كيم وولهوتر حارس الغابات الأفريقي ينذر حياته للدفاع عن الضباع

وولهوتر يعيش مع زوجته هانا وابنتيهما التي تبلغ من العمر ستة أعوام، في محمية سانغو للحياة البرية، داخل وادي سافيه الكائن بالمنطقة الجنوبية الشرقية من زيمبابوي.
الخميس 2024/11/21
ذكاء وشجاعة

كيب تاون (جنوب أفريقيا) - كانت بدايات المساء تطل على المكان، عندما توقف كيم وولهوتر (65 عاما) بسيارته المتهالكة من طراز تيوتا، التي أنهكها السير على الطرق الوعرة، على بعد أمتار قليلة من وكر الضباع.

في هذه اللحظات أخذت الشمس تتوارى وراء أشجار السنط، بعد أن تحولت إلى كرة حمراء بلون الدم، بينما تتلاشى تدريجيا حرارة النهار، وبدا عدد قليل من الحيوانات المفترسة منهمكا في إطعام صغاره، قبل التوجه إلى رحلة الصيد الليلي.

على بعد أمتار أخذت صغار هذه الحيوانات تتشمم الأشياء حولها في فضول، وتلهو أو تتنافس حول التقاط قطعة صغيرة من فرع شجرة.

يخرج وولهوتر من السيارة، ويمكن رؤية ثقبين على جانبيها من ناحية السائق، يمثلان تذكارين عنيفين لتعرض السيارة لهجوم في وقت سابق من جاموس وحشي. ويسير الرجل حافي القدمين مرتديا تي شيرتا باللون الكاكي، وسروالا قصيرا لونه بني فاتح.

بدأت علاقة وولهوتر الخاصة مع الضباع، منذ أكثر من 20 عاما عندما كان يشارك في إخراج فيلم وثائقي

يقترب ببطء من مجموعة من الضباع المرقطة، ويحييها ببعض الكلمات ثم يصدر أصواتا تماثل تلك التي تستخدم للتواصل مع الكلاب.

يجلس وولهوتر على الرمال وينتظر، وبعد دقيقة تقترب منه إحدى إناث الضباع.

يمد يده ويربت على رقبة الحيوان المفترس، ثم يرقد على ظهره بهدوء في وضع يعد الأكثر ضعفا واستسلاما، الذي يمكن للمرء أن يتخذه أمام حيوان شرس.

ويدخل الإثنان في لعبة من الاحتضان والمصارعة، وفي خضم حالة اللهو يقضم الضبع ساعد وولهوتر، الذي يصيح “لا، لا” كما لوكان يخاطب كلبا عندما يتحول اللعب إلى حالة من الخشونة.

وتتركه أنثى الضبع كما لو كانت فهمت كلامه، بينما جاء ضبع صغير وأخذ يشم أصابع قدميه.

ويعيش وولهوتر مع زوجته هانا وابنتيهما التي تبلغ من العمر ستة أعوام، في محمية سانغو للحياة البرية، داخل وادي سافيه الكائن بالمنطقة الجنوبية الشرقية من زيمبابوي.

ووقع وولهوتر في هوى الحياة البرية منذ نعومة أظفاره. وكان جده هاري وولهوتر أول حارس يعمل في متنزه كروجر الوطني الشهير بجنوب أفريقيا، واقتفى أثره والده هنري.

وأمضى كيم وولهوتر أولى سنوات حياته، في البرية الأفريقية إلى أن التحق بالمدرسة، وبعد سنوات تخرج وحصل على شهادة في علم البيئة، وأدار في بداية حياته العملية محمية مرخصة فيها رياضة الصيد في بوتسوانا، في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين.

عملية تعود الضباع على وولهوتر في محمية سانغو استغرقت قرابة ستة أشهر

وبعد مرور بضع سنوات بدأ يعمل، في تصوير الأفلام الوثائقية الدولية التي تتناول الحياة البرية.

ويقول وولهوتر إنه كان من المهم بالنسبة إليه، أن يطور علاقة وثيقة مع الحيوانات التي يصورها، سواء كانت فهودا أو ضباعا أو نمورا أو كلابا أفريقية وحشية.

ويضيف “أقوم بتتبع الحيوانات إلى أن أصبح مألوفا لديها، وإلى أن تتجاهل وجودي، وتتصرف حولي بشكل طبيعي تام.”

ويمكن إطلاق أي وصف عليه إلا أن يكون منتميا إلى المدينة، فمثلا لا يرتدي الحذاء إلا عندما يتوجه لمقابلة أحد المسؤولين، وحتى في هذه المهمة يفعل ذلك مضطرا وعلى مضض.

ويقوم كل ليلة تقريبا بقيادة سيارته طراز لاند روفر لعام 1988، والتي أطلق عليها اسم والدته جواني إعرابا عن حبه لها، إلى داخل الغابة بمفرده لتمضية بعض الوقت وسط الحيوانات البرية، وأحيانا يظل بصحبتها إلى أن تشرق الشمس.

وقام بتعديل سيارته لهذا الغرض، وتحويل مقاعد الركاب إلى مرتبة، وفي هذا المكان يقضي وولهوتر من خمس إلى ست ليال كل أسبوع، ويقول إنه ينام ساعات قليلة للغاية ولكنه يغفو أحيانا.

واستيقظ ذات مرة عندما شعر بأن أسدا كان يتشممه.

بدأت علاقة وولهوتر الخاصة مع الضباع، منذ أكثر من 20 عاما عندما كان يشارك في إخراج فيلم وثائقي لصالح محطة ناشونال جيوغرافيك، عن الحيوانات المفترسة في محمية مالامالا، المسموح فيها بممارسة رياضة الصيد المقنن بجنوب أفريقيا.

Thumbnail

ومنذ ذلك الحين أقام وولهوتر صداقات مع مجموعات الضباع، وطور علاقات وثيقة مع نحو 20 من الضباع في أربع من المحميات الطبيعية، في جنوب أفريقيا وبتسوانا وزيمبابوي.

واستغرقت عملية تعود الضباع عليه في محمية سانغو، قرابة ستة أشهر وفقا لما يقوله وولهوتر، وفي البداية كانت تفرّ من أمامه بمجرد أن يخرج من سيارته.

ولكن بعد مرور العديد من الليالي ومع كثير من الصبر، تقبلت وجوده في النهاية.

ويقول وولهوتر أن الضباع لها سمعة سيئة، وتوصف بالغباء والخداع والجبن وبأنها تبحث عن غذائها بين المخلفات، وهي كلها صفات تنم عن أحكام مسبقة ضدها، تعززها أفلام شركة ديزني مثل “الأسد الملك”.

ويضيف إن ثمة خرافات أيضا تدور في الكثير من الدول الأفريقية، حول أن الضباع يمكن أن تسحر الناس، وأنها نذر شؤم يمكنها أن تجلب المصائب.

ولا يأخذ وولهوتر هذه التحيزات والأحكام المسبقة مأخذ الجد، بل يسعى لإظهار أن الضباع حيوانات ذكية للغاية، وذات مهارة في الصيد وتتسم الأمهات منها بالشجاعة.

ويتابع قائلا “أنا أتفاعل مع الحيوانات تماما، إلى أن أشعر تقريبا أنني أشبهها، فأسير وأعدو وأصطاد وأنام معها كثيرا، لدرجة أنها تقبلت تماما وجودي بينها.” غير أنه يدرك أن ما يفعله تشوبه الخطورة.

ويعلم أن الهجوم المدفوع بالغريزة وسلوك القطيع، متجذران بعمق في الحيوانات. ويقول إن حركة واحدة خاطئة أو سوء تفسير لها، يمكن أن يكلفني حياتي.

16