كيف يمكن للنظام الغذائي للأب أن يؤثر على صحة نسله

توصل الباحثون إلى أن الآباء قادرون على التأثير في صحة أطفالهم من خلال نظامهم الغذائي، كاشفين أن النظام الغذائي الذي يتبعه الأب يمكن أن يكون له تأثير ليس فقط على صحته الإنجابية، بل على صحة نسله أيضا. وأكدت الدراسات أن الإفراط في الأكل أو العزوف عنه يؤثران في عملية التمثيل الغذائي لدى الأبناء والبنات على حد السواء.
كوبنهاغن (ألمانيا) - تشير دراسة أجريت على الفئران إلى أن النظام الغذائي الذي يتبعه الأب قد يؤثر على قلق أبنائه والصحة الأيضية لبناته حتى قبل الحمل.
وتوصلت الدراسة التي نُشرت في مجلة “نتشر كمينيكيشن” إلى أن توازن المغذيات الكبيرة (المكونات الغذائية من الغذاء التي يحتاجها الجسم للطاقة وللمحافظة على بنية الجسم وأجهزته) في النظام الغذائي لذكور الفئران يؤثر على مستوى السلوك الشبيه بالقلق لدى الأبناء والصحة الأيضية للفتيات.
وتتقدم الدراسة خطوة نحو فهم كيفية انتقال تأثير النظام الغذائي من جيل إلى جيل عبر الحيوانات المنوية للأب. ويمكن أن تقدم في نهاية المطاف إرشادات غذائية لآباء المستقبل، بهدف تقليل خطر الإصابة بالأمراض الأيضية واضطرابات المزاج في الجيل القادم.
وبحسب الدراسة التي أجراها فريق دولي من الباحثين، فإن الآباء قادرون على التأثير في صحة أطفالهم من خلال نظامهم الغذائي، وفقا للتجارب التي أجريت على الفئران. واكتشف الباحثون أن النظام الغذائي الذي يتبعه الأب الفأر يمكن أن يكون له تأثير ليس فقط على صحته الإنجابية، بل على صحة نسله.
ويمكن أن يؤثر الإفراط أو نقص التغذية على ذكور الفئران في عملية التمثيل الغذائي وسلوك ذريتها، فضلا عن خطر الإصابة بالسرطان. وما كان أقل وضوحا بالنسبة للباحثين هو ما إذا كانت هناك أنواع مختلفة من التأثيرات الصحية على صحة النسل، اعتمادا على نوع وتكوين النظام الغذائي لذكور الفئران قبل الحمل.
◙ الإفراط في الأكل أو العزوف عنه يؤثران في عملية التمثيل الغذائي لدى الأبناء والبنات على حد السواء
وكانت هذه نقطة البداية للبحث الذي أجراه الفريق في اتحاد جيكو الدولي، مع الباحثين الرئيسيين في كوبنهاغن وسيدني وشيكاغو. وفي مركز تشارلز بيركنز التابع لجامعة سيدني في أستراليا، قام الباحثون بإطعام الفئران الذكور واحدة من عشر وجبات غذائية تختلف في نسب البروتين والدهون والكربوهيدرات، ثم سمحوا لها بالتزاوج مع الإناث التي تمت تربيتها على نظام غذائي قياسي. ثم تمت دراسة سلوك وفسيولوجيا الجراء الناتجة.
واكتشف الباحثون أن الفئران الذكور التي تغذت على وجبات منخفضة البروتين والكربوهيدرات كانت أكثر عرضة لإنجاب ذرية ذكور يعانون من مستويات أعلى من القلق. ووجدوا أيضا أن ذكور الفئران التي تم تغذيتها بنظام غذائي غني بالدهون كانت أكثر عرضة لإنجاب بنات ذات مستويات أعلى من الدهون في الجسم وعلامات إصابة بأمراض التمثيل الغذائي.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة وزعيم اتحاد جيكو، البروفيسور رومان باريس، من جامعة كوبنهاغن وجامعة كوت دازور في نيس: "تظهر دراستنا أن نوع النظام الغذائي الذي يتم تناوله قبل الحمل يمكن أن يبرمج خصائص محددة للجيل القادم".
ويوضح البروفيسور ستيفن سيمبسون، الباحث المشارك في الدراسة والمدير الأكاديمي لمركز تشارلز بيركنز بجامعة سيدني: “من غير العادي أنه من خلال معايرة خليط من البروتين والدهون والكربوهيدرات في النظام الغذائي للأب، يمكننا التأثير على سمات محددة لصحة وسلوك أبنائه وبناته. وهناك بعض العوامل البيولوجية المهمة التي تلعب دورا هنا”. ولاحظ الفريق أن الذكور الذين يتبعون نظاما غذائيا منخفض البروتين يتناولون أيضا المزيد من الطعام بشكل عام. ومع ذلك، وبفضل تصميم الدراسة، تمكنوا من تحديد أن كمية السعرات الحرارية وتركيبة المغذيات الكبيرة في النظام الغذائي للذكور، تؤثر على صحة ذريتهم.
يقول البروفيسور رومان باريس: “تظهر دراستنا أن الأمر لا يتعلق فقط بتناول الكثير أو القليل جدا، ولكن أيضا تكوين النظام الغذائي الذي يمكن أن يكون له تأثير على الأطفال في المستقبل". وكشفت دراسة علمية أجريت في العام 2018، أن غذاء الأب، قد يلعب أيضاً دوراً حاسماً في صحة ذريته المستقبلية. وقد وجد الباحثون أن النظام الغذائي السيئ للأب ، حتى قبل حدوث الحمل ، يؤثر على صحة أطفاله في المستقبل وربما يتسبب في إصابتهم ببعض الأمراض الخطيرة.
وتوصل فريق بحثي ألماني صيني في جامعة بوتسدام الألمانية، من خلال إجراء تجارب على الحيوانات، إلى أن نمط تغذية الأب أيضا وليس الأم وحدها، له تأثير على صحة الجنين. وخلص الفريق البحثي إلى أن التجارب التي أجريت على الفئران أثبتت أن تناول أطعمة عالية الدهون، يمكن أن يؤثر سلباً على عملية التمثيل الغذائي للأجنة. كما أنه يمكن أن يؤثر سلباً على الصحة العقلية للأجنة والأطفال فيما بعد.
اقرأ أيضا:
التغذية السليمة تقي من مقدمات السكري
واستنتج الباحثون في دراستهم التي نشرت بمجلة “ديابيتولوجيا ” الألمانية الطبية، أن تغذية الأب لا تقل أهمية عن تغذية الأم في تأثيرها على صحة الجنين، وأن الرجال يجب أن يدركوا أهمية التغذية الصحية المتوازنة قبل الحمل لأن عادات الأب الغذائية الصحية قد تؤثر على الحيوانات المنوية ومادتها الوراثية، وتنتقل بالتالي إلى الشفرات الوراثية للأبناء، وتخفض من خطر إصابتهم لاحقاً بالتشوهات الخلقية والأمراض الخطيرة.
وركز الباحثون على العلاقة بين النظام الغذائي الغني بالدهون وعالي السكر والأملاح للأب أثناء وبعد نضج الحيوانات المنوية، وبين اضطراب نسبة الغلوكوز للجنين، والذي قد يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري بعد الولادة أو في مراحل عمرية متقدمة. واستناداً إلى نتائج الدراسة بقيادة أخصائي أمراض الكلى، البروفيسور برتولد هوشر بجامعة بوتسدام، فمن الضروري أن يحصل كلاً من الأب والأم على كمية كافية من حامض الفوليك قبل الحمل.
ويلعب حامض الفوليك في غذاء الأب دوراً مهما أيضاً في نسبة الخصوبة، إذ وجد الباحثون أن مجموعة الذكور الذين تناولوا أغذية تحتوي على كميات منخفضة من حامض الفوليك تعرضت لخطر العقم بسبب انخفاض معدلات الخصوبة لديهم. وبدورها كشفت دراسة أميركية حديثة أن زيادة وزن الآباء يمكن أن تتسبب بمعاناة أولادهم بارتفاع نسبة الدهون في أجسامهم. وتشير النتائج إلى التأثير الذي يلعبه طبيعة غذاء الأهل على تطور أجسام أبنائهم.
وأجرى الدراسة باحثون من جامعة أوهايو، إذ أطعموا فئرانا ذكورا كمية من الدهون لتصبح بدينة، وامتد ذلك لمدة 13 أسبوعا قبل التزاوج من الإناث،ثم درسوا تأثير ذلك على أبنائهم. وبينت النتائج أن صغار الفئران البدينة كانت في الأسبوع السادس من عمرها أكثر وزنا من فئران أخرى ولدت من فئران ذكور ذات وزن طبيعي، كما أصبحت هذه الفئران بدينة عند بلوغ الشهر السادس وأكثر بدانة عند عمر العام.
وأشارت الباحثة المشاركة في الدراسة فيليشيا نواك إلى أنهم اكتشفوا أن عدة أشياء يمكن أن تؤثر على حركة الأيض وتصرفات الصغار، وذلك بناء على نوع الغذاء الذي اتبعه الآباء. وذكر الباحثون أن الغذاء الذي يأكله الذكور ينطبع في الجينات التي تنتقل إلى الصغار، مما يعني أن بدانتهم تنتقل إلى صغارهم جينيا.
ولكن كان مفاجئا اكتشاف أن هذه الفئران البدينة كانت أكثر حركة من الفئران الأخرى، وبعد مرور 6 أسابيع من ولادتها كانت تركض وتقوم بنشاط جسدي طوعي أكبر، مما حال دون معاناتها من أمراض معينة قد تتسبب في نفوقها. وليس معروفا إذا كان النشاط الزائد لدى الفئران ناجما عن تغير جيني جاء من الآباء، أو كآلية واعية مارستها لحرق فائض الشحوم لديها وتقليل وزنها. ومع أن الدراسة أجريت على الفئران، إلا أن النتائج قد تشير إلى نمط معين من الوراثة قد ينطبق أيضا على ثدييات أخرى كالبشر.