كيف يمكن إحراز تقدم في المباحثات المجمدة حول النووي الإيراني

لا توجد أي إشارة على حدوث تقدم في موضوع إعادة الحياة إلى الاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015، والذي تنصل منه الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.
وقيّد ذلك الاتفاق العديد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، لكن تم تجاهله بسبب الانسحاب الأميركي وانتهاكات إيران لبنوده، ولم تتمكن سبع جولات من المحادثات في فيينا برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تجاوز الخلافات بين الأطراف.
ومن المهم التذكر أن الاتفاقية النووية، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، لم تكن أبدًا معاهدة قائمة بحد ذاتها لمنع إيران من جميع الأنشطة النووية، بل كانت جهدًا بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهم (الولايات المتحدة والصين وروسيا) لإعادة إيران إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ولم تنسحب إيران أبدا من تلك المعاهدة وقالت إنها سعت للالتزام ببنودها التي تسمح بالاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، وتقديم الأدلة التي يمكن التحقق منها على أن مثل تلك الأنشطة لا يتم توظيفها في برامج التسلح.
ووضعت الاتفاقية إيران في خانة العقوبات، مما يتطلب من الحكومة وقف أو تقليص أنشطة محددة وفق جداول زمنية مختلفة، ونصت الصفقة على إتمام بنود الاتفاقية تدريجيا، وعودة إيران إلى الدولة الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي.
ونص الاتفاق الدبلوماسي على تزويد إيران بخطة إنقاذ مالية للتعامل مع العديد من العقوبات المشددة المفروضة عليها من قبل المجتمع الدولي، لاسيما من جانب الولايات المتحدة، ولكن حملة “الضغط الأقصى” التي شنها ترامب ضد إيران والتحدي المتبادل من جانب طهران الذي تمثل في تكثيف تخصيب اليورانيوم إلى ما بعد المستويات التي حددها الاتفاق أضافا الكثير من التعقيد على جهود إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاقية.
هناك حوار جديد بين جيران إيران لن يحل المشكلة النووية لكنه قادر على تحسين البيئة الأمنية في المنطقة
وقد لخص مسؤول في وزارة الخارجية الوضع في ختام الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا الأسبوع الماضي بقوله “لقد كان الوضع أفضل مما كان يمكن أن يكون عليه، كما كان أسوأ مما كان ينبغي أن يكون”، وأكدت هذه العبارة للكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز إحباط الجانب الأميركي من أن إيران اختارت إنهاء المحادثات، على الرغم من إحراز بعض التقدم المتواضع في ما يخص دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع وبشأن النص الخاص بالمفاوضات المستقبلية.
ومن الواضح أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، حيث تسعى إيران للحصول على ضمانات برفع جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد 2018 أولاً، في حين تصر الولايات المتحدة على التزام إيران بالامتثال الكامل للاتفاقية قبل بدء عملية تخفيف العقوبات.
وكان أحد سهام النقد التي وجهت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في الماضي هو الافتقار إلى دور رسمي للقوى الإقليمية، وهي المتأثر الأكبر وبشكل مباشر بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، أي إسرائيل ودول الخليج العربية، وحتى قبل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية في نهاية عهد ترامب، قام حلفاء الولايات المتحدة الخليجيون بممارسة الضغوط كل على حدة على واشنطن لاتباع سياسات صارمة تجاه إيران، وكانت النبرة التي نقلوا بها هذه الآراء إلى العاصمة واشنطن عاملاً كبيراً في المداولات السياسية والدبلوماسية الأميركية.
ولكن بالنظر إلى المأزق بين واشنطن وطهران، وخيبة الأمل في القيادة الأميركية من جانب الدول الصديقة في الشرق الأوسط، فإن تلك القوى بدأت في تغيير مواقفها، حيث تشير سلسلة من التقارير الصادرة من إسرائيل إلى أن شخصيات رئيسية في الأمن القومي تقول الآن إن حملتهم لتقويض الدعم الأميركي لخطة العمل الشاملة المشتركة ربما لم تكن خطوة حكيمة.
ويدرك بعض هؤلاء الخبراء الأمنيين الآن أن خطة العمل الشاملة المشتركة، مع فوائدها المحدودة، كانت تُلجم أنشطة إيران، ولا يوجد حل عسكري، لقد استطاعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية التخفيف من سرعة البرنامج النووي الإيراني من خلال عمليات سرية ضد البنية التحتية واغتيال العلماء، لكن هذه التحركات المثيرة للجدل لم تخفف من حدة التهديد.
وربما أدرك الإسرائيليون أيضًا أن علاقاتهم الوثيقة مع ترامب قامت على فرضية خاطئة، حيث فسروا حديثه الصارم عن إيران على أنه تعهد باستخدام القوة إذا لزم الأمر لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، لكن في الواقع كان خطاب ترامب عن التضامن المشترك بشأن التهديد الإيراني هو تشجيع لدول المنطقة للتعامل مع المشكلة، لأنه كان يعارض بشدة الخوض في مغامرة عسكرية جديدة.
والآن أصبحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أكثر إدراكاً للتحديات الهائلة حول استخدام القوة العسكرية دون مشاركة الولايات المتحدة، وفي الأسبوع الماضي ضغط المسؤولون الإسرائيليون بشدة في العاصمة واشنطن للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تستبعد القوة للتعامل مع إيران.
وفي الجانب العربي، ظهر اهتمام جديد بالدبلوماسية مع الجانب الإيراني، والذي يقوم على العراق بصفته جسرا بين الجانبين، ولا ينبغي التوقع بمد جسور الثقة بين الجانبين بين عشية وضحاها، لكن الإقرار بأن دول الخليج العربية يمكنها فعل المزيد لمنع الصراع هو تطور مرحب به، وقد يقوم على أساس معرفة أن الولايات المتحدة إما لا تستطيع حل مشكلة إيران أو لن تقوم بحلها.
وسواء نجحت عملية فيينا أم لا، فهناك حوار جديد بين جيران إيران قائم على مبدأ النفعية، ولن يحل ذلك الحوار المشكلة النووية، لكنه قادر على تحسين البيئة الأمنية في المنطقة.