كيف يمكن للاتفاق الأوروبي - اللبناني بشأن المهاجرين أن يعمل

لا يكفي الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان وتقديم المساعدات المالية في معالجة أزمة الهجرة غير النظامية التي تقلق الطرفين، في وقت يرزح فيه لبنان تحت أزمة سياسية واقتصادية ومالية خانقة، عمقتها تدفقات المهاجرين المتزايدة.
بيروت - يطرح الاتفاق الأوروبي – اللبناني حول معالجة أزمة الهجرة غير النظامية، خصوصا بعد إعلان المفوضية الأوروبية في مايو الجاري عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو لبيروت، تساؤلات عن طرق اشتغاله وتفعيله.
ويرى مراقبون أن حزمة المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى لبنان تستدعي أولا معالجة بيروت لمشاكلها السياسية والاقتصادية العميقة منذ فترة، حتى تتمكن من التصدي لتدفقات المهاجرين المتزايدة نحو أوروبا.
ويستضيف لبنان، الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، نحو مليونَي سوري، أقلّ من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، في وقت خفضت فيه الجهات المانحة، بما فيها الاتحاد الأوروبي، تمويلها لبرامج اللاجئين.
وتقول كيلي بيتيلو، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومساهمة منتظمة في بودكاست عرب دايجست، ضمن مقال لها إن “رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنت في 2 مايو الجاري عن حزمة مساعدات لبيروت بقيمة مليار يورو”.
لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019 يستضيف نحو مليونَي سوري، أقلّ من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة
ويتزامن ذلك مع ارتفاع عدد اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى قبرص قادمين من لبنان.
ويقوم الاتفاق على النموذج المنصوص عليه في الاتفاقات الأخيرة مع تونس ومصر، حيث توقف الدولتان وصول المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا مقابل التمتع بالدعم المالي وتعزيز التعاون في إدارة الحدود.
وتضيف الكاتبة “تعدّ الحاجة ملحة إلى اتفاق دعم من الاتحاد الأوروبي للبنان، فهو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى الفرد في العالم. لكنه لم ينل سوى 27 في المئة من التمويل العالمي لاستجابته للاجئين السوريين في العام الماضي”، لافتة إلى أن “محاولة تكرار هذه الصفقات في لبنان تهدد بنتائج عكسية، وقد ضحّى الاتحاد الأوروبي بالضغط من أجل الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الحيوية للوفاء بضرورات الهجرة في هذه الاتفاقيات. وسيفشل أي اتفاق يتجنب معالجة مشاكل لبنان العميقة في تحقيق الاستقرار في البلاد. ولن يعالج الأسباب التي تدفع المهاجرين إلى أوروبا، سواء كانوا من السوريين الموجودين في لبنان أو من اللبنانيين أنفسهم”.
وتعتبر كيلي بيتيلو أن “الاتحاد الأوروبي مطالب بالالتزام بعدة خطوات عند تنفيذ الصفقة، أهمها تهيئة الظروف لتأمين الإصلاحات المطلوبة التي تعالج الوضع المالي المتردي والفساد المتجذر في البلاد، كما يجب أن يبرز الأوروبيون ارتباط دعمهم بمساعدة اللبنانيين على مكافحة مظالمهم الحالية باسم مصلحة الاستقرار المشتركة، ويتطلب هذا الجهد من الاتحاد الأوروبي زيادة التمويل مباشرة إلى المنظمات المحلية (بما في ذلك المنظمات التي يقودها اللاجئون)، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الدولية والأمم المتحدة، بدلا من توجيهه من خلال الحكومة الفاسدة، فضلا عن تجنب تقديم أي مساعدة تجعله متواطئا في إعادة اللاجئين القسرية إلى سوريا”.
وترى بيتيلو أن “عمليات ترحيل أجهزة الأمن اللبنانية القسري للسوريين قد ارتفعت في سنة 2023. ويعدّ هذا سببا مباشرا في زيادة عدد الوافدين إلى قبرص وأوروبا، كما يتعرض العديد من السوريين الذين عادوا (أو تقرر ترحيلهم) إلى سوريا للخطر، فقد تقتلهم السلطات السورية أو تسيء معاملتهم، وهو ما يدفع بالمزيد من اللاجئين في لبنان إلى محاولة المغادرة إلى أوروبا بدلا من البقاء فيه”، مشيرة إلى أنه “يتوجب على الاتحاد الأوروبي اعتماد التمويل الجديد كي يكون وسيلة ضغط لحشد التأييد السياسي للحكومة اللبنانية من أجل ضمان تجنب إعادة السوريين إلى وطنهم قبل الأوان وقسرا”.
ودعت الكاتبة إلى ضرورة “ربط الدعم المالي بالتقدم في إصدار المزيد من وثائق الإقامات القانونية للسوريين في لبنان. ويعتبر هذا الأمر حيويا لجعل وجودهم في لبنان مستداما”، مذكرة بأن “80 في المئة من السوريين يفتقرون إلى هذه الوثائق بسبب صعوبة الحصول عليها، ويمكن أن يدعو الاتحاد الأوروبي إلى جعل هذه التصاريح مؤقتة وتخضع لمراجعة منتظمة بناء على الوضع داخل سوريا (الذي يجب أن تتم مراقبته بشكل مستقل) لمعالجة مخاوف بيروت من الوجود الدائم للاجئين السوريين الذي يمكن أن يقلب التوازن السياسي الهش في البلاد”.
وفي عام 2023 أُعيدَ توطين 2800 سوري فقط من لبنان في الاتحاد الأوروبي، ما يعادل 1 في المئة من عدد السوريين الذين يعيشون في البلاد والذين كانوا بحاجة إلى إعادة التوطين. كما أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بتعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، تدعو إلى المزيد من الضغط على اللاجئين في لبنان.
حزمة المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى لبنان تستدعي أولا معالجة بيروت لمشاكلها السياسية والاقتصادية العميقة، حتى تتمكن من التصدي لتدفقات المهاجرين
وتوضح مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن “ارتفاع الضغط السياسي الداخلي في بعض دول الاتحاد الأوروبي لمعالجة أعداد الهجرة المتزايدة، كان سببا في ظهور اتجاه تجادل فيه الحكومات الأوروبية بوجوب ترحيل السوريين إلى مناطق آمنة في البلاد، على الرغم من التقارير التي تفيد بأن سوريا لا تزال غير آمنة. كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يفعل كل ما في وسعه لمقاومة هذه الاتجاهات والحفاظ على التأكيد القائل بأن سوريا ليست آمنة في بيانه في مؤتمر هذا العام لدعم سوريا. وسيسبّب الفشل في ذلك ارتفاعا حادا في عمليات الإعادة القسرية والمبكرة، وحتى المزيد من المحاولات للوصول إلى أوروبا بشكل غير نظامي في نهاية المطاف”.
ويقع لبنان على بعد نحو 160 كيلومترا من قبرص التي يحاول المهاجرون الوصول إليها بحرا من مدينة طرابلس في شمال لبنان.
وتقول قبرص إنها تشهد تدفقا متزايدا للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، خاصة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر الماضي. وتعتبر أن التصعيد عند الحدود بين حزب الله وإسرائيل أضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنْع مغادرة قوارب المهاجرين.
ومنذ مطلع العام الجاري وصل إلى قبرص أكثر من أربعين قاربا، على متنها نحو 2500 شخص وفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي لم تحدد عدد القوارب التي انطلقت من لبنان وتلك التي انطلقت من سوريا.
وأعادت نيقوسيا عددا من القوارب إلى لبنان في الفترة الأخيرة، في عمليات تصر على أنها قانونية، بموجب اتفاقية ثنائية أُبرمت قبل سنوات مع بيروت بشأن إعادة المهاجرين غير النظاميين.
وكان الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس قد زار لبنان في الثامن من أبريل الماضي، وبحث مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مشكلة اللاجئين وكيفية ضبط تدفقهم باتجاه بلاده.
ويبحث المهاجرون، الذين يبدأون رحلتهم على متن قوارب غالبا ما تبحر من شمال لبنان، عن حياة أفضل في دول أوروبية، ويتوجه معظمهم إلى قبرص.
وكان الاتحاد الأوروبي قد توصل مؤخرا إلى اتفاقيات تعاون ودعم جديدة مع مصر وتونس وموريتانيا، من شأنها تقديم مساعدات مالية تقدر بمليارات اليوروهات.
اقرأ أيضاً:
• انهيار المؤسسات وفوضى السلاح يفاقمان ظاهرة الهجرة غير النظامية في ليبيا