لاجئون من السودان يجدون أمانا هشا في إثيوبيا

بعد أن كان السودان ملاذ الهاربين من العنف الدائر في إثيوبيا وإريتريا انقلب الأمر منذ اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع ليلجأ السودانيون إلى بلدة ميتيما الإثيوبية الحدودية في رحلة طويلة وشاقة ليحلّوا بمخيم عشوائي تنقصه أبسط مقومات الحياة في ظل غياب المساعدات الكافية.
ميتيما (إثيوبيا) - وصل محمد يوسف الى بلدة ميتيما الإثيوبية منهكا بعد رحلة مضنية هربا من المعارك الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن الراحة التي تحققت بعد بلوغه برّ الأمان، سرعان ما استحالت قلقاً حيال مستقبل غير واضح.
وتبيّن للسوداني محمد أن خياراته شبه معدومة، عليه الانتظار لوقت يُرجَّح أن يكون طويلا، في مخيم عشوائي أقيم في البلدة الحدودية بشمال غرب إثيوبيا، وفي ظل نقص يطال كل شيء تقريبا.
وفرّ أكثر من 15 ألف شخص من السودان عبر ميتيما منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفق أرقام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة التي أفادت أنه جرى تشريد أكثر من 700 ألف شخص.
وقال شهود إن المعارك تصاعدت في العاصمة السودانية الأربعاء وسط اشتباكات عنيفة وضربات جوية، فيما يواصل وفدان يمثلان الجيش وقوات الدعم السريع محادثات في السعودية.
وتهدف المفاوضات بين الجانبين إلى تثبيت هدنة فعلية والسماح بوصول عمال الإغاثة وإمداداتها بعد أن أخفقت إعلانات متكررة عن وقف إطلاق النار في وقف القتال الأمر الذي جعل الملايين محاصرين في منازلهم ومناطقهم.
رحلة شاقة لأكثر من 15 ألف لاجئ امتدت لمسافة 550 كيلومترا إلى الحدود الإثيوبية مصحوبة بالخوف من التعرض للسرقة
وتقول منظمات الإغاثة إنها تسجّل يوميا ما معدّله ألف وافد جديد إلى ميتيما.
وروى اللاجئون الظروف المروعة التي مرّوا بها، إذ أمضوا أياما يحاولون الاحتماء في منازلهم في ظل دوي الانفجارات وإطلاق النار المتبادل، قبل بدء رحلة شاقة امتدت لمسافة 550 كيلومترا من الخرطوم إلى الحدود الإثيوبية، مصحوبة بالخوف والقلق من التعرض للسرقة.
وعلى الرغم من الغبار وحرارة الشمس الحارقة، شكّلت ميتيما الواقعة إلى الجنوب الشرقي من الخرطوم وتربطها بها طريق مباشرة، ملجأ لسودانيين وإثيوبيين وغيرهم من سكان السودان الذين أنهكتهم أسابيع من القتال فشلت معها كل محاولات التهدئة.
وقال محمد يوسف (30 عاما)، “الآن بتنا في أمان ويوفّرون لنا المأوى وبعض الغذاء أحيانا”.
وعلى الرغم من هذا الاطمئنان النسبي بعيدا من المعارك، تبقى ظروف الحياة في المخيم صعبة ومعقّدة، وفق يوسف الذي كان يعمل مدقّق حسابات في السودان.
ويوضح أن غالبية اللاجئين في المخيّم “تنقصهم الأساسيات ولا يملكون المال لإطعام أطفالهم، والوضع سيء”.
ولا يعدو المخيّم الذي أنشئ على عجل كونه تجمعا من قطع القماش التي استحالت سقوفا معلّقة بالأشجار.
وبنهاية فترة بعد الظهر يفرغ خزان مياه بسعة 10 آلاف ليتر يفترض به أن يروي ظمأ آلاف الأشخاص، ولا إمكانية لملئه مجددا قبل صباح اليوم التالي.
أولئك الذين يحملون المال يعتمدون على الباعة المتجولين المحليين لشراء مياه معدنية أو عصير الفواكه الذي يبقى مبرّدا بقطع من الأقمشة الرطبة.
ويعبر الحدود كل يوم المئات من الأشخاص على الأقل الذين ينقلون أمتعتهم على ظهور الحمير أو باستخدام حمّالين أصبحوا “إلزاميين” ويطلبون بديلا ماليا لذلك.
لكن البعض لا يحتاجون خدمات كهذه لأنهم أتوا بلا حاجيات، ومنهم محمد علي الإثيوبي الذي هاجر من بلاده قبل سبعة أعوام بحثا عن لقمة العيش في السودان.
ويقول بأسى، “أنفقت الكثير من المال لأذهب إلى هناك لكنني اضطررت للاستدانة من أجل العودة إلى بلادي”.
ويوضح أنه من الصعوبة بمكان تأمين وسيلة نقل للخروج من الخرطوم “فالحافلات الكبيرة قد تطلب ما يصل إلى 150 ألف ريال سوداني (250 دولارا) وثمة العديد من الحواجز على الطريق”.
ويشير إلى أنه عند كل نقطة من هذه النقاط قام مسلّحون “بتفتيشنا.. وأخذوا كل ما عثروا عليه (معنا)، بما فيه أموالنا وأيّ أغراض عائدة لنا”.
ولم يكن مواطنه ذكير أبا جهاد أفضل حالا. ويقول هذا الشاب البالغ 25 عاما وكان يعمل في مصنع للفولاذ “عشت هناك ثمانية أعوام، وغادرت دون أن يكون معي سوى الملابس التي أرتديها”.

ويأمل هذان الشابان في إعادة إطلاق حياتهما في بلدهما بمجرد أن يتمكنا من مغادرة ميتيما وبلوغ مدينتهما جيما الواقعة على مسافة ألف كيلومتر إلى الجنوب الغربي منها.
وفي حين عاد محمد يوسف ومحمد علي إلى بلدهما، يواجه آخرون معضلة التواجد في بلد أجنبي من دون جواز سفر.
ويوضح الأفغاني محمد يوسف (29 عاما) الذي كان يدرس الهندسة في السودان، أنه تواصل وعدد من مواطنيه مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة طلبا للمساعدة.
ويقول “في الوقت الراهن لا نتوقع أي شيء.. لكن نأمل في حصول أمر جيد”.
من جهته، أبلغ لاجئ نيجيري فرانس برس عن شعوره بأنه عالق في مكانه، موضحا أنه يحتاج لاستصدار تأشيرة دخول إثيوبية في حال أراد مغادرة المخيّم، لكنه غير قادر على تحمّل كلفة ذلك.
ويقول “يطلبون 80 دولارا لقاء التأشيرة لكنني لا أملك المال”.
وبالنسبة إلى السودانيين مثل محمد يوسف، يبدو الآتي من الأيام غامضا، إذ يستبعد العودة إلى بلاده حتى في حال توقّف القتال الذي يقترب من إتمام شهره الأول.
ويقول إن الوضع “من سيء الى أسوأ.. ما هو المستقبل هناك إذا توقفت الحرب اليوم؟ هل تعتمد الديمقراطية؟”.
ويشدد على وجوب “أن نكون واقعيين، علينا أن ندبّر إيجاد حلّ آخر”، مشيرا إلى رغبته بطلب اللجوء إلى بلد ثالث.
وفي انتظار ذلك، وفي غياب أي أفق لعودة سريعة يضيف يوسف “ليس لدينا أيّ أمل فعلا”.