لاجئون في تونس يطاردون حلم الإجلاء منذ سنوات

يعاني طالبو اللجوء في تونس من وضعيات بائسة بسبب تقاعس مكاتب مفوضية شؤون اللاجئين في تقديم المساعدات الضرورية لمن تقطعت بهم السبل والتباطؤ في دراسة الملفات، هذا بالإضافة إلى نظرة المجتمع التونسي لهؤلاء اللاجئين التي تتسم بالعنصرية كما صرح بذلك بعض القادمين من أفريقيا.
تونس - يعلو صراخ رضيع يجلس على فراش مهترئ فوق الجادة المحاذية لمقر مكتب مفوضية اللاجئين التابع للأمم المتحدة في تونس، بينما تحاول أمه اليمنية السيطرة على شقيقيه الأكبر سنا حتى يخلدا إلى النوم.
قررت حبيبة ورسني قطع نحو 500 كيلومتر برفقة أطفالها الثلاثة من مدينة مدنين جنوب تونس لتحط الرحال أمام مكتب مفوضية شؤون اللاجئين في العاصمة شمالا، من بين العشرات من اللاجئين الذين قدموا عبر رحلات برية ليبدأوا اعتصاما من أجل المطالبة بإجلائهم.
وتحول الرصيف المحاذي لمقر المفوضية في منطقة البحيرة الراقية في الضاحية الشمالية، إلى تجمع أقرب إلى المخيم حيث افترش المعتصمون الرصيف واضطروا للمبيت في العراء. وقبل ذلك كانوا قد اعتصموا نحو شهرين أمام مكتب المفوضية في جرجيس (جنوبي البلاد).
وهذه أحدث محاولة ينفذها اللاجئون بهدف الضغط على المفوضية بعد سنوات من الانتظار والضياع، على أمل المغادرة إلى إحدى الدول الغنية بحثا عن فرصة لبدء حياة جديدة.
قدمت حبيبة (33 عاما) من أطراف العاصمة الصومالية مقديشو بعد أن غادرتها منذ العام 2002 هربا من نزاع قبلي حول ملكية أراض زراعية أدى إلى مقتل والدها.
تونس مثلت وجهة استقطاب أولى للهاربين من الحرب في ليبيا منذ 2011 ثم السودانيين، حيث فتحت السلطات مخيم الشوشة في الجنوب استقبل الآلاف من اللاجئين
وتروي حبيبة، وهي تحاول إسكات ابنها، تفاصيل رحلتها التي قادتها في البداية إلى اليمن مع أمها وأخيها وهناك تزوجت من يمني لكنه قتل في الحرب عام 2015.
كما توفي لاحقا أخيها ووالدتها فاضطرت للهجرة مجددا على أيدي عصابات التهريب لتحط الرحال في ليبيا ومن ثم ذهبت إلى النيجر وبعدها دخلت الجزائر ثم انتهى بها المطاف في مركز لإيواء اللاجئين بمدينة مدنين جنوب تونس.
وقبل القدوم إلى العاصمة شاركت حبيبة في الاعتصام لأكثر من شهرين أمام مكتب المفوضية في جرجيس. وتضيف في روايتها بينما يصرخ ابنها من أجل الطعام "لا يوجد شيء، لا غذاء ولا فضاءات صحية.. تعطلت دروس أبنائنا. أجبرونا على الخروج من المنازل ويماطلون في البت في ملفاتنا". وتتابع في يأس “نريد الإجلاء إلى بلد آخر. لا نريد البقاء في تونس.. الحياة صعبة علينا هنا. نحن نبحث عن مستقبل أفضل لأبنائنا".
ومثلت تونس وجهة استقطاب أولى للهاربين من الحرب في ليبيا منذ 2011 ثم السودانيين. وفتحت السلطات مخيم الشوشة في بن قردان في الجنوب حيث استقبل الآلاف من اللاجئين، لكن جرى غلقه نهائيا باستخدام قوات الأمن في 2017 فيما نجح المئات في الإجلاء نحو دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا.
ويسعى أغلب المهاجرين الذين يتدفقون خاصة من دول أفريقيا جنوب الصحراء على تونس، في البداية للعبور نحو السواحل الأوروبية عبر رحلات محفوفة بالمخاطر وفوق مراكب صغيرة متداعية انطلاقا من السواحل لكن ينتهي كثير منهم أمواتا في البحر.
ويفضل طالبو اللجوء الانتظار إلى حين البت في طلبات إجلائهم إلى إحدى الدول الغربية، في الأثناء تتكفل مفوضية اللاجئين بإيوائهم ومنحهم مساعدات مالية لتدبر أمرهم.
وقال مصطفى خاطر لاجئ من دارفور "غادرت بسبب الحرب والإبادة الجماعية. كل ما أبحث عنه هو عمل وحياة كريمة. وصلت مع لاجئين آخرين من السودان إلى ليبيا.. عانينا هناك من مشاكل وسجنت في سجن بني وليد وأبوسليم في 2017".
غادر مصطفى ليبيا وكانت وجهته هذه المرة تونس في 2019 غير أنه واجه أيضا هنا مشاكل جديدة حيث اعتقله حرس الحدود وصدر ضده حكم بالسجن لمدة شهرين مع وقف التنفيذ بتهمة اجتياز الحدود بطريقة غير شرعية.
البدائل التي تقدمها المفوضية لا ترتقي إلى الحد الأدنى من مستويات المعيشة لطالبي اللجوء بجانب بطء دراسة الملفات
ويحتج المعتصمون أمام مقر المفوضية في العاصمة ضد تدهور أوضاعهم المعيشية بعد قطع المنظمة المساعدات المالية، وغلق الكثير من مراكز الإيواء ليجد أغلب اللاجئين في مدنين أنفسهم أمام مصير مجهول. ويقول مصطفى متذمرا "تلقينا أسوأ معاملة من طرف المنظمة. وضعونا في مبيت في جرجيس في الجنوب في منطقة نائية بعيدة عن المدينة ولا يمكننا التحرك خارجه ولا التواصل مع السكان. إذا غادرناه يقطعون المساعدة المالية البسيطة ويمنعون عنا السكن".
ومثل مصطفى يشكو أغلب اللاجئين في مدنين من افتقادهم للخدمات الصحية والاجتماعية. ويضيف اللاجئ السوداني "تخلوا عنا ورمونا في الشارع". وقال لاجئ من إريتريا بأعلى صوته "لقد باعونا والناس ينعتوننا هنا بالأوساخ. نحن نريد الإجلاء".
وبينما اضطر عدد من اللاجئين إلى أن يهيموا في الشوارع لتدبر أمرهم، وجدت حبيبة صعوبة بالغة في إعالة أطفالها وقد تقطعت بها السبل لتأمين قوتها اليومي.
وتقول حبيبة "في كفالتي ثلاثة صغار.. لا يمكنني في هذا الوضع العمل، والسكان هنا لا يريدون أن يؤجروا لنا بيوتهم.. نحن نعيش في الشوارع ولا نعرف أي اتجاه يسلكه مصيرنا. لا يمكننا العودة إلى الصومال هذه مسألة انتهت. لمن سأعود مات أبي وأفراد عائلتي في اليمن".
ومحنة اللاجئين مضاعفة في تونس كون أغلبهم اشتكوا في روايتهم من التمييز والعنصرية من السكان المحليين. وقال لاجئون من إريتريا إنهم تعرضوا للمضايقات والضرب من قبل الشرطة.
وقال أحدهم "أوقف رجل شرطة سيارة أجرة كنا على متنها ثم فتح الباب ووجه لنا سؤالا عن ديانتنا، قلنا إننا مسيحيون. وعندما ذهب بعضنا إلى المسجد للإفطار في رمضان تعرضوا للإهانة من المصلين".
وفي بيان مشترك انتقدت منظمات حقوقية في تونس مفوضية اللاجئين وقالت إن البدائل التي تقدمها لا ترتقي إلى الحد الأدنى من مستويات المعيشة لطالبي اللجوء بجانب عدم تقديم المساعدة المناسبة وبطء دراسة الملفات، وأوجه القصور في الحصول على الخدمات الأساسية؛ مثل الرعاية الصحية والتعليم وسبل العيش والدعم القانوني والمالي والنفسي والاجتماعي.
وتقول المنظمات "إن سياسة إغلاق الأبواب في مواجهة محنة الرجال والأطفال والنساء الذين يلتمسون اللجوء وتركهم للعيش في العراء فترات طويلة لا تحقق زيادة الوعي بمعاناة اللاجئين والدفاع عن حقوقهم وتنسيق الجهود لدعمهم".