا في هذه الدورة الانتخابية. وسجلت الأسوشيتد برس في 2020 أن 64 في المئة من الناخبين المسلمين أيدوا بايدن وأن 35 في المئة أيدوا ترامب.
وذكرت حملة هاريس أنها عينت شخصين للتواصل مع المسلمين والعرب. وقالت إن المرشحة “ستواصل الاجتماع مع قادة من الجاليات الفلسطينية والإسلامية والإسرائيلية واليهودية، كما فعلت طوال فترة توليها منصب نائب الرئيس”، دون التعليق على طلب الحركة غير الملتزمة بعقد اجتماع قبل 15 سبتمبر. ويشكك في هاريس أولئك الذين يرون أن إدارة بايدن – هاريس لم تفعل ما يكفي للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، إضافة إلى الجمهوريين الذين يتطلعون إلى وصف دعمها لإسرائيل بغير الكافي.
وقالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية الوطنية لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إن الرئيس السابق “سيحقق السلام مرة أخرى من خلال القوة لإعادة بناء وتوسيع تحالف السلام الذي بناه في ولايته الأولى لخلق السلامة والأمن على المدى الطويل لكل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني”. وغضب العديد من الأميركيين العرب والمسلمين من الحظر الذي فرضه ترامب أثناء وجوده في منصبه. حيث أثّر قراره على حركة المسافرين من العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة. وكان هذا أمرا ألغاه بايدن.
وقال علي رملاوي، الذي يمتلك مطعما في آن آربر في ميشيغان، إن ترشيح هاريس منحه في البداية ارتياحا بشأن مختلف القضايا المحلية. لكن اللجنة الوطنية الديمقراطية تركته محبطا بشأن القضية الفلسطينية. وكان يتوقع أن يصوت للديمقراطيين قبل المؤتمر، لكنه يقول الآن إنه يفكر في دعم حزب الخضر أو ترك الورقة فارغة. وأضاف "لا يجب أن يعتبروا تصويتنا أمرا مفروغا منه، فلن أصوّت لأهون الشرين".